رغم التقشف مصر تغرق في الديون

26 أكتوبر 2015
شباب يطالبون بالإصلاحات بسبب تفاقم الديون(Getty)
+ الخط -
تعتبر مشكلة الديون من أبرز تحديات النمط الاقتصادي السائد الآن، وهي معضلة لصيقة الصلة باقتصاد الدول غير المنتجة، فالدين هو عنوان لأزمة الاقتصاد وسبب لها في نفس الوقت. الاقتصاد المصري كغيره من الاقتصاديات المتأزمة يعاني من تراكم الديون على مدار عشرات السنين، لكن أزمة الديون تفاقمت مع آخر عشر سنوات حتى وصلت إلى مرحلة غير آمنة. 
تعد خطورة الديون في تكلفتها المالية والتي تعرف بخدمة الدين، ولا تنتهي بالتأكيد على الآثار الاقتصادية التي تتحملها الأجيال. فالدين أداة لانصياع الشعوب لإرادة غيرها من الدولة الدائنة، وهو من أبرز أدوات الضغط التي تفوق التدخل العسكري أحياناً. غالباً تفرض الديون مواقف تتعارض مع مصالح الشعوب، كما ترتبط الديون أيضاً بسياسات التقشف، حيث تشترط الهيئات الدولية والمالية أو الدول التي تقرض إجراءات اقتصادية تضمن سداد الدين.
في مصر أعلن البنك المركزي عن ارتفاع الدين خلال نهاية 2014-2015 بمقدار ملياري دولار ليصل إلى 48.1 مليار دولار.

تفاقم الأزمة

تفاقم مشكلة الدين جاء بسبب وضع الاقتصاد المصري الذي تغير نمطه من اقتصاد يحاول تحقيق معدلات نمو عبر الإنتاج إلى اقتصاد هش غير حقيقي تمثل فيه الاستثمارات المالية والعقارية الجزء الأكبر. ومع تراجع معدلات الناتج المحلي تراجعت قدرة مصر على سداد الديون مما زاد من أعباء تكاليف سداد الديون من أقساط وفوائد. وإذا أضفنا ارتفاع فائدة الدين من جانب وعدم قدرة الحكومات المتعاقبة على التفاوض بشأن الفائدة من جانب آخر، سوف ندرك خطورة فساد الحكومات المتعاقبة التي اختارت القفز في مكانها في محاولة لتجاوز أزمتها.

اقرأ أيضاً:14 ألف جنيه نصيب الفرد المصري من الديون

ومع انخفاض قيمة الجنية مقابل الدولار تزيد مشكلة سداد الدين الخارجي، وتزداد أيضاً المشكلة حين لا تستطيع الدولة توفير النقد الأجنبي فتلجأ إلى التهام الاحتياطي النقدي والمصارف، وهو ما حدث فعلياً حيث تراجع الاحتياطي إلى 16 مليار دولار بنهاية الشهر الماضي بعدما وصل إلى أكثر من 20 مليار دولار بعد قروض بعض دول الخليج.
على جانب آخر، طرحت السلطة مسألة الدين كتحد اقتصادي لابد من تجاوزه. كان الطرح تمهيداً لقبول المجتمع لإجراءات التقشف التي تنوي الدولة تطبيقها وكانت رغبة السلطة في ألا تستدين مصر إطار لقبول التقشف. أعلنت سلطة 30 يونيو/حزيران على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي حتى قبل مجيئه للرئاسة، أنه لابد من اتخاذ قرارات جادة لتخفيف عبء الدين، وعلل ذلك بأنه لا يقبل أن تستمر السياسات الاقتصادية بلا تغيير وعلى الجميع التضحية حتى لمدة جيلين. وأظهر السيسي في هذا التوقيت توجهاً وطنياً يرفض الاستدانة ورهن القرار المصري بالمساعدات أو الاقتراض. لكن ما حدث عكس ذلك تماماً فمن جانب قامت السلطة بسلسلة إجراءات اقتصادية عنيفة لم يستطع أحد اتخاذها، حيث خفضت الدعم على السلع والخدمات وارتفعت أسعارها، كما فرضت سلسلة من القوانين الجبائية بغرض تخفيف عجز الموازنة، ورغم كل هذه الإجراءات العنيفة اجتماعياً والتي تتحمل تكلفتها الفئات الفقيرة وبعض شرائح الطبقة الوسطى إلا أن السلطة تلقت أيضاً وفي ذات الوقت الذي فرضت فيه التقشف مساعدات خليجية قدرت بأكثر من 20 مليار دولار. كما اقترضت من البنك الدولي وبهذا توسعت خريطة الدائنين وزادت معدلات الدين وسقطت كل الشعارات، فزادت الديون وزاد التقشف.

اقرأ أيضاً:يريدون بيع مصر

هذا الوضع المتأزم ليس نتاج سياسات السلطة الحاكمة الآن وحسب ولكنها امتداد لسياسات تحرص السلطة على تطبيقها الآن كل الحرص، الفارق بين الآن وما مضى أن السلطة تتجمل بالشعارات بينما تتبع خطوات من سبقتها من حكومات.
هذا الخطاب الزائف ضد القروض والاستدانة خدع البعض لدرجة أن بعض أنصار الاستقلال الوطني باتوا يترجمون كل إجراء اقتصادي بأنه خطوة لإحداث تنمية اقتصادية وطنية بعيدة عن القروض، وعلى الشعب تحمل التقشف الآن. هؤلاء وبعد عام ونصف مضوا مازالوا سجناء مفاهيم وشعارات السلطة التي تتغنى بالاستقلال الوطني بينما سياساتها غارقة في التبعية.
(باحث في الأنثربولوجيا الاجتماعية، جامعة القاهرة)
المساهمون