30 أكتوبر 2024
رسالة لاجئة إلى ترامب
فخامة الرئيس الأميركي:
أقدّم لك التحية، قبل أن أعرض لك ما لدي من مختصر القول، لأن ديننا الإسلامي علّمنا أن نلقي السلام على من نعرف ومن لا نعرف. وبعد التحية، أودّ تعريفك بنفسي، فأنا لاجئة فلسطينية ،استقرت عائلتها في غزة بعد نكبة فلسطين (مايو/ أيار 1948)، وفتحت عيني على كلمة لاجئة حولي، يردّدها على مسامعي موظف الإحصاء، حين يدق باب بيتنا في المخيم، وحين تتباهى أمي بأن زوجها يعمل معلماً في مدارس وكالة الغوث (أونروا) التي تفاخرت أمي بأن أبي يتلقى راتباً كبيراً بالنسبة لغيره من الموظفين، لأنه يعمل في مدارسها. وحين التحقت بالمدرسة، حاصرتني كلمة لاجئة في سجل بيانات التلميذات. وحين كانت تقودنا المعلمة إلى مبنىً متهالكٍ وقديم، يجاور المدرسة، ويجبروننا على تناول طعامٍ رائحته مقزّزة، ومنظره شنيع ،لأننا لاجئون، ويجب أن نحصل على تغذية جيدة. أما الرجل البدين الذي كان يحمل أسطوانة ضخمة على ظهره، ويرش بها وجوهنا وصدورنا ورؤوسنا، لكي لا نصاب بالحشرات، فهذا ما جعل كراهيتي كلمة لاجئة تتعاظم وتكبر. ولكن كان علينا أن نسكت ونقبل، لأن لا خيارات لدينا، ولأننا لاجئون حقاً، واقتلعنا من ديارنا بالفعل.
يملك جدّي، يا سيد ترامب، في فلسطين المحتلة مساحاتٍ كبيرة من الأراضي التي كان يزرعها ويرويها بعرقه وحبّه. وكان من الممكن أن يكون جدي من الأثرياء وكبار الملاك، لولا مؤامرة النكبة، وإحلال مجموعاتٍ بلا أرض مكان شعب فلسطين، وقد استقر الحال بجدي في غزة، فيما تفرق أقرباؤه وبعض أبنائه ما بين الأردن وسورية ولبنان.
يا سيد ترامب: ما زلت أشعر بمرارة ما وقع علينا، وأنا أتجاوز الآن الأربعين من عمري بسنوات. وأبنائي يحملون الصفة التي حملتها، ولعلمك أنني حاولت الابتعاد بأولادي عن كل ما يذكّرني بخدماتكم التي ترونها عظيمة، لكنها في الحقيقة بخسة، لا تساوي شيئاً مما فقدناه وما خسرناه. وقد عملت وتعبت، كي لا أذهب بصغاري إلى عيادات "أونروا "الصحية، كي لا أتجرّع المرارة التي التصقت بحلقي منذ طفولتي.
لكن غيري من الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين لم يتمكّنوا من الهرب من المرارة التي تلتصق بحلوقهم، وهم لعلمك ليسوا بحاجةٍ لعطفٍ أو صدقةٍ، ولا أن تقايضهم أو تهدّدهم بقطع المعونات عن "أونروا" وهي المنظمة التي أنشئت من أجلهم، نظرا لفداحة كارثتهم، فكل لاجئي الحروب والصراعات يعودون إلى أوطانهم، باستثنائهم هم، وهم يتلقون المعونات، ما بين الحصص الغذائية المقلصة والخدمات التعليمية والصحية، على أمل أن تحقق لهم في يوم ما حياة أفضل، ومستقبلا كريما، لكن السنوات مرت، ولم يتم تداول فكرة خطة بديلة لتحسين أوضاعهم وشق الطريق أمام عودتهم إلى ديارهم، إذ تتجه الأمور في اتجاه معاكس، فكل ما يقدم لهم أصبح قابلاً للمساومة. والغرض من تهديداتك أخيرا مكشوف ومعروف، وهو تصفية قضية اللاجئين، وإشغال هؤلاء البؤساء بالبحث عن بديل عن كيس الطحين والكيلوغرامات القليلة من السكر والأرز، وإهدار طاقتهم في ملاحقة لقمة العيش التي تقيم أودهم، بحيث لا تبقى لديهم الطاقة، لكي يدافعوا عن الحق الثابت بالعودة.
سيد ترامب: تهديداتك بتقليص تبرعات بلادك لوكالة الغوث ما هي إلا لوأد الشاهد الوحيد على جريمة الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني، ومحاولة مكشوفة لتفكيك الالتزام السياسي والإنساني نحو اللاجئين، والذي التزمت به دول العالم منذ تأسيس "أونروا" منظمة دولية تتبع الأمم المتحدة، وليس منظمة أميركية. ولتعلم، يا سيادة الرئيس، أن أي لاجئ في العالم يحصل على حماية قانونية ما عدا اللاجئ الفلسطيني، فهو ينال ما يضمن له العيش بأقل القليل، وهذا القليل هو ما تهدّد بقطعه، وهو ما يثير الاستياء الشديد في قلوب الفقراء الذين تحولوا مسحوقين، بسبب تكالب المؤامرات عليهم منذ عقود، لكن قضية فلسطين بقيت حية في ضمائرهم وقلوبهم وعقولهم، ولا يزيد بؤس الواقع الذي يلاحق صغارهم سوى تعلقهم بقضيتهم العادلة. إلى هنا والسلام.
أقدّم لك التحية، قبل أن أعرض لك ما لدي من مختصر القول، لأن ديننا الإسلامي علّمنا أن نلقي السلام على من نعرف ومن لا نعرف. وبعد التحية، أودّ تعريفك بنفسي، فأنا لاجئة فلسطينية ،استقرت عائلتها في غزة بعد نكبة فلسطين (مايو/ أيار 1948)، وفتحت عيني على كلمة لاجئة حولي، يردّدها على مسامعي موظف الإحصاء، حين يدق باب بيتنا في المخيم، وحين تتباهى أمي بأن زوجها يعمل معلماً في مدارس وكالة الغوث (أونروا) التي تفاخرت أمي بأن أبي يتلقى راتباً كبيراً بالنسبة لغيره من الموظفين، لأنه يعمل في مدارسها. وحين التحقت بالمدرسة، حاصرتني كلمة لاجئة في سجل بيانات التلميذات. وحين كانت تقودنا المعلمة إلى مبنىً متهالكٍ وقديم، يجاور المدرسة، ويجبروننا على تناول طعامٍ رائحته مقزّزة، ومنظره شنيع ،لأننا لاجئون، ويجب أن نحصل على تغذية جيدة. أما الرجل البدين الذي كان يحمل أسطوانة ضخمة على ظهره، ويرش بها وجوهنا وصدورنا ورؤوسنا، لكي لا نصاب بالحشرات، فهذا ما جعل كراهيتي كلمة لاجئة تتعاظم وتكبر. ولكن كان علينا أن نسكت ونقبل، لأن لا خيارات لدينا، ولأننا لاجئون حقاً، واقتلعنا من ديارنا بالفعل.
يملك جدّي، يا سيد ترامب، في فلسطين المحتلة مساحاتٍ كبيرة من الأراضي التي كان يزرعها ويرويها بعرقه وحبّه. وكان من الممكن أن يكون جدي من الأثرياء وكبار الملاك، لولا مؤامرة النكبة، وإحلال مجموعاتٍ بلا أرض مكان شعب فلسطين، وقد استقر الحال بجدي في غزة، فيما تفرق أقرباؤه وبعض أبنائه ما بين الأردن وسورية ولبنان.
يا سيد ترامب: ما زلت أشعر بمرارة ما وقع علينا، وأنا أتجاوز الآن الأربعين من عمري بسنوات. وأبنائي يحملون الصفة التي حملتها، ولعلمك أنني حاولت الابتعاد بأولادي عن كل ما يذكّرني بخدماتكم التي ترونها عظيمة، لكنها في الحقيقة بخسة، لا تساوي شيئاً مما فقدناه وما خسرناه. وقد عملت وتعبت، كي لا أذهب بصغاري إلى عيادات "أونروا "الصحية، كي لا أتجرّع المرارة التي التصقت بحلقي منذ طفولتي.
لكن غيري من الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين لم يتمكّنوا من الهرب من المرارة التي تلتصق بحلوقهم، وهم لعلمك ليسوا بحاجةٍ لعطفٍ أو صدقةٍ، ولا أن تقايضهم أو تهدّدهم بقطع المعونات عن "أونروا" وهي المنظمة التي أنشئت من أجلهم، نظرا لفداحة كارثتهم، فكل لاجئي الحروب والصراعات يعودون إلى أوطانهم، باستثنائهم هم، وهم يتلقون المعونات، ما بين الحصص الغذائية المقلصة والخدمات التعليمية والصحية، على أمل أن تحقق لهم في يوم ما حياة أفضل، ومستقبلا كريما، لكن السنوات مرت، ولم يتم تداول فكرة خطة بديلة لتحسين أوضاعهم وشق الطريق أمام عودتهم إلى ديارهم، إذ تتجه الأمور في اتجاه معاكس، فكل ما يقدم لهم أصبح قابلاً للمساومة. والغرض من تهديداتك أخيرا مكشوف ومعروف، وهو تصفية قضية اللاجئين، وإشغال هؤلاء البؤساء بالبحث عن بديل عن كيس الطحين والكيلوغرامات القليلة من السكر والأرز، وإهدار طاقتهم في ملاحقة لقمة العيش التي تقيم أودهم، بحيث لا تبقى لديهم الطاقة، لكي يدافعوا عن الحق الثابت بالعودة.
سيد ترامب: تهديداتك بتقليص تبرعات بلادك لوكالة الغوث ما هي إلا لوأد الشاهد الوحيد على جريمة الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني، ومحاولة مكشوفة لتفكيك الالتزام السياسي والإنساني نحو اللاجئين، والذي التزمت به دول العالم منذ تأسيس "أونروا" منظمة دولية تتبع الأمم المتحدة، وليس منظمة أميركية. ولتعلم، يا سيادة الرئيس، أن أي لاجئ في العالم يحصل على حماية قانونية ما عدا اللاجئ الفلسطيني، فهو ينال ما يضمن له العيش بأقل القليل، وهذا القليل هو ما تهدّد بقطعه، وهو ما يثير الاستياء الشديد في قلوب الفقراء الذين تحولوا مسحوقين، بسبب تكالب المؤامرات عليهم منذ عقود، لكن قضية فلسطين بقيت حية في ضمائرهم وقلوبهم وعقولهم، ولا يزيد بؤس الواقع الذي يلاحق صغارهم سوى تعلقهم بقضيتهم العادلة. إلى هنا والسلام.