رحيل حارسة تراث يهود مصر

07 مارس 2014
نادية هارون في أحد الاحتفالات بعد الثورة
+ الخط -

رحلت نادية هارون، ثانية اثنتين تحرسان ما تبقى من تراث يهود مصر، مع شقيقتها ماجدة التي ترأست الطائفة اليهودية المصرية قبل بضعة أعوام عند وفاة كارمن ويزنثاين، عندها صرحت ماجدة لإحدى الصحف قائلة: "قلت لشقيقتي نادية، نائبة رئيسة الطائفة، لن يتبق غيرنا نحن الاثنتان، ثم سترحل إحدانا تاركة الأخرى لتغلق الباب على تلك القصة الطويلة الثرية الدرامية ليهود مصر"، وها قد رحلت نادية لتترك لشقيقتها ماجدة مهمة غلق الباب ووضع كلمة النهاية للقصة.

أما بداية النهاية فكانت مع العام ١٩٤٨ مع إعلان الدولة الصهيونية على أرض فلسطين، والتي كان عدد اليهود في مصر وقتها، بحسب كتاب "تاريخ يهود النيل" لجاك حسون، نحو ٧٦ ألف يهودي. ومع حرب ١٩٦٧ هبط هذا العدد إلى ٢٠٠٠ فقط.

وبحسب كتاب جويل بينين عن اليهود في مصر، فإن معظم اليهود الذين تركوا مصر بين عامي ١٩٤٨ و ١٩٦٧ ذهبوا إلى أوروبا وأمريكا في حين ذهب ٣٠ بالمائة منهم إلى إسرائيل التي تم تسويقها كوطن قومي لليهود، بمن فيهم يهود الدول العربيه ومنها مصر. ولكن كان من بين يهود مصر من وقفوا في وجه الصهيونية التي بنت ذلك "الوطن" على نكبة الفلسطينيين أصحاب الأرض

ومن بين هؤلاء كان المحامي اليهودي المصري اليساري شحاته هارون، والد نادية وماجدة – والذي كان يرى مصر هي الوطن، وإسرائيل هي العدو الصهيوني.

في الخمسينيات من القرن الماضي، رفض هارون أن يأخذ ابنته منى التي كانت تعاني من سرطان الدم، وهي رضيعة، إلى خارج مصر للعلاج لأنه رفض أن يختم جواز سفره بخاتم "لا عودة"، وهو ما قبله كثير من اليهود وهم يغادرون مصر
كان هذا هو الحال خاصة بعد عملية سوزانا في عام ١٩٥٤، والتي اشترك فيها بعض اليهود المصريين في التجسس لمصلحة إسرائيل، وفي أعقاب العدوان الثلاثي في 1956. لم تعلم الأختان نادية وماجدة عن شقيقتهما الراحلة إلا بعد سنوات طويلة وبالمصادفة لأن والدهما لم ينطق باسم "منى" لا هو ولا والدتيهما أمامهما أبدا.
وعندما عرفت الشقيقتان بأمر اختهما التي رحلت في الطفولة الباكرة ودفنت في مقابر البساتين، لكي تتمكن الأسرة من البقاء في مصر، لم تقولا لوالدهما شيئا فقد أدركتا أن الذكرى الحزينة ما تزال تعتصر قلبه.

ولم تكن تلك هي الذكرى الحزينة الوحيدة للمواطن المصري شحاته هارون .. ففي عام ١٩٦٧ ، بينما كانت مصر تحت العدوان الإسرائيلي، اتصل شحاته هارون برئيس نقابة المحامين وقال له "إنه يريد أن يلتحق بالجيش المصري ليدافع عن وطنه في مواجهة العدوان الأجنبي" فقد كان الشعور الوحيد هو أن مصر – الوطن تتعرض للعدوان وأيا كان دين المعتدي فهو عدو – حتى وإن كان في صفوفه بعض الأقارب البعيدين بدرجة أو بأخرى.. وهذا هو الشعور الذي ورثته الراحلة ناديه هارون

في يوم من الأيام من عام ١٩٦٧ عادت نادية وماجدة إلى المنزل ليجدا والدهما يجلس مهموما في صالة البيت وأمامه حقيبة صغيرة، ففرحتا في البدايه ظنا منهما أنهما لحقتا به قبل أن يذهب إلى الجبهة وقالتا له "نريد أن نذهب معك"، لكنه لم يكن ذاهبا إلى الجبهة وإنما إلى السجن.

فقد شهد عام ١٩٦٧ عمليات اعتقال اليساريين من اليهود وغيرهم ومن الأقباط إلى جانب الأخوان المسلمين ، فكان السجن يوحدهم وإن فرقتهم المعتقدات..

ولكن بقيت إسرائيل هي العدو في ضميرأشسرة هارون وورثت الفتاتان القناعة عن والدهما وأعلنتاها دائما: إسرائيل هي العدو ومصر هي الوطن وقد وضعت نادية هارون قناعتها موضع التنفيذ حيث أوصت بدفنها في وطنها مصر بعد أن عاشت فيها طوال حياتها ناشطة من أجل حقوق الإنسان ومن أجل الاستقلال الكامل لمصر. مارست نادية المحاماة وتزوجت من مصري مسلم وكان لها دور واضح في الحزب الشيوعي المصري وفي الحركة اليسارية المصرية عندما كان اليسار المصري يسارا حقيقيا

 توفيت نادية شحاته هارون، نائبة رئيسة الطائفة اليهودية بمصر، إثر إصابتها بنوبة قلبية في مكتبها، ومن المقرر أن تقام الصلاة عليها وتشييع جنازتها صباح الثلاثاء المقبل بالمعبد اليهودي بالقاهرة وتقام ليلة العزاء مساء اليوم نفسه بالمعبد.