تكاثرت شكاوى واتهامات نساء من تصرفات مسيئة تصدر عن بعض الرقاة الشرعيين في المغرب، بلغت حد التحرش الجنسي والاغتصاب أو محاولة الاغتصاب، وتصوير ضحاياهم، وهي شكاوى تحول بعضها إلى ملفات تتداولها حاليا المحاكم المغربية.
ومن آخر القضايا التي تنظر فيها محكمة الدار البيضاء حالة الراقي الشرعي المعروف مصعب، وهو رهن الاعتقال حالياً بعد شكوى تقدمت بها سيدة اتهمته فيها باستغلالها جنسيا عند قيامه بـ"رقيها" وهي في غيبوبة، كما ضبطت الشرطة في المركز الذي يعمل فيه أجهزة تصوير لضحاياه.
تحرش ونصب
وتحكي السيدة أحلام، وهي ثلاثينية من مدينة سلا، لـ"العربي الجديد"، كيف تعرضت أخيراً للتحرش الجنسي من طرف أحد الرقاة الذي تعرفت إليه عبر صفحته في موقع "فيسبوك"، وكيف برر مسه لها في مناطق حساسة من جسدها بأنه يحاول إخراج الجن العاشق الذي يسكنها.
وتضيف المتحدثة أنه في البداية وضعت كامل ثقتها في هذا الراقي بالنظر إلى طريقته في الحديث والإقناع، ونظرا أيضا للعدد الكبير لزبائنه رجالاً ونساء، ومن جميع الفئات الاجتماعية فقراء وأغنياء، ومتعلمين وأميين، لكن بعد تكرار تحرشه الصريح بها قطعت زيارتها له، وأخفت الأمر عن زوجها حتى لا تتطور الأمور إلى ما لا تحمد عقابه.
شكاوى أخرى رفعت ضد عدد من الرقاة اتخذوا من هذه المهنة مجالاً لـ"النصب المالي"، وهو ما سردته فتيحة لـ"العربي الجديد"، مشيرة إلى أنها كانت تعاني من الصرع، وطالبها أحد الرقاة المعروفين بالدار البيضاء بمبلغ مالي يصل إلى 8 آلاف درهم للجلسة الواحدة، وهو ما عجزت عن تلبيته، قبل أن يتبين لها أنها كانت ضحية احتيال بسبب عدم تحسن حالتها رغم دفعها أموالاً تفوق قدرتها، ووجدت الحل عند مواظبتها على حضور جلسات لدى طبيبة نفسية.
الرقاة... لا للتعميم
بالمقابل، يرد الراقي عبد الحميد أبو إسماعيل، في تصريح لـ"العربي الجديد"، على هذه الاتهامات الموجهة إلى العديد من الرقاة بقوله إن الأمر ينطبق عليه المثل المغربي القائل: "حوتة واحدة تخنز شواري"، أي أن سمكة واحدة بإمكانها أن تثير رائحة كريهة في البضاعة كلها.
ويشرح المتحدث بأنه لا يمكن تعميم هذه الاتهامات على جميع المشتغلين في مجال الرقية الشرعية، لأن هناك بالفعل من يتخذونها مهنة لجمع المال أو لمحاربة البطالة، أو لتلبية نزوات مريضة، غير أن الأكثرية هم من حملة القرآن، ويرغبون في مداواة المرضى بأمراض تستعصي على الطب وتحتاج الشفاء الرباني عبر القرآن والرقية التي تلتزم بضوابط الشرع.
ضوابط وتداعيات
ويقول الباحث الدكتور إدريس الكنبوري إن الإقبال الكثيف على امتهان الرقية تحول إلى مشكلة في المجتمع المغربي، إذ أصبحت الرقية وسيلة لدى كثيرين لتحصيل المال، وهي رد فعل على واقع اقتصادي واجتماعي، وكثيرون ممن لا يجدون عملاً يلجأون إلى هذه الوسيلة السهلة التي لا تتطلب مجهودا.
ويتابع الكنبوري في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "انتشار هذه الظاهرة أخيرا في المغرب يعكس وجود طلب عليها من أوساط اجتماعية كثيرة، خاصة الفئات الراقية"، مضيفا أنها "انعكاس لفقدان التوازن الاجتماعي وانتشار العوارض النفسية بسبب تقلبات الحياة المعاصرة وضغط الواقع اليومي".
ويشدد المتحدث على أن "هذه الظاهرة التي تسمى رقية ليست في الحقيقة سوى شعوذة مغطاة بالدين، لأن الكثيرين يفتقدون إلى الشروط الذاتية لممارستها، لكن في ظل الفوضى وغياب القانون يصبح أي شخص حرا في أن يعمل ما يشاء، وهذا ما يؤدي إلى مآس كثيرة مثل الاغتصاب".
ويسترسل بأن "السبب الرئيس هو انفراد الشخص الممارس للرقية بالمرأة، ومن الطبيعي في هذه الحالة أن يطلق لنزواته العنان، لأن البعض يصر على أن الرقية لها طقوس معينة، لكن هذه الطقوس التي ليس لها أساس شرعي تؤدي إلى كوارث اجتماعية وإنسانية".