رداً على ميشيل كيلو

16 ابريل 2014

من أحد اجتماعات الائتلاف

+ الخط -
تناولني، أول من أمس الإثنين، ميشيل كيلو في مقالته "أكاذيب مشينة" في موقع "العربي الجديد"، واتهمني وتلفزيون أورينت بالطائفية والتشبيح الفضائي، في معرض رده على مقالة للكاتب محمد منصور، مدعياً أن منصور كتبها تحت ضغطٍ معيشيّ مني، لأنه موظف عندي! دونما انتباهٍ إلى أن الزميل منصور قدم استقالته منذ أكثر من سبعة أشهر، وأعلنها على صفحته في "فيسبوك"، ونشر مقالته تلك في موقعٍ لا يتبع مؤسسة أورينت للإعلام، وذهب للتفرغ لتأليف الكتب ونشر المقالات وغير ذلك. فما شأني، إذن، حتى يزج باسمي زجاً مع كائنٍ هلاميٍّ غير معروف، يتعاون معه اسمه نبهان؟
بشار قبله حمّلني مسؤولية نهايته، وها هو ميشيل يخاطبني بالخطاب نفسه! أكلما انتهت حياة طرفٍ سياسيٍ حمّلني المسؤولية، وكأني ملاك الموت؟! لذلك، أجد من الأفضل للقارئ معرفة خلفيات هجومه عليّ، ولطالما كتمت حقائق أعرفها، لأني تعلمت أن المجالس أمانات. لكن، بعد أن كتب ميشيل ما كتب، سأتحدث عن ظروف معرفتي به، فمن الواضح أنه اعتمد على صمتي، وأقدم كامل الاعتذار لكل من ترد أسماؤهم في هذه المقالة، وعذري أن الغبن ضيّع حقنا، والحق أولى أن يحق.
تعرفت على ميشيل، وأنا طالب في الجامعة، من مقالاته التي أذكت حماسنا تجاه فهم الدكتاتورية ونقيضها. ومع بداية الثورة، ظهر ميشيل، المعارض السياسي، معارضاً للثورة وخائفاً من مآلاتها، في تناقضٍ واضحٍ مع كل ما قرأته له في أواخر الثمانينيات. هاجمته وذكّرته بمقالاته تلك، وأن الثورات لا تستمد برامجها من الكتب المنشورة، ولا تمشي على طريق رسمها مؤلف أو فيلسوف، وإنما خصوصيتها من خصوصية كل شعبٍ، وكل حكمٍ استبدادي، ومن الظروف الدولية التي تحيط بها.

في بدايات العام 2012، كان كيلو يحضر مؤتمراً في بروكسل بفندق "ذ هوتيل"، حضره عدد من الأصدقاء، منهم الدكتور عارف دليلة، والصديق أيمن عبد النور، وبما أنني مقيم في بروكسل، لم أحضر الاجتماع. دعوتهم إلى عشاء في أحد مطاعم واترلو، وتعارفنا، وخفتت حالة الشك بيني وبين ميشيل، لكنها لم تنته. ثم التقيته مرة أخرى في مقهى باريسي، وكنت بصحبة الصديق علي الرز مدير تحرير صحيفة الرأي الكويتية، وكان نقاشي منصباً على إقناعه بعدم الوقوف في صف أعداء الثورة. دام اللقاء نحو ثلاث ساعات، استخدمت فيها كل ما ملكت من وسائل الإقناع، ويشهد على ذلك الزميل علي الذي بقي صامتاً، ويتابع الحوار برهافة شديدة، ولا يزال إلى اليوم يذكّرني به، ويتندر على ذلك اللقاء الصدفة. ويسميه كيف يقنع رجل أعمال معارض سياسي عتيق بتبني خط الثورة على نظام تعسف، وسجن هذا المعارض، في ثلاث ساعات!؟
ومنذ اليوم التالي للقاء، والصديق علي الرز شاهد على ذلك، تغيّر خطاب ميشيل تجاه الثورة، من عدو إلى مؤيد إلى قائد ائتلافٍ، لا يأتلف فيه أحد مع أحد!
وفي يونيو/حزيران من العام نفسه، وجّهت جامعة الدول العربية دعوة لي، لحضور مؤتمر وحدة المعارضة السورية، وكان المؤتمر الثاني والأخير للمعارضة الذي حضرته، بعد مؤتمر أنطاليا. وفي بهو الفندق، اعترضني ميشيل، وطلب الحديث منفرداً، فدعوته إلى غرفتي، وبعد تبادل الحديث، طلب مني دعم فصيل مسيحي عسكري، يتشكل حديثاً آنذاك، فذهلت تماماً! فقلت له أنا لا ولم أتدخل في الدعم العسكري، وإنما دعمي للثورة في الناحية الإعلامية والطبية والإغاثية. ثم ناقشته في خطورة زج المسيحيين بحمل السلاح، وتوريطهم بالعسكرة، سواء من طرف الثورة أو النظام، وإن في ذلك قضاء على وجودهم في المنطقة، لأن المسيحيين في سورية ليسوا كتلة واحدة عقائدياً، ولا إيماناً بالثورة، فمهما جمع لن يتشكل أكثر من عشرات، فماذا سيغير هؤلاء في المعادلة العسكرية، والأهم توزيعهم الجغرافي، فهم موزعون على كل التراب السوري، في كل مدينة وحي صغير، وبين عشرات القرى المسلمة قرية مسيحية، والمطلوب منهم، في أحسن الأحوال، مظاهرة سلمية، أو حضور قداس، كقداس الشهيد المخرج باسل شحادة. فاعتذر بإحراج شديد، وادّعى أنه تورط في هذا الطلب!
بعد ذلك، تواصلت مع ميشيل على "السكايب"، وطلبت من إدارة "أورينت نت" استكتاب ميشيل، مقابل مبلغ من المال عن كل عمل إعلامي له، وتعاون ميشيل مع "الأورينت" نحو سنة تقريبا. وفي بداية 2013، سافرت إلى باريس، وقابلته هو والدكتور برهان غليون، وعرضت عليهما مشروع مساهمة في تأسيس صندوق إغاثي إداري، يشارك فيه عموم السوريين في الثورة، بدلاً من استجداء الدول، ويشارك فيه مجلس رجال الأعمال السوريين، كل حسب استطاعته، والهدف منه خلق مجموعة كبيرة من التكنوقراط، تساهم في إدارة المناطق المحررة، بعيداً مبدئياً عن التدخل في عمل الائتلاف والمجلس الوطني، فالناس تحتاج لبيع محاصيلها ومنتجاتها وشراء ما تحتاجه، فالشعوب لا تهاجر، في غالبيتها، بسبب ظروف الحرب، وإنما بسبب القحط.
وافق الاثنان على الاجتماع وتدارس المشروع، وكنت أتابع، أيضاً، مع الشيخ سارية الرفاعي، وكذلك مع الأستاذ عصام العطار، ورجال الأعمال، كلّ على حدة. ووافق الجميع على الاجتماع، واجتمعنا في 9 مارس/ آذار 2013، بحضور ممثلين عن مجلس رجال الأعمال، عبد القادر سنكري وخالد المحاميد ومازن الصواف ومنذر أقبيق، وموافقة من  الأستاذ العطار على معرفة فحوى الاجتماع، نقله له عدنان وحود، وحضر برهان غليون وميشيل كيلو والشيخ سارية الرفاعي وولده عمار، مع حفظ الألقاب للجميع، وناقشنا بكل ود المشروع وراق الجميع. وانتهت الاجتماعات التي دامت يومين متتاليين، واستُكملت على "السكايب" لمدة أسبوع كامل، بعد مغادرة البعض لارتباطاتهم.
إذن، ما الذي حدث، ولماذا انهار المشروع، وأصبحتُ من وجهة نظر ميشيل شبّيحاً فضائياً، وربما يشاركه الرأي بعض ممن حضر.. فجأة تغير نَفَسُ رجال الأعمال، ودخلت البلبلة في صفوف المجلس، في ظل عدم إدراكي السبب الحقيقي، وقررت متابعة المشروع بنفسي منفرداً، لأكمل ما بدأت به، وأضفت عليه المدارس ومركز تعليم اللغات ومشغلاً ودعم بعض تجمعات القوى المدنية، كمجلس القضاء الحر ومشافي ومراكز طبية، كلها شواهد قائمة على ما ذكرت.
بعد نحو شهر، أعتقد أواخر إبريل/نيسان، اتصل بي ميشيل، وطلب مساعدتي في تغطية إعلامية لفعالية مؤتمر الديمقراطيين الذي افتتحه في القاهرة، وفعلاً طلبت من الزميل محمد منصور، وكان آنذاك ضمن كوادر "أورينت" متابعة التغطية. فاتصل بي من القاهرة، ليخبرني أن اسمي موجود في قائمة المشاركين في المؤتمر، وأن كثيراً من المدعوين يظنون أنني خلف هذا المؤتمر. فطلبت من منصور إبلاغ ميشيل أن هذا عمل لاأخلاقي، وأني منزعج من هذا التصرف، وأن عموم السوريين يعرفون أني قررت، منذ لحظات الثورة الأولى، عدم دخول دهاليز العمل السياسي، على الأقل في هذه المرحلة. واتصلت بالأخ فايز سارة، أحد منظمي المؤتمر، وأكدت له أن مشاركة مراسلي "أورينت" في أي مؤتمر، هي محض عمل إعلامي، وإثبات مشاركتي هو حضوري الشخصي، واضطررت إلى إصدار بيان لطيف، ينفي علاقتي بالتكتل الديمقراطي، أو غيره.
بعد ذلك خَفَتَ تواصلُ ميشيل معي، فظننت أنه مشغول في مشروعه الجديد، وعندما ترشّح وكتلته للائتلاف ونجح، وحينما رأيت منذر أقبيق، وغيره في تكتل كيلو في "الائتلاف"،  علمت السبب الحقيقي وراء هروب مجلس رجال الأعمال من المشروع، يبدو أن ميشيل أعطاهم ضماناً لمستقبلهم السياسي، بتكاليف بسيطة لفرد واحد، بدلاً من تكاليف كبرى، يستفيد منها عموم السوريين!

مع تحوّل ميشيل من كاتبٍ إلى سياسي في "الائتلاف"، أوقفت إدارة "أورينت" دفع أي مبلغ مالي عن نشاطه الإعلامي مع مؤسسة أورينت للإعلام، لأن "أورينت" تطبق معايير المهنة الإعلامية، حسب ميثاق المهنة بعدم جواز دفع مبالغ مالية لمن له منصب سياسي، أو حزبي،  إنما فقط للمحللين والكتاب، فالأول دخل عالم الدعاية السياسية، والثاني هذه مهنته التي يعتاش منها، وعدم جواز عمل أي إعلامي يدخل في العمل السياسي، أو التحزبي. لكن، للأسف،  كثير من وسائل الإعلام العربية لم تعد تلتزم بهذا الميثاق، وأنا و"أورينت" لم نخرقه يوماً،  وأتحدّى أني دفعت لسياسي، أو حزبي سوري، أو غير سوري، فلسا واحداً، واضطرت "أورينت" لفصل عدد من الإعلاميين، بسبب انتسابهم للكتل السياسية!
بعدها، بدأ ميشيل يتجنب الظهور على تلفزيون "أورينت"، والتحرش بالمراسلين ومهاجمتي!؟ واليوم ينعتني جهاراً بالشبّيح الطائفي الفضائي، وكان قبلها يحني قامته الممشوقة، ليقبل رأسي!
سيد ميشيل! أنا أو "أورينت"، وضيوفها من ناشطين ومحللين، عندما ننتقدك، وسواك، سلباً أو إيجابا، ننتقد أداءكم السياسي، وليس لون عيونكم، أو بشرتكم، أو نسبكم، لأنكم في مركز قرار سياسي، ولستم مواطنين، لكم حياتكم الخاصة التي لا علاقة لها بالشأن العام. هل سمعت أنني أو "أورينت"، انتقدنا مواطناً، أو مواطنة، في حياتهما الخاصة؟ وهذا فيما لو حدث، فإنه يخضع لمحاكمةٍ بالتشهير، يكسبها أي مدع ضد أي وسيلة إعلامية من الجلسة الأولى. أما السياسي، أو الشخص العامل في الشأن العام، فلوسائل الإعلام الحق الكامل في متابعة أنشطته، وكفلت كل القوانين الدولية حق الإعلام بالاطلاع على المعلومة ونقاشها، أليس كذلك يا مُدرّس الإعلام في جامعات البعث؟
كنت سأصدق تهمك، وأناقشها بجديّة، بأن "أورينت" طائفية، وأنا وهي شبّيحة فضائيون، لو لم تظهر عليها عشرات المرات، وتكتب بها وتقبض منها آلاف الدولارات، فهل كانت طيلة عام 2012 و2013 فترة عملك لها، غير طائفية وغير تشبيحية، وتحوّلت طائفية، بعدما أوقفت مدفوعاتها لك؟!
 
5392C787-3DA1-4E43-AFF3-7A1EE0D8B521
غسان عبود

مالك ومدير تلفزيون أورينت