شهد حي عكرمة، الموالي للنظام السوري في حمص، يوم الأربعاء الماضي، تفجيرين متواترين ضربا مدرسة عكرمة، وأديا إلى مقتل 31 طفلاً وإصابة أكثر من 120 آخرين، بينهم حالات خطرة.
وفي تفاصيل المشهد، حسب التلفزيون السوري الرسمي، فإن "الإرهابيين فجروا سيارة مفخخة أمام مدرسة عكرمة الجديدة، وبعدها بدقائق فجر إرهابي انتحاري نفسه أمام الباب الخلفي لمدرسة عكرمة المخزومية للتعليم الأساسي".
وبالعودة إلى أربعة أشهر خلت، حزن أنصار المعارضة على خروجها من حمص القديمة بعد اتفاق بينها وبين النظام، تحت إشراف الأمم المتحدة، لأنهم نعوا بذلك انتهاء الثورة في مدينة حمص، إذ لم يتبق منذ ذلك الحين سوى حي الوعر المحاصر منذ نحو عامين، والذي يقطنه قرابة 500 ألف مدني، وسعى إلى تحييد نفسه بعد محاولات الهدن الأخيرة مع قوات النظام، والتي دخلت حيز التنفيذ، بينما تتمركز المعارضة المسلحة في ريف حمص الشمالي، وازدادت قوة بعد خروج المسلحين إليها.
ومنذ ذلك الوقت، قامت القوات النظامية عبر فرق الهندسة بإزالة المتفجرات، وبدأت أعمال تمشيط وتفكيك القنابل، بهدف إعلان مدينة حمص مدينة آمنة مطمئنة في رغد الجيش السوري.
وعلى الرغم من أن أحياء حمص شهدت في تلك الفترة بعض التفجيرات، إلا أن آخر تفجير استهدف موقعاً للنظام في مدينة حمص كان قبل شهرين، وتحديداً في 27 يوليو/تموز، حين فجر مجهولون سيارة من نوع "بيك أب" في الشارع الرئيسي لحي الأرمن الموالي للنظام، والذي يشهد حركة نشطة للمارة والسيارات.
خرجت المعارضة المسلحة نهائياً من مدينة حمص إذاً قبل نحو أربعة أشهر، باستثناء بعض عناصر "الجيش الحر" الجائعين في حي الوعر، بينما قام النظام بنصب حواجزه في كافة أرجاء المدينة، وأمّنها بمساندة الميليشيات التابعة له ومقاتلي "حزب الله"، ليأتي هذا التفجير الأخير في الأمس، والذي يعد الأكبر من نوعه والأكثر إرهاباً وترهيباً.
ويتمركز التساؤل الرئيسي حول هوية المنفذ، والذي تشير أصابع الاتهام فيه إلى النظام، وخصوصاً أن معدّة التلفزيون السوري، إيمان ابراهيم، أكدت في تقريرها أن "الإرهابي ركن السيارة المفخخة أمام مدرسة عكرمة المخزومي ومن ثم فجرها، ليعود ويفجر نفسه بعد مضي عدة دقائق على المدخل الثاني للمدرسة لحصد المزيد من أرواح الضحايا"، بمعنى أن الإرهابي يستطيع أن يتجول كيفما يشاء في أماكن سيطرة النظام على حد تعبير ابراهيم، وفي غياب واضح للجيش والأجهزة الأمنية، حتى أن صفحات موالية للنظام استغربت الاختراق الأمني وفساد أجهزة الدولة، ودللت على ذلك بمرور السيارة، التي انفجرت، على خمسة حواجز عسكرية وأمنية.
ويؤكد هذا الاتجاه عدم تبني أية جهة معارضة التفجيرين. وفي هذا السياق، ينفي المتحدث الرسمي باسم "حركة تحرير حمص"، صهيب العلي، لـ"العربي الجديد"، "وقوف المعارضة وراء تفجير حي عكرمة"، ويتهم النظام بـ"إقحام مقارّ الجيش الحر في حمص ضمن خريطة التحالف الدولي".
ويمكن قراءة ما ذهب إليه العلي في أن النظام اعتاد، في ردات فعله الأولى على التفجيرات، بالإشارة إلى أن هوية المنفذين "هم إرهابيون تكفيريون سلفيون"، بينما تريث هذه المرة أكثر في اتهاماته، بل ودرسها بعناية أكثر.
وقد عنون التلفزيون الرسمي، بجانب شريط مصور يظهر الضحايا الأطفال، بأن منفذي التفجير هم معارضة واشنطن المعتدلة، التي قال إنها قتلت أكثر من ثلاثين طفلاً سورياً على باب مدرستهم، في رسالة واضحة إلى أن المعارضة المعتدلة الموجودة على الأرض، أو التي تدعمها واشنطن، هي معارضة إرهابية، ويبقى النظام هو الضامن الوحيد للمنطقة، وبالتالي فإن الحل الوحيد هو في إشراكه في ضربات التحالف الدولي على سورية، بهدف قضاء الدول الغربية والإقليمية رفقة النظام على الإرهاب.
لا يبدو مستبعداً أن يضحي النظام بعدد من مؤيديه، حتى ولو كانوا من الأطفال، في هذا التوقيت، بهدف تسويق نفسه بأنه محارب للإرهاب، فمن جهة قد يضمن مؤيديه أولاً، والتي ستزداد نقمتهم على القاتل، وتزداد مخاوفهم من البديل المحتمل، ومن جهة يُقنع النظام العالم بأنه لم يكن إرهابياً يوماً في قتاله للمعارضة، التي تشبه بعضها بعضاً، من تنظيم"داعش" إلى "جبهة النصرة" إلى بقية الفصائل الإسلامية وكتائب "الجيش الحر"، أو التي تُوصف بـ"المعارضة المعتدلة".