رقصة المطار.. وديك طوقان

07 ابريل 2015

إبراهيم طوقان: أرجو المعذرة عن صمتي

+ الخط -

عجبت من صمت الشاعر المرحوم، إبراهيم طوقان، في الاجتماع الذي عقدناه على عجل، للرد على "رقصة المطار" التي أداها رهط من المتدينين اليهود في مطار الملكة علياء الأردني، وأهانت الشارع العربي من الرصيف إلى الرصيف، غير أنني كنت متفائلاً بأنه لا بد من أن يدلي بدلوه، خصوصاً وأنه متخصص بمقارعة المحتل شعرياً ومنحاز إلى آلام الأمة بكل جسده النحيل.

عموماً، أحاول، هنا، تلخيص الاقتراحات التي تمخضت عنها قرائحنا، نحن السادة المفكرين العرب، في الاجتماع، للرد على الإهانة الإسرائيلية الجديدة:

- اقترحت إحداهن إرسال فرقة رقص فلكلورية إلى مطار بن غوريون الإسرائيلي، على قاعدة المعاملة بالمثل والبادئ أظلم، على أن تردد الفرقة هناك الأغنية الشعبية التي ينشدها مطربو الأعراس: "يا ويل اللي نحاربه.. بالسيف نقطع شاربه"، على اعتبار أن العروس في ليلة الدخلة عدو ينبغي تمزيقه، غير أن الاقتراح لم يلق صدى في نفوس المجتمعين الذين كانوا يعرفون، جيداً، أن "الشوارب" الإسرائيلية لم تزل منتصبة، لم تنل منها السيوف العربية، مجتمعة أو متفرقة، فتم التغاضي عنه.

- خطر في ذهن مفكر خفيف الظل إرسال المطرب شعبان عبد الرحيم إلى المطار الإسرائيلي، ليؤدي هناك أغنيته الشعبية الشهيرة "بكره إسرائيل وبحب عمرو موسى"، لا سيما وأن الشارع العربي فتن، ذات حقبة، بهذه الأغنية حتى باتت لازمة يرددها حتى الأطفال، غير أن متخصصين بانقلاب العسكر في مصر رأوا أنها أغنية لم تعد تلائم المرحلة الانقلابية التي وقف فيها عمرو موسى نصيراً للبساطير العسكرية ضد إرادة الشعب، فأبدى أحد المجتمعين وجهة نظر حكيمة، بإحداث انقلاب مماثل في الأغنية نفسها لتغدو: " بحب إسرائيل وبكره عمرو موسى"، لتتلاءم مع المرحلة الجديدة، غير أن الاقتراح برمته تم طمسه، لأن الهدف من الذهاب إلى إسرائيل، هو إعلان الكره لا الحب عليها.

- أخيراً توافق المجتمعون، وعقب جدل واحتقان طويلين، على إرسال فرقة رقص بزيّ الهنود الحمر، وبمصاحبة طبول ضخمة، لتؤدي هناك رقصتها الدائرية الشهيرة حول الفريسة، مع زيادة جرعة الأصوات البدائية المتقطعة بالأكفّ، إمعاناً في إرهاب الضحية، المقصود فيها إسرائيل طبعاً.

انفض الاجتماع، وخرج المجتمعون، بمن فيهم الشاعر إبراهيم طوقان الذي مكث صامتاً، على غير عادته، وبقيت وحدي أتأمل طاولة الاجتماع التي شهدت صخبنا واقتراحاتنا العبقرية، ولا أدري كيف وقعت عيناي على ورقة مطوية على الطاولة، حيث كان يجلس طوقان، فدفعني الفضول إلى التوجه إليها وفتحها، وكم كانت صدمتي بالغة، وأنا أقرأ هذه الكلمات:

"أرجو المعذرة عن صمتي، لكنه كان ملاذي الوحيد أمام طريقة تفكير عربية، لم تتغير منذ عقود الذبح الأولى على يد المحتل الصهيوني، أعني منذ كتبت قصيدتي عن حال الديك الذبيح، الذي كان "يرقص" من شدة الألم، فيما كان الناس المجتمعون حوله يعتقدون أنه يرقص على "حلاوة الروح"، ولأنني أعلم أنكم شعوب بذاكرة مثقوبة، سأكرر إيراد ثلاثة أبيات فقط من تلك القصيدة:

وجرى يصيحُ مصفّقاً حيناً فلا/ بصرٌ يزوغُ ولا خطًى تتنكَّبُ

قالوا حلاوةُ روحه رقصتْ به/ فأجبتهم ما كلّ رقصٍ يُطربُ

يعدو فيجذبه العياءُ فيرتمي/ ويكاد يظفر بالحياة فتهربُ

عموماً، أنا على قناعة بأن العرب لم يتمكنوا حتى اللحظة من التفريق بين رقصتين: رقصة الذابح، ورقصة الذبيح. كلاهما يرقص، نعم، لكن شتان بين إحساسين. الأول متمخض عن نشوة الانتصار، والآخر نازف من شدة الانكسار، فأولئك الرهط من الصهاينة الذين رقصوا في المطار العربي كانوا يؤدون رقصة المنتصر التي لم تعد تتسع لها فلسطين برمتها، فراحوا يحملونها إلى المطارات العربية، بوصفها تهيئة لاحتلال آخر قريب، أما رقصتكم أنتم فدعوا الديك الذبيح يفسرها على طريقته، وإلى اللقاء في مطار عربي آخر".

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.