إقرأ أيضاً: رستم غزالة يخشى أن يتمّ "انتحارَه"
في هذه الحالة قد تبدو صيغة "المؤامرة" قابلة للتصديق، بأنّ النظام أخذ القرار بتصفية غزالي وفعل، تماماً كما هي سيرة العصابات في كل العالم. وتشير المعارك، التي خاضها غزالي في الأشهر الأخيرة من نشاطه الأمني والرسمي في سورية، على أنه بات خارجاً عن سياسات النظام وعبئاً عليه.
غزالي ــ حزب الله
جسّد غزالي في الأشهر الأخيرة محوراً في الداخل السوري يرفض تحكم حزب الله في مفاصل النظام وقراراته الأمنية والسياسية. عبّر غزالي عن رأيه في أكثر من مناسبة خلال المعارك، التي كان يقودها حزب الله نيابة عن الجيش السوري. ليس من السهل على ضابط كان الحاكم الفعلي للبنان وأحزابه وقواه السياسية، أن يكتفي بالنظر إلى التراجع الحاصل في موقعه وموقع البعث. فيوم تم تعيين غزالي قائداً لجهاز الأمن والاستطلاع في القوة السورية العاملة في لبنان، عام 2002، فاض استعماله للقوة والسيطرة في تعامله مع اللبنانيين. لم يرحم أي طرف من هذه السطوة، بمن فيهم حزب الله الذي تعرف قيادته تمام المعرفة أنّ قياديين فيه وأنصاره تعرّضوا للقمع والضرب والتوقيف في معاقل الأجهزة التي كان يديرها غزالي.
وقبل أشهر، مع اقتراب موعد المعركة في جنوب سورية، ثار غزالي على سطوة حزب الله وسيطرته على القرار الأمني لهذه المعركة. فحاول تشكيل فصيل عسكري خاص به وقام بزيارة قريته قرفا (الملاصقة للشيخ مسكين في محافظة درعا، جنوبي سورية)، أكثر من مرة وظهر في الفيديوهات التي سُرّبت وهو يخطب بالمقاتلين والعسكريين محاولاً رفع معنوياتهم. ووصل حدّ المواجهة بين غزالي وحزب الله إلى وقوع أكثر من اشتباك بين الطرفين، تخللها استخدام قذائف الهاون، بحسب ما يؤكد لـ"العربي الجديد" مطلعون على أحوال الجنوب السوري. انتهى العشق بين رستم غزالي والحزب، وانتفض الضابط السوري على صديقه، الأمين العام في حزب الله، حسن نصرالله، الذي أهداه "بندقية المقاومة" عام 2005، قبل أيام من خروج الجيش السوري من لبنان. أمسك غزالي بهذه البندقية ووجهها إلى مقاتلي الحزب الذين ردّوا بالمثل، ليتأكد لاحقاً أنّ لا صوت يعلو فوق صوت حزب الله لدى النظام السوري. فأقيل غزالي وكسرت رتبته بعد الإشكال الذي جمعه مع رئيس شعبة الأمن العسكري في النظام السوري، اللواء رفيق شحادة.
إقرأ أيضاً: غزالي وأموال الحريري
في سياق آخر، بينما تستكمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان (محاكمة المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري)، أعمالها من لاهاي، برز أخيراً اسم رستم غزالي في إفادات الشهود اللبنانيين. تحدث هؤلاء عن الأموال، التي كان يتقاضها الأخير من الحريري بوتيرة شهرية، بين 60 ألف دولار و300 ألف دولار. فيأتي موته أيضاً لإنهاء أي تقدم ممكن قد يحصل في هذه المحكمة على خط تحميله مسؤولية جريمة 14 فبراير/شباط 2005، إضافةً إلى أنه واحد من الضباط السوريين، الذين تم التحقيق معهم من قبل المحققين الدوليين. تحدث هؤلاء أيضاً عن سطوة غزالي على الدولة اللبنانية ومؤسساتها الدستورية، وعلى الانتخابات النيابية وقوانينها، وعلى كل شيء يتعلّق بالحياة في هذا البلد. يمكن إضافة الكثير من المحطات الرئيسية التي كرّست ظلم غزالي، وقبله اللواء غازي كنعان على لبنان، من منع نشرات الأخبار على التلفزيونات المحلية إلى إقفال محطة إم تي في التلفزيونية، مروراً بالتضييق على كل المؤسسات وشتى أنواع الضغوط. لكن اللافت أنّ غزالي مارس هذه المهام نفسها وأكثر على الشعب السوري، إذ تم تعيينه رئيساً لفرع الأمن السياسي في النظام السوري عام 2012، مع انطلاق شرارة الثورة في سورية والمطالبة بإسقاط النظام. فتشهد على سياسته، شوارع درعا وحماة وإدلب، وهي أولى المناطق التي انتفضت على حكم الأسد مطالبة بالحرية. تحوّل الرجل من "أسد قمع" في بيروت إلى "غزال قتل" في سورية.
يضاف إلى كل هذه العوامل، التي عجّلت باقتراب موعد نهاية القاتل، اتهامه بتسهيل عمل شبكات تهريب السلاح والمؤن والنفط التي تمدّ الجيش السوري الحرّ في الجنوبي السوري. فمن يمتهن الاتجار بالأرواح يسهل عليه التجارة بأصناف أخرى. مات رستم غزالي وأخذ معه كل تفاصيل حكم لبنان واغتيال الحريري وغيره من القادة اللبنانيين، بالإضافة إلى كافة الجرائم الأخرى، التي تم ارتكابها بحق الشعبين السوري واللبناني. مات الرجل بلا قصاص ولا عقوبة، وأنقذ من هم أعلى منه رتبة في سلّم النظام السوري وحلفائه. مات غزالي، من التالي لطمس كل هذه الحقائق؟