توفي صباح اليوم الثلاثاء، الكاتب والمخرج السوري، محمد قارصلي، عن عمر يناهز 69 سنة، متأثراً بالمرض، تاركاً وراءه إرثاً غنياً ومهملاً في المسرح والسينما السوريين.
مسيرة قارصلي الفنية، بإنجازاتها وخيباتها، تختزل حال الفن السوري في المرحلة الماضية. فقارصلي الذي سافر في السبعينيات إلى روسيا، ليدرس الإخراج السينمائي بأكاديمية السينما في موسكو.
حصل قارصلي على شهادة دكتوراه في إعداد الممثل من الأكاديمية ذاتها، ولم تحتضنه المؤسسات السورية الرسمية، بعد أن عاد إلى وطنه، ليمضي مسيرته على الهامش الثقافي المهمل، ويجد بتمويلات المنظمات الإنسانية العالمية، كالصليب الأحمر والأمم المتحدة، الملاذ الوحيد له، لمواصلة رحلته الفنية المهمشة في سورية.
ولم تتمكن معايير الإنتاج الفني السائدة في البلاد، المرتكزة على الشللية والمحسوبيات، من إفشال مشروع محمد قارصلي الفني، فأنتج خلال رحلته الفنية، التي أمضى معظمها في الظل، 96 فيلماً سينمائياً، ما بين الأفلام الروائية والوثائقية الطويلة والقصيرة، وأخرج أيضاً 13 عرضاً مسرحياً، بالإضافة لعمله كاتباً، إذ كتب عدداً كبيراً من النصوص الدرامية للمسرح والسينما والتلفزيون، كان أشهرها مسلسل "أيام الغضب" الذي أخرجه باسل الخطيب سنة 1997.
ويجب الإشارة هنا، إلى أن وصول قارصلي إلى شاشة التلفزيون، التي تمثل مركزية فنية في سورية، لم يكن بالأمر اليسير، بل إن الاعتراف بقارصلي فناناً سورياً جاء متأخراً جداً، فهو لم يحصل على عضوية نقابة الفنانين حتى عام 1993، أي بعد ما يزيد عن عشرة أعوام من مزاولته مهنة الإخراج في سورية.
جاءت عضويته بعد أن حاز قارصلي على جوائز دولية من مهرجانات سينمائية ومسرحية عديدة، وبعد أن ذاع صيت مسرحيته "فجر وغروب فتاة تدعى ياسمين" التي حصلت على أربع جوائز من مهرجان "توياما" الياباني، سنة 1990، وبعد أن حصل فيلمه القصير "غداً" على جائزة أفضل فيلم قصير في آسيا، ليكون الاعتراف بقارصلي فناناً سورياً بعد وصوله إلى قمة عطائه، وبعد أن تم الاحتفاء بإنجازاته عالمياً.
والغريب أيضاً، أن الاحتفاء العالمي بإنجازات قارصلي الفنية، لم ينتج عنه أي اهتمام محلي، بل على العكس من ذلك، إذ منعت وزارة الثقافة السورية عرض مسرحية قارصلي الأبرز، "فجر وغروب فتاة تدعى ياسمين"، التي عُرضت في 27 دولة. كما رفض التلفزيون السوري عرض فيلمه الذي تحدث عن تعايش الأديان، والذي قدمه هدية عقب زيارة بابا الفاتيكان إلى دمشق، لتؤكد هذه الحوادث التي تعرض لها قارصلي أن لا معيار في سورية يفوق معيار الشللية.
وفي الأعوام الأخيرة، أمضى قارصلي حياته في تدريس السينما والتمثيل للطلاب اليافعين داخل سورية، وواظب عمله الفني من دون انقطاع في الهامش، بعيداً عن الأضواء، وأنهى مسيرته مستقلاً، كما بدأها، ولم تهتم المؤسسات الثقافية السورية بتبنيه إلا بعد وفاته، فراحت تنشر بيانات النعي للتأبين لتوديع قارصلي، الذي همشته في حياته.