ونعاه نجله الزميل رامي القليوبي، مراسل "العربي الجديد" بموسكو، على حسابه الشخصي على موقع "فيسبوك" قائلاً: "في صباح الخميس 2 فبراير 2017، انتقل إلى رحمة الله الوالد والمخرج المصري المعروف الحائز على جائزة الدولة التقديرية والأستاذ الدكتور بمعهد السينما والإنسان الجميل محمد كامل القليوبي، وداعاً يا بابا، لن يخفف مرور الزمن من آلام الفراق وسيلاحقنا الشعور بأنك مجرد خرجت من البيت وسنراك عائدًا إلينا".
وكان "3 على الطريق" أول عمل يخرجه القليوبي، وطاف به العديد من المهرجانات العربية والدولية، كما حصل فيلمه "البحر بيضحك ليه" على جائزة نجيب محفوظ، في مهرجان القاهرة. واندرج هذان الفيلمان تحت خط الأفلام الروائية الطويلة الهادفة.
ولم يسِر القليوبي على نهج واحد طيلة حياته الفنية، حيث اتجه أيضاً إلى الأعمال الكوميدية الخفيفة ، مثل "اتفرج يا سلام"، وحقق هذا العمل إيرادات كبيرة، وهي الإيرادات نفسها التي حققها فيلمه "خريف آدم"، الذي أنتج عام 2002، ودارت أحداثه في جنوب مصر على مدى عشرين عاماً من 1948 إلى 1968، الحافلة بالأحداث السياسية والتغيرات الاجتماعية، وقام ببطولته هشام عبد الحميد وسوسن بدر وحسن حسني.
اهتم القليوبي كثيراً بالسينما المصرية، إذ رأى فيها وسيلة مهمة لحفظ تاريخ الوطن، وخاض رحلة بحث فيها، ولم يكتف بكونه مخرجاً فحسب، بل ألّف سبعة كتب عن السينما وما تحمله من تاريخ وأسرار وكواليس مهمة.
عمل القليوبي أستاذاً في المعهد العالي للسينما، وأحب التدريس، لإحساسه أن عليه ديناً كبيراً تجاه جيل السينمائيين، بعدما تتلمذ على يد كثير منهم، سواء في مصر أو غيرها، فنقْل المعرفة بالنسبة إليه كان هدفاً جليلاً سعى إليه إلى حين وفاته.
كذلك أخرج القليوبي مسلسلي "بعد الطوفان" و"طعم الحريق". وكان يشترط على كل من يعمل معه، أن يكون خريجاً من معهد السينما، إذ كان يرى الدراسة مسألة مهمة، ولا ينبغي الاعتماد على الموهبة فحسب، بل لا بد من صقلها.
التحق القليوبي بعد انتهائه من شهادة الثانوية بكلية الهندسة قسم "مدني" بناءً على رغبته هو شخصيًّا ورغبة الأسرة، وأثناء دراسته كان يدخر من مصروفه الشخصي لمشاهدة عروض المسرح القومي، التي تُعرض في دار الأوبرا المصرية كل يوم جمعة، وكان يشتري كتابًا كل أسبوع، وظل القليوبي بكلية الهندسة لمدة ثلاث سنوات فقط وسافر مع الكلية إلى ألمانيا لدراسة بعض المشروعات، وبالصدفة شاهد القليوبي في إحدى دور السينما الألمانية فيلمين هما "الصمت" وفيلم "يا له من فردوس مضحك".
وبعد مشاهدتهما قرر تحويل مساره، حيث تحول حبه للسينما إلى إدمان، فخطفته من الدراسة العملية والنظرية، وأثناء تقديمه لدراسة السينما فوجئ أن وزير الثقافة وقتها الدكتور ثروت عكاشة، اشترط على من يلتحق بمعهد السينما أن يكون خريج جامعة، فعاد القليوبي مرة أخرى إلى كلية الهندسة، وأتم عامه الثالث والرابع بها، ثم التحق رسمياً بالمعهد العالي للسينما، وكان القليوبي يرى أن الشخص المحظوظ هو من يولد في منزل فيه شغف بالثقافة ويحتوي على مكتبة، وهو ما حدث له في طفولته وأسهمت المكتبة الخاصة بوالده في تغذية عقله، كما أن والده ووالدته كانا مشاهدين للسينما بشكل منتظم، ويحرصان على اصطحاب أولادهما لمشاهدة الأفلام، ومن هنا تشكل وجدان القليوبي سينمائيًا وثقافيًا.
وعلى الرغم من عدم رغبة القليوبي في كثير من الأحيان أن يتدخل في سيناريو أو قصة العمل الذي يقوم بإخراجه، إلا أنه أكد في تصريحات له أنه يضطر أحيانا للتدخل، ما يثير في بعض الوقت غضب المؤلفين أو كتّاب السيناريو، حتى وصل الأمر ذات مرة إلى القضاء في فيلم "أحلام مسروقة" للمؤلف محمد الرفاعي، واعترف القليوبي بخطئه في التدخل لعدم إدراكه وقتها بشكل كافٍ، والعمل الآخر هو مسلسل "الابن الضال"، حين قرر مؤلف العمل إضافة مشاهد جديدة، لكن القليوبي رفض، ووصل الأمر إلى القضاء وكان الحكم لصالح القليوبي.
يرى القليوبي أن السينما المصرية بعد ثورة 25 يناير واجهت بعض التغيرات، وهذا شيء طبيعي كونها فترة انتقالية، والتي قد تستمر لعشر سنوات، وأوضح أن الشعب المصري تغيّر فكريًا والكل أصبح يتحدث في القضايا السياسية، وهو ما يعني أننا شعب لا يجدي أن يضحك أحد عليه، وهو ما يستلزم نوعًا معينًا راقيًا من السينما، وأوضح أن الأفلام التجارية تتماشى في الكثير من الأحيان مع الذوق العام، وطالما تمثل شريحة ما فلا غبار عليها، وستختفي مثلما تختفي أي ظاهرة.
ترأس القليوبي مؤسسة "نون" للثقافة والإبداع الفني، المنظمة لبعض المهرجانات السينمائية مثل مهرجانات الأقصر للسينما المصرية والعربية ومهرجان شرم الشيخ السينمائي، لكنه كان يشكو دائمًا من الدعم المحدود من وزارة الثقافة، وطالب المسؤولين من قبل بضرورة زيادة الدعم، وأن يكون هناك ميزانية ثابتة لهم، مشيرًا إلى أن هناك أجانب كانوا يسافرون إلى الأقصر لحضور المهرجان على نفقتهم الخاصة ومصريين أيضًا يفعلون ذلك، ما يعني أن المهرجانات السينمائية هي مروّج جيد جدًّا للسياحة المصرية.