أعادت القمة الخليجية الـ37، التي اختتمت أعمالها يوم أمس في العاصمة البحرينية المنامة، تأكيد ثوابت دول مجلس التعاون الخليجي، من الصراع السوري، إلى الأزمة اليمنية والتدخّلات الإيرانية في المنطقة، وغيرها. كما شكّلت القمة إعلان انطلاق دور بريطاني أكبر في المنطقة، توازياً مع توجّه المملكة المتحدة إلى الخليج لتحقيق شراكات اقتصادية واسعة مع ترقّب خروجها من الاتحاد الأوروبي، في ظل رغبة دول مجلس التعاون الخليجي في تحقيق تعاون عسكري وأمني أكبر مع بريطانيا.
وأفاد إعلان الصخير الصادر عن القمة، بأن قادة دول مجلس التعاون رأوا أن سفك الدماء المتواصل في سورية والحالة الإنسانية المتفاقمة وانتهاكات القانون الإنساني الدولي، تستدعي عقد دورة استثنائية طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة. ودانوا غارات نظام بشار الأسد والدول والتنظيمات الداعمة له على مدينة حلب والحصار المفروض عليها، مؤكدين أن هذا العمل الإرهابي يبيّن عدم جدية النظام في الاستجابة لمطالب المجتمع الدولي ويسعى إلى إجهاض المساعي الدولية الرامية للوصول إلى حل سياسي للأزمة، داعين مجلس الأمن إلى التدخّل الفوري لوقف هذا التصعيد الخطير.
في الشأن اليمني، أكد مجلس التعاون رفض أي تدخّل في شؤونه الداخلية، وأهمية الحل السياسي وفق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل ومؤتمر الرياض والتنفيذ الكامل غير المشروط لقرار مجلس الأمن رقم 2216. وأكد أن تشكيل حكومة وما يسمى مجلساً سياسياً بين الحوثيين وأتباع صالح "خروج عن الشرعية الدستورية المعترف بها دولياً ويضع العراقيل أمام التوصل إلى اتفاق سياسي".
كما تابع المجلس الأعلى "بقلق بالغ" قضية اختطاف عدد من المواطنين القطريين جنوب العراق، معرباً عن التضامن التام مع حكومة دولة قطر ودعمها في أي إجراء تتخذه، آملاً أن تؤدي الاتصالات التي تجريها حكومة قطر مع الحكومة العراقية إلى إطلاق سراح المخطوفين وعودتهم سالمين إلى بلادهم، محمّلاً الحكومة العراقية مسؤولية ضمان سلامتهم وإطلاق سراحهم.
وعبّر المجلس الأعلى عن مواقفه الثابتة حيال القضية الفلسطينية، مؤكداً أن السلام الشامل والعادل والدائم لا يتحقق إلا بانسحاب إسرائيل الكامل من كافة الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس طبقاً لمبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
من جهة أخرى، تطرق المجلس لانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، معرباً عن تطلع الدول الأعضاء إلى تعزيز العلاقات التاريخية والاستراتيجية مع الولايات المتحدة والعمل معاً لما يحقق السلم والاستقرار في المنطقة والعالم.
وشهدت القمة الخليجية على هامشها، قمة أخرى جمعت قادة دول مجلس التعاون مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي. وشدد المجتمعون في بيان على أهمية "إطلاق الشراكة الاستراتيجية بين مجلس التعاون والمملكة المتحدة لتعزيز علاقات أوثق في كافة المجالات، بما في ذلك السياسية والدفاعية والأمنية والتجارية".
وأظهر البيان الختامي للقمة الخليجية-البريطانية مسعى لبناء تعاون عسكري واقتصادي أكبر، بعد تأكيد المواقف المشتركة بين الطرفين الخليجي والبريطاني، والتي تشمل التوافق على الملفات الإقليمية العالقة، وعلى رأسها الحرب في اليمن وسورية، إضافة إلى محاربة إيران ومواجهة التمدد الإيراني في الإقليم.
وقالت ماي في كلمتها أمام قادة دول مجلس التعاون إن "أمن الخليج العربي من أمننا". وأكدت أن المملكة المتحدة في صدد إنفاق ثلاثة مليارات جنية إسترليني من أجل "تعزيز أمن الخليج". وأكد البيان الختامي لهذا اللقاء "زيادة التعاون العسكري لمعالجة التهديدات الحالية وتحصين الدفاعات في المنطقة من خلال التمارين المشتركة بما في ذلك الأمن البحري وأمن الحدود ويشمل ذلك وجود المملكة المتحدة في جميع أنحاء الخليج".
وكانت بريطانيا قد بدأت منذ فترة ليست بالطويلة محاولات للقيام بدور إقليمي أكبر في المنطقة، وأنشأت إثر ذلك قاعدة عسكرية بريطانية دائمة في البحرين، والتي تم افتتاحها العام الماضي، لتُعتبر أول قاعدة عسكرية لبريطانيا في المنطقة، منذ مغادرة قواتها العسكرية الخليج في سبعينيات القرن الماضي.
وتحدثت رئيسة الوزراء البريطانية عن أهم ما يشغل قادة المنطقة، وهو التمدد الإيراني في العراق وسورية ولبنان واليمن، وسياساتها المساهمة في زعزعة الاستقرار ودعم المليشيات والطائفية. وشددت على استعداد بريطانيا لـ"التعاون المشترك لمواجهة إيران في سورية واليمن"، المسألة التي يمكن أن تدعم بشكل حقيقي التعاون الخليجي-البريطاني في حال ترجمة هذا الموقف السياسي على شكل خطوات أمنية وعسكرية، يُنتظر تطويرها في ظل عدم الثقة المتبادلة بين الطرفين الخليجي والأميركي.
وشدد الطرفان الخليجي والبريطاني، وفق البيان، على معارضة "أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة والعمل معاً للتصدي لهذه الأنشطة"، مؤكدين "ضرورة أن تتعاون إيران في المنطقة وفقاً لمبادئ حسن الجوار وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية واحترام السيادة ووحدة الأراضي". كما أكد البيان توافق بريطانيا ودول مجلس التعاون على "معالجة القضايا الأكثر إلحاحاً في المنطقة (سورية والعراق واليمن وليبيا وعملية السلام في الشرق الأوسط)، وهزيمة المتطرفين الذين يمارسون العنف بما في ذلك تنظيم داعش".
كذلك كان التعاون الاقتصادي على رأس الأجندة التي تطرقت إليها المباحثات الخليجية-البريطانية، ما انعكس على البيان الختامي الذي أكد تعزيز التعاون بين الطرفين. وجاء في البيان الختامي: "لدى خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ستكون إحدى أولوياتها العمل مع مجلس التعاون لبناء أوثق العلاقات التجارية والاقتصادية الممكنة، وسيتم العمل بشكل أوثق مع قطاع الأعمال بهدف تشجيع النشاط الاقتصادي بين مجلس التعاون والمملكة المتحدة ورفعه لمستويات أكبر. كما سيعمل الطرفان للتعرف على العوائق أمام التجارة والاستثمار وإزالتها، وخلق الظروف التي تزدهر من خلالها التجارة والاستثمار، وتمكين وتعزيز حياة مواطنيهم". وفي هذا الإطار، أكدت ماي ضرورة العمل على "منطقة تجارة حرة مع دول الخليج" ورغبة بريطانيا باعتبار لندن "عاصمة للاستثمار الإسلامي".
وكان ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، بدأ الجلسة الختامية بالحديث عن "تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع بريطانيا"، مشيراً إلى تطلع دول مجلس التعاون إلى "علاقات أقوى مع الجانب البريطاني". وأضاف أن العلاقات بين الطرفين "ستشهد نقلة نوعية". من جهته، أكّد أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، قوة العلاقات الخليجية-البريطانية، مشدداً على "الدور الكبير لبريطانيا في دعم استقرار المنطقة". واعتبر أن بريطانيا "حليف تاريخي"، مشيراً إلى أن القمة الخليجية "ستدفع العلاقات بين الجانبين إلى آفاق أرحب". كما دعا إلى عقد القمة الخليجية المقبلة في دولة الكويت.