تسابقت وسائل الإعلام المصرية صباح يوم 18 يوليو/تموز من العام الماضي، على نشر صور لشخص تبدو على وجهه آثار تعذيب. ذكرت تارة أنها لحارس عقار، وتارة أخرى أنها لـ"سايس" (عامل) موقف سيارات، تم تعذيبه على يد معتصمين مؤيدين للرئيس المعزول، محمد مرسي، بميدان رابعة العدوية.
ذكرت الصحف في حينه أن خمسة من شباب "الإخوان المسلمين" المعتصمين في رابعة العدوية قاموا "ببتر إصبع الرجل"، وهم شهاب الدين أبو العلا، طالب، وهيثم العربي (صاحب شركة)، ومحمد الفرماوي (موظف)، ومصطفى الفرماوي (موظف)، وأحمد فاروق (محام). غير أن المفاجأة كانت حين اعترف الرجل نفسه بعد ذلك بنحو 3 شهور، أن هؤلاء الشباب، هم من أنقذوه.
الطالب بكلية الآداب، قسم ترجمة إنجليزي في جامعة حلوان، شهاب أبو العلا، هو أحد هؤلاء الشباب الخمسة الذين ألقي القبض عليهم يوم 15 يوليو/تموز. يروي في رسالة من داخل سجنه إلى "العربي الجديد" حقيقة ما جرى.
بداية القصة
يروي شهاب بداية الواقعة، ويقول "كنا بالقرب من مسجد زاوية بشارع عباس العقاد، ووجدنا الناس يمسكون بلصّ ويضربونه ضرباً مبرحاً وعندما رأيت ذلك، فكّرت في نجدته، أخذته وأصدقائي في سيارة بعيداً عن المكان وبعيداً عن الذين كانوا يضربونه".
ويضيف "الولد كان متبهدل خالص. فكّرت في أن المستشفيات لن تقبل بأن تعالجه إلا بعد إجراء محضر، وقلت إن الحل هو أن نأخذه إلى مستشفى البنك الأهلي بالطريق الدائري، لأن قسم الطوارئ فيها يجري إسعافات أولية لكثرة الحوادث بالطريق، ثم يسأل عن كيفية وقوع الحادث".
وفي طريقهم إلى المستشفى، عند دوار صينية، شارع التسعين، وبالقرب من أحد كمائن الشرطة، حدثت فرقعة في أحد إطارات السيارة التي يستقلونها، يقول شهاب "على الفور جاءت سيارتا شرطة، ونزل من إحداها ضابط أمن مركزي برتبة ملازم أول، ونظر إلينا، ودون حديث سحب هواتفنا الجواّلة، وبطاقاتنا الشخصية، وفتّشنا وفتّش السيارة، وبعدما بدّلنا إطار السيارة، ألقى بنا في سيارة الشرطة وأخذنا إلى قسم شرطة أول التجمع".
ويتابع "أول ما دخلنا القسم، كأننا الحرامية. شتيمة وقلة قيمة وقلة أدب"، هكذا استقبل قسم الشرطة شهاب ورفاقه، ويضيف "أخذوا اللص الذي كان معنا، وفجأة سمعنا صوته يملأ القسم من شدّة الضرب، أما نحن فتم تفتيشنا"، قبل أن ينتهي الضابط من اللص ويعود إليهم.
يعود شهاب بذاكرته إلى الوراء ويتذكر "أمسك الضابط بأحدنا وسأله ما اسمك؟ وقبل أن يرد صديقي، انهال عليه الضابط والعساكر والمخبرون، الذين كانوا واقفين بالضرب، ثم قاموا بضربنا جميعاً". ويتابع سرد روايته "مكثنا هكذا لمدة ثلث ساعة. راحوا يضربوننا إلى أن يملّوا ثم يبدأوا المشهد من جديد".
في مكتب مدير المباحث
التعذيب استكمل في حضرة مدير المباحث، يقول شهاب "كل مناّ كان محمولاً على أيدي ضابطي شرطة، يقومان بضربه، فيما يستكمل مدير المباحث السؤال عن أسمائنا وعناويننا، وعندما كان ينتهي من توجيه الأسئلة، يخرجوننا من المكتب، ويدفعون نحو الجلوس قرفصاء، ويكبّلوا أيدينا ويرغموننا على وضعها خلف ظهورنا".
في تمام العاشرة من صباح اليوم التالي، دخل أحدهم بكاميرا كبيرة على شهاب ورفاقه، ودفعهم إلى الاصطفاف بجوار بعضهم البعض، وسألهم مجدداً عن أسمائهم وعناوينهم، يقول: بعدها عرفنا أن هذا الفيديو عرض في برنامج لميس الحديدي، وفي برامج "العاشرة مساء"، و"90 دقيقة".
كابوس
"تشريفة" هكذا وصف شهاب ما تعرّض له من تعذيب وهو في طريقه لمكتب وكيل النيابة. يقول إن "التشريفة عبارة عن ركلات وسحل. كنت أشعر أن جسدي يُمسح على الأرض طوال الطريق، إلى أن دخلنا إلى مكتب يجلس فيه رجل يرتدي بزّة، علمنا بعدها أنه وكيل النيابة".
وبعدما انتهى وكيل النيابة من أسئلته، جرى اقتياد شهاب ورفاقه بالطريقة نفسها، التي أُحضروا فيها، "التشريفة" نفسها. في الحجز بدأ شهاب باستيعاب ما حصل معه، يقول "عندما تجمعت مع أصدقائي في الحجز، قال لنا أحدهم، وهو محام، إن الرجل الذي كان يرتدي بزّة هو وكيل نيابة، وإن ما كان يقوم به هو تحقيق نيابة، وإن مدير المباحث كان يكتب المحضر، ولكن الله أعلم التهمة التي حرّرها ضدنا".
ثلاثة أيام قضاها شهاب وباقي الشباب بذلك الحجز، كانوا يظنونها أسوأ أيام في حياتهم: "كنا نتصور بسذاجة أننا نعيش أسوأ كوابيس، إلى أن صعدنا إلى سيارة الترحيلات واقتادونا إلى السجن"، ليبدأ كابوس آخر.