حين لم تفز الروائية الجزائرية آسيا جبّار (1936 - 2015)، التي رحلت عن عالمنا ليلة أمس بعد صراع دام شهوراً مع المرض، بجائزة نوبل التي رشحت لها سنة 2009، قيل إن مرد ذلك إلى أنها ليست عالمية بما يكفي.
هذه العالمية التي لم تكن تكفي هي واحدة من مزايا نص جبّار الجزائري بامتياز، كانت صاحبة "وهران لغة ميتة" و"الجزائر البيضاء" مستغرقة في بلادها تؤرّخ وتوثّق حكاياته وتروي تفاصيل نسائه، وتتقاطع مع الثقافتين اللتين تتداخلان في الأدب الجزائري: العربية والفرنسية.
كتبت جبّار روايتها الأولى "العطش" (1953) وأتبعتها برواية "نافذة الصبر" (1957)، كما كتبت رواية مشتركة مع زوجها الأول أحمد ولد رويس بعنوان "أحمر لون الفجر".
ولكن الراوية التي لفتت إليها الأنظار ليس فقط ككاتبة بل كمحققة في التاريخ وصاحبة منظور نسوي واضح أيضاً، ومسائِلة عتيدة للمورث الديني والاجتماعي، هي رواية "بعيداً عن المدينة" التي كان موضوعها "العشرية السوداء" التي عاشتها الجزائر في التسعينيات.
تناولت جبّار هذه الحقبة الدموية من تاريخ بلادها من زاوية محددة وهي موقع المرأة الجزائرية في كل هذه الأحداث وما تعرضت له خلالها. أعملت صاحبة "ظلّ السلطانة" قلمها في هذه الرواية لتفكيك خطاب بعض النصوص التاريخية التي فسرت النصوص الإسلامية المقدسة مثل "تاريخ الطبري" و"طبقات ابن سعد" و"سيرة ابن هشام". ومن خلال استحضار شخصيات نسائية تاريخية، مثّلت جبّار على قدرة المؤرخ والموثق أن يقصي المرأة من مسار الأحداث والمنعطفات الكبرى.
وعن تجربتها هذه قالت في إحدى حواراتها "لقد غصتُ في تفكيك تلك النصوص كلمة كلمة، فصلاً بعد فصل، كنت بحاجة إلى سماع لغتي الأم في إيقاعها وتحفظها وفي ثغراتها أيضاً".
خصّت جبّار معظم كتاباتها وهواجسها للمرأة الجزائرية، وكانت ترى في ذلك شيئاً من منح الصمت حنجرة ليصرخ بها، هي التي كتبت في عملها "نساء الجزائر في شقتهن" تصف نساء بلادها: "عالم من النساء، حيث لا تحدث ضوضاء من الهمسات، من الشكاوى المفقودة، من رومانسية غائبة، يصبح هذا العالم فجأة بائساً منطوياً، وتنكشف الحقيقة من دون مكياج من دون ارتداد نحو قيم الماضي: الصوت مكتوم حقاً".
لم تكتف جبّار، أستاذة الأدب الفرنكفوني في جامعة نيويورك وعضو الأكاديمية الفرنسية، بالكتابة؛ فتقدمت بخطواتها نحو الإخراج السينمائي، وحاز فيلمها "نوبة نساء جبل شنوة" على جائزة النقد العالمي في مهرجان البندقية للعام 1979، كما حصل فيلمها الثاني "زردة أو أغاني النسيان" على جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان برلين السينمائي 1982. لم تخرج جبّار سوى هذين الفيلمين الوثائقيين ولكنها اتجهت أيضاً لكتابة النصوص المسرحية والتي لم تكن بنجاح رواياتها.
عن علاقتها بالكتابة كتبت جبّار في أحد نصوصها: "أكتب ضدّ الموت، أكتب ضدّ النسيان. أكتب على أمل أن أترك أثراً ما، ظلاً، نقشاً في الرمل المتحرّك، في الرماد الذي يطير وفي الصحراء التي تصعد".
ورغم أن جبّار صاحبة "لا مكان في بيت أبي" قد تُرجمت إلى ثلاثين لغة في العالم، إلا أنها لم تقدم إلى لغتها العربية الأم، وقد رفضت المحاولة التي قدّمت لها لتعريب "بعيداً عن المدينة" لأنها رأتها بعيدة عن روح النص. ومازال أدب جبّار بالنسبة للقارئ بالعربية مجهولاً في انتظار أن يبادر المترجمون.