رسالة بلا رسول

13 ابريل 2015
+ الخط -

ما هو دور المثقف العربي في هذه الآونة الراعفة؟ سؤال لا يني يتكرر. سؤال لم تقنعه، على ما يبدو، كل الإجابات التي تلقاها مذ طرحت فكرة الالتزام. وبطرحه مع كل "منعطف" يعني أن هناك شكاً في "طبيعة" هذا الدور، أو شكاً في من يُفترض أن ينهضوا به. هل تغير هذا الدور عما كان عليه أيام "الالتزام" السارتري والمثقف العضوي الغرامشي؟ ربما. لم نعد نسمع هذا السؤال كثيراً على المستوى العالمي، أو في البيئات الثقافية التي طرح فيها للمرة الأولى. ربما لأن تلك المجتمعات أنجزت "المهام" التي كان على المثقف أن "يتدخل"، بشخصه ونتاجه، لإنجازها. وربما لأن تلك المجتمعات الرأسمالية دخلت في أطوار ما بعد بعد الإمبريالية التي حولته إلى "تقني"، أو إلى أكاديمي، وسحبت منه رخصة التدخل في الشأن العام الذي لم تكن الفترة، ولا لغتها، تخجل في تسميته "نضالا". الآن، من يسمع هذه الكلمة؟ لقد استبدلتها أزمنتنا الراهنة بكلمة "ناشط". وشتان بين الاثنين. هذا يعطينا، لمحة، عن تغير حصل في أدوار من يتدخلون في الشأن العام بمن في ذلك المثقفون. التغير حصل في دور المثقف في الغرب. ولذلك أسباب خاصة بالغرب نفسه، وبطبيعة التطورات التي حصلت في مجتمعاته. ولكن مجتمعاتنا العربية، قل العالمثالية، لا تتوقف عن إعادة إنتاج الظروف التي ظنت أنها غادرتها إلى غير رجعة. يفترض، والحال، الدور الذي كان على المثقف لعبه في المساهمة، مع طبقات وشرائح اجتماعية أخرى، في عملية التغيير.. إن لم أقل في الثورة.
وبما أنني من الذين سمعوا هذا السؤال باكراً، وأسهموا في طرحه، لم تتغير إجابتي كثيراً مذ بدأت العمل في الحقل الثقافي حتى الآن، من العمل الوطني السري، مروراً بمرحلة العمل الفدائي الفلسطيني العلني، وانتهاء بالانتفاضات العربية والثورات الشعبية المجهضة، أو التي تحولت حروبا أهلية. هذا لا يعني أني "دوغما". كلا، لم أكن ولن. لكنه الوضع العربي الذي لا يكلُّ من إعادة إنتاج نفسه. كنت أعتبر أن دور المثقف مهم في عملية التغيير السياسي والاجتماعي، خصوصاً في مجتمعات تعاني من نسبة عالية من الأمية، وتأثير الخطاب الديني المبسط عليها، مثل معظم مجتمعاتنا العربية، ولا زلت أعتبر الأمر كذلك، لكن مع تفاؤل أقل، وحذر أكثر في إطلاق الأحكام. المؤكد، بالنسبة لي، أن الكلمات مهمة، ومن دونها ليست هناك أفعال صحيحة. الأفعال في عالمنا العربي، اليوم، تبدو مجردة من الكلمات، سواء أفعال التطرف الديني المخيفة التي تقوم بها فئة صغيرة، لكنها عالية الصوت، وتمتلك قدرة رهيبة على الموت والدمار، أم أفعال الأنظمة العربية التي عادت إلى استبدادها بعدما تم إفشال ثورة الشباب العربي في إحداث تغيير عميق في بنى بلادها القائمة.
نحن نعيش، الآن، في مجتمعات بلا كلمات. هناك سلاح وأحزمة ناسفة وطيران تحالف وعودة إلى الأنظمة العسكرية، وقوانين الطوارئ، باعتبارها الأقدر على حماية الأوطان من التفتت والتطرف! في وضع كهذا، أظن أننا نفتقد دور المثقف، دور صانع المعاني. لكنَّ هذا لا يعني أن المثقف رسول، أو ملاك، كلا، وليس سوبرمان. عملية التغيير تأخذ وقتاً طويلاً، خصوصا التغيير الاجتماعي والثقافي، فهذه أصعب المهام. يمكن للتغيير السياسي أن يحدث بانقلاب عسكري، يهدم نظاماً ويأتي نظام آخر. ولكن، هل تتغير البيئة الثقافية والاجتماعية بالطريقة نفسها؟ كلا بالطبع. لذلك، على المثقفين العرب أن يواصلوا تدخلهم في شؤون بلادهم العامة، من دون مبالغة بدورهم. فهذه "رسالة"، ولكن من دون رسل.

 

E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن