أصبحت عبارة "الدعم يهدر المال العام" تتردّد كثيراً خلال السنوات الماضية في عدد من الدول العربية. ينظّر أتباع مدرسة السوق الحرّة بأن الفساد في الإدارات العامة يمنع وصول الدعم إلى الفئات التي يجب أن تستفيد منه. يؤلفون مقالات وكتباً ومجلدات عن ضرورة خفض الإنفاق غير المجدي، وتحقيق التوازن في الميزانية العامة، لخفض الديون المتوجبة على الدولة... ومن ثم ينتقلون إلى الفكرة الأساس وهي ترك المرافق العامة لإدارة القطاع الخاص، وبأحسن الأحوال تحقيق الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص في ادارة المرافق.
تحليل لا يمكن أن يكون أكثر سطحية، ولا أكثر تلاعباً بمعاناة المواطنين، ولا أكثر استثماراً لرداءة الخدمات العامة التي يجب أن تؤمنها الحكومات بإشراف البرلمانات التي يتلقى أعضاؤها رواتبهم من دافعي الضرائب والرسوم، أي من الناس.
يمكن ببساطة طرح سؤال على أصحاب نظرية رفع الدعم: هل المشكلة في الدعم أم في الفساد؟ هل حل المشكلة يكون عبر رفع الدعم أم القضاء على الفساد؟ وهل من المستعصي على الحكومات إجراء مسوح اجتماعية تحدد فيها عدد الأسر الفقيرة لكي توجه لها الدعم؟ ومن ثم هل من يدير اللعبة الاقتصادية غير متورط بالفساد الذي يهدر المال العام في كل المرافق لا في آليات الدعم حصراً؟
في الأسابيع الماضية، أعلنت مصر أنها ستحوّل الدعم العيني للفقراء إلى دعم نقدي. يا سلام، وهل تعلم الحكومة عدد الأسر الفقيرة لكي تدعمها أصلاً؟ إذ إن الأكيد أن تصريحها ليس إلا حبراً على ورق لتمرير خطة رفع الدعم.
وفي تونس، أعلنت الحكومة أن خلل الموازنة لا يتحقق إلا برفع الدعم، وكذا في الأردن ولبنان واليمن وسورية والعراق وغيرها. لتسير هذه الدول على مبدأ استئصال يد من جسد مريض بدلاً من التفكير في علاج يزيل المرض من الجسد كله.
لا شك في أن الهدر موجود في آليات الدعم، من المحروقات وصولاً إلى المواد الغذائية الأساسية فالرغيف. وهذه الأزمة تلازم كل الدول العربية التي تلتزم قنوات الدعم، ومن دون استثناء. ولا شك أيضاً في أن غالبية الإدارات العامة فاسدة، وأن عدداً كبيراً من الموظفين فاسدون.
إلا أن هذا الهرم يرأسه وزراء غالبيتهم من أرباب الفساد في هرم السرقات والنهب. وهم الوزراء أنفسهم الذين يدعون إلى رفع الدعم، وأنفسهم الذين يقررون إمّا السير في الخصخصة أو مواجهتها، بحسب حصتهم المضمونة من كعكة الصفقات... فالبلدان الفاسدة التي يستبيح موظفوها وحكامها دعم الفقراء، لا حدود فيها لاستغلال المال العام وهدره، بشتى الطرق.
وفي نهاية كل مسرحية لرفع الدعم أو خفضه، ولإقرار الخصخصة أو الشراكة، يبدأ كل من البنك الدولي وصندوق النقد بالتصفيق ومنح شهادات النجاح للأنظمة مهما كانت سياساتها جائرة. فكلتا الجهتين تريد خفض إنفاق الدول الضعيفة، ولو مات فقراؤها، من أجل خفض مستوى العجز والدين ومن ثم تمكين هذه الدولة من الاقتراض من جديد، لتصبح خاضعة تماماً لسياسات الصندوق وتوجيهات البنك في كل السياسات والخطط التي تحول الأسواق العربية إلى مكب لقمامة الصناعات والسلع الأوروبية والأميركية.
أما ملايين المتضررين من الأنظمة العربية الفاشلة، الذين دخلوا منظومة الدعم بسبب الاختلال بين مستوى الأجور ومعدل التضخم، وبسبب فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية في تحقيق التوزيع العادل للثروات الوطنية، هؤلاء، فليموتوا جوعاً. فالسلطة التي أحدثت الفجوة الاجتماعية، والتي سحقت قدرتهم الشرائية، والتي تسوق لرفع الدعم أو رفعته أصلاً، لن تفكر بمصير المطحونين من جراء فسادها. ولن تفكر في اجتراح سياسات جديدة لتمكين مواطنيها.
الأنظمة العربية، أولاً وأخيراً، لا تفكر إلا بنفسها وبدوام سلطتها.
إقرأ أيضا: ما هو رأس المال الثابت والمتحرّك والمكتسب؟
يمكن ببساطة طرح سؤال على أصحاب نظرية رفع الدعم: هل المشكلة في الدعم أم في الفساد؟ هل حل المشكلة يكون عبر رفع الدعم أم القضاء على الفساد؟ وهل من المستعصي على الحكومات إجراء مسوح اجتماعية تحدد فيها عدد الأسر الفقيرة لكي توجه لها الدعم؟ ومن ثم هل من يدير اللعبة الاقتصادية غير متورط بالفساد الذي يهدر المال العام في كل المرافق لا في آليات الدعم حصراً؟
في الأسابيع الماضية، أعلنت مصر أنها ستحوّل الدعم العيني للفقراء إلى دعم نقدي. يا سلام، وهل تعلم الحكومة عدد الأسر الفقيرة لكي تدعمها أصلاً؟ إذ إن الأكيد أن تصريحها ليس إلا حبراً على ورق لتمرير خطة رفع الدعم.
وفي تونس، أعلنت الحكومة أن خلل الموازنة لا يتحقق إلا برفع الدعم، وكذا في الأردن ولبنان واليمن وسورية والعراق وغيرها. لتسير هذه الدول على مبدأ استئصال يد من جسد مريض بدلاً من التفكير في علاج يزيل المرض من الجسد كله.
لا شك في أن الهدر موجود في آليات الدعم، من المحروقات وصولاً إلى المواد الغذائية الأساسية فالرغيف. وهذه الأزمة تلازم كل الدول العربية التي تلتزم قنوات الدعم، ومن دون استثناء. ولا شك أيضاً في أن غالبية الإدارات العامة فاسدة، وأن عدداً كبيراً من الموظفين فاسدون.
إلا أن هذا الهرم يرأسه وزراء غالبيتهم من أرباب الفساد في هرم السرقات والنهب. وهم الوزراء أنفسهم الذين يدعون إلى رفع الدعم، وأنفسهم الذين يقررون إمّا السير في الخصخصة أو مواجهتها، بحسب حصتهم المضمونة من كعكة الصفقات... فالبلدان الفاسدة التي يستبيح موظفوها وحكامها دعم الفقراء، لا حدود فيها لاستغلال المال العام وهدره، بشتى الطرق.
وفي نهاية كل مسرحية لرفع الدعم أو خفضه، ولإقرار الخصخصة أو الشراكة، يبدأ كل من البنك الدولي وصندوق النقد بالتصفيق ومنح شهادات النجاح للأنظمة مهما كانت سياساتها جائرة. فكلتا الجهتين تريد خفض إنفاق الدول الضعيفة، ولو مات فقراؤها، من أجل خفض مستوى العجز والدين ومن ثم تمكين هذه الدولة من الاقتراض من جديد، لتصبح خاضعة تماماً لسياسات الصندوق وتوجيهات البنك في كل السياسات والخطط التي تحول الأسواق العربية إلى مكب لقمامة الصناعات والسلع الأوروبية والأميركية.
أما ملايين المتضررين من الأنظمة العربية الفاشلة، الذين دخلوا منظومة الدعم بسبب الاختلال بين مستوى الأجور ومعدل التضخم، وبسبب فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية في تحقيق التوزيع العادل للثروات الوطنية، هؤلاء، فليموتوا جوعاً. فالسلطة التي أحدثت الفجوة الاجتماعية، والتي سحقت قدرتهم الشرائية، والتي تسوق لرفع الدعم أو رفعته أصلاً، لن تفكر بمصير المطحونين من جراء فسادها. ولن تفكر في اجتراح سياسات جديدة لتمكين مواطنيها.
الأنظمة العربية، أولاً وأخيراً، لا تفكر إلا بنفسها وبدوام سلطتها.
إقرأ أيضا: ما هو رأس المال الثابت والمتحرّك والمكتسب؟