رداء داعش وفشل الدولة العراقية

01 مارس 2015
+ الخط -

كان العراق وسيبقى ركناً مهما من أركان الاستقرار الإقليمي والعربي، سواء ما تعلق بتاريخ هذا البلد، أم بموقعه الحيوي وحجم إمكانات شعبه وطاقاته، ثم حجم الموارد التي يحظى بها من شماله وحتى جنوبه، وعلى الرغم من الحرب غير القانونية، وغير المتكافئة التي اعتدت بها مجموعة من دول العالم، بقيادة القطب الأوحد فيه، الولايات المتحدة الأميركية، على العراق حكومة وشعباً، أرضاً ومصالح، وعلى الرغم مما قام به الحاكم المدني عن قوات الاحتلال، بول بريمر، من محاولات تهديم الدولة العراقية، بمؤسساتها العلمية والأمنية والعسكرية، فإن العراقيين كانوا في صراع مستمر مع حالة مركزيةٍ، أفاقوا عليها، بعد أن بدأت الدبابات الأميركية تجول شوارع مدنهم، مستفزة شعورهم الوطني، فكانت المقاومة العراقية بداية لتشكّل رفض شعبي عارم للاحتلال، لكن الصراع في العراق، وبعد عام 2003، لم يبق مع الولايات المتحدة الأميركية والقوات المتحالفة معها فقط، بل بدأ العراق يدخل شيئاً فشيئاً في قبضة الجار اللدود والمتربص، إيران، ساعد على ذلك تمكين واشنطن عدداً من القوى المتحالفة مع إيران، والمؤتمرة بإمرة طهران، من حكم العراق، وكذلك منحهم كل القوة اللازمة للقضاء على معارضيهم، والذين هم بالضرورة معارضون للمشروع الإيراني في المنطقة.

لم يختلف اثنان من المراقبين المحايدين، خلال بدء استلام الساسة الجدد في العراق الحكم، منذ 28 يونيو/حزيران 2004، حين شكل إياد علاوي أول وزارة مؤقتة، على أن من تتحالف معهم إدارة الاحتلال ليسوا رجال دولة، ولا يمكن أن يديروا مؤسساتها بالشكل الذي يمنح الشعب استحقاقاته بكل المجالات، وأعتقد أن هذا كان مطلباً أميركياً، وغير أميركي، لإبقاء العراق خارج دائرة الزمن، وسحق إرادة شعبه التي قاومت الظروف الصعبة، جراء الحصار والحرب، والتي لم تخرج لتحية القوات الأميركية (المحررة)، كما روج الإعلام الأميركي والغربي حينها، ولإبقاء العراق ضعيفاً جريحاً أطول فترة زمنية ممكنة.

وبعد أن أفرغ ساسة العراق الجدد، وخلال أكثر من عقد، كل مقومات النهوض والبناء للإنسان وللأرض والعلم، في هذا البلد، استحقت دولتهم التي انحسرت حدودها، بما سميت المنطقة الخضراء داخل العاصمة بغداد. استحقت، وعبر تصنيفات دولية، أن تصنف ضمن "الدول الفاشلة"؛ ففي التقرير الأممي السنوي لمؤشر الدول الفاشلة عام 2013، احتل العراق الترتيب الحادي عشر من أصل 177 دولة، وفي الوقت الذي تجاوزت فيه ميزانية العراق 150 مليار دولار عام 2012-2013، لم ينل منها العراقيون أي شيء، لا في الخدمات، ولا في مؤسسات التربية والتعليم أو الصحة، بل ذهبت كلها في متاهات الفساد الكبير الذي التحف به ساسة العراق والقائمون على شؤونه، من دون رادع أو رقيب، وقد كشف عن هذا الانهيار الاقتصادي الهائل لميزانية الدولة العراقية بعد انخفاض أسعار البترول العالمية، وسقوط هذه الدولة في مأزق الإفلاس؛ وهو ما أكده رئيس وزراء إقليم كردستان، نيجرفان البارزاني، حين قال، في وقت سابق بداية فبراير/شباط الماضي، "تم الاتفاق مع بغداد على احتساب معدل النفط المصدر من إقليم كردستان، كل ثلاثة أشهر، وليس يومياً"، وأضاف "المشكلة الرئيسية، حالياً، أن بغداد لا تمتلك المال وهي مفلسة".

السؤال الذي يمكن أن يثار حقيقة، هل إن ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق قوة فرضت أجندتها وقدرتها في السيطرة على مقدرات مساحات واسعة من أراضي العراق، في أجزائه الغربية والشرقية والشمالية، ساهمت في تأخير سقوط النظام السياسي، القائم حالياً، وساعدت إيران والمتحالفين معها في المنطقة الخضراء على تحشيد قواهم، وتصفية مقاوميهم من العراقيين، بحجة الحرب على "داعش"، والكل يعلم ما نتج عن هذا الحشد من سفور إيراني، بوجود فعلي لقوات الحرس الثوري للقتال في العراق، وتوجيه رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، وخلال الفترة الانتقالية، لتسليم المنصب لخلفه حيدر العبادي، بتشكيل ما سمي "الحشد الشعبي"؛ وهو قالب شبه عسكري، لجعل وجود وحركة المليشيات "الشيعية" الموالية لإيران ضمن القوالب "القانونية" المؤمنة لتحركها، والقيام بفعالياتها من دون وازع، أو محدد رسمي، من الحكومة العراقية.

سمحت عباءة "داعش"، أيضاً، لأمين عام حزب الله اللبناني، حسن نصرالله، بالإعلان عن حضور فعلي لحزبه في العراق، للقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، بعد مقتل القيادي في الحزب، إبراهيم محمود الحاج، المعروف بالحاج سلمان، في أثناء مشاركته في قتال التنظيم مع الحشد الشعبي في العراق. وأرى أن إعلان نصرالله هذا يعني نيته المشاركة بشكل أكبر في حرب تنظيم الدولة في العراق مستقبلاً، وهو ما يتماشى تماماً والتوجه الإيراني للتمدد في المنطقة.

الأوضاع في العراق، في حقيقة الأمر، سيئة جداً، ولعل أوضاع العشائر والمناطق السنيّة باتت محط اهتمام وسائل الإعلام الغربية والعربية؛ نتيجة الوضع الصعب، وفق المقاييس العسكرية والإنسانية من جهة، ونتيجة القرارات المنتظرة من هذه العشائر، في حال استمرت حكومة بغداد في وضعهم بين فكي تنظيم الدولة الإسلامية، من جهة، والحشد الشعبي، من جهة أخرى. والتجربة التاريخية المرّة لهذه العشائر مع حكومات بغداد، المتعاقبة منذ عام 2004، لا تشجع على الوثوق بأي وعود حكومية، مهما كانت اللغة التي تصاغ بها، كما أن الانضمام إلى قوات تنظيم الدولة الإسلامية سوف يفقد هذه العشائر هيبتها، ويضع المدن العراقية التي يشكلون قوى مركزية فيها، والتي همشت في أكثر من 11 عاماً، تحت سيطرة هذا التنظيم بالكامل.

إن "رداء داعش" الذي تلبسه حكومة العراق، المنغمسة بمؤشرات الفشل والفساد والضعف، أمر خطير جداً، وقد يفضي فيما لو حقق تنظيم الدولة الإسلامية تقدماً حقيقياً على الأرض تجاه بغداد، إلى إشعال حرب أهلية وطائفية متعددة الاتجاهات، تبقي العراق عموماً في فوضى عارمة، ولا مجال فيه لقوة مهيمنة، وهو ما قد يقود المنطقة إلى كوارث، تفوق التي خلفها احتلال العراق، عبر أكثر من عقد.

F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن