رحلة المحمدين إلى السلطة ومجلسَي الأمن والاقتصاد

30 ابريل 2015
محمد بن نايف يفرض نفسه الرجل الأقوى (فرانس برس)
+ الخط -
منذ اليوم الأول لاعتلائه العرش السعودي، بدا أن الملك سلمان بن عبد العزيز، عازم على تجديد الطاقم الحاكم في المملكة بصورة شبه كاملة على مستوى الأشخاص أولاً. تجديد أخذ طابع ترفيع الجيل الجديد من العائلة الحاكمة وتسليمهم أرفع المناصب، أي "أحفاد" المؤسِّس عبد العزيز بن سعود. وجاءت التعيينات على مراحل قبل تكريسها أمس الأربعاء على شكل تعيين محمد بن نايف ولياً للعهد، ومحمد بن سلمان ولياً لولي العهد. ففي الساعات الأولى من اعتلائه كرسي العرش في يناير/كانون الثاني الماضي، شاء سلمان أن يضع بصمته في شكل وتركيبة الدولة وليس رموزها وأشخاصها فحسب، فأنشأ دوائر ولجاناً وقام على الفور بعزل مجموعة من المقرّبين من جناح الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز، من أبنائه والمسؤولين الذين عيّنهم. وفضّل أن يكون الأمر مرتبطاً بشكل مباشر بابنه محمد، ووزير الداخلية في حينها، محمد بن نايف.
كذلك ضمّ عدداً من اللجان والدوائر في مجلسين اثنين، وهما: مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. وفُهم من هذا القرار أنّه لرغبة في تقليص صلاحيات جهات بعينها، إضافة إلى خفض تكلفة بعضها.

باتت مراكز السلطة في المملكة بعد الترتيبات الأخيرة تتوزع بين ثلاثة أطراف: محمد بن سلمان بوصفه ابن الملك الحالي وولي ولي العهد ووزير الدفاع، ثم ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية ووزير الداخلية محمد بن نايف، ثمّ وزير الحرس الوطني متعب بن عبد الله، الذي يعتبر الوريث الوحيد سياسياً من أبناء الملك الراحل عبد الله، وذلك بعد إعفاء الأمير مقرن بن عبد العزيز من ولاية العهد ومن منصب نائب رئيس مجلس الوزراء "بناء على طلبه" بحسب ما جاء في الأمر الملكي فجر أمس، علماً أن مقرن كان يُعَدّ "الوريث الشرعي" لأفكار عبد الله ونهجه في الحكم.

ومع إعلان الملك سلمان تأسيس مجلسَي الشؤون السياسية والأمنية، والشؤون الاقتصادية والتنمية، توقع البعض أن يكون وزير الحرس الوطني، الأمير متعب بن عبد الله، وهو صاحب الولاء العسكري القوي بين كتائب الحرس الوطني، مسؤولاً على الأقل عن أحد المجلسين المستحدثين، وهو ما لم يحصل بعدما ذهبت رئاستهما لـ"المحمدين"، بن نايف وبن سلمان.

اقرأ أيضاً: 25 أمراً لسلمان فجراً: محمد بن نايف ولياً للعهد

بن نايف

يترأس مجلس الشؤون السياسية والأمنية محمد بن نايف. يقوم هذا المجلس بمهمة رئيسية، وهي تعزيز الإطار الأمني في الشؤون الداخلية، وذلك عبر سنّ أنظمة ولوائح تحدّ من أي تحرك من شأنه أن يعكر صفو جانب الاستقرار الذي تبني عليه الدولة الكثير من مشاريعها. ويقوم المجلس على عقيدة تفيد بأن السلطة هي التي تمثل الدين الإسلامي، وتقدّم ما لديها من أجل خدمة الزوار للأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، إضافة إلى مسألة الأمن والأمان والمقارنة في هذا الملف مع الدول المجاورة، خصوصاً تلك التي اجتاحتها رياح الربيع العربي.

يأمل صناع القرار في قصر الحكم السعودي أن يواصل رئيس المجلس نجاحاته الأمنية في ملف الإرهاب، والتي كان له فيها دور محوري ساهم من خلاله في توجيه ضربات قاصمة لتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، ما حداهم على نقل مركز عملياتهم إلى اليمن. ولم يتوقف محمد بن نايف بعد طردهم من المملكة، عن ملاحقتهم والتضييق عليهم عبر التعاون مع الولايات المتحدة، وإرشادها إلى مواقعهم، وتقديم تسهيلات استراتيجية للطائرات من دون طيار، لتحديد مواقعهم وقصفها، انطلاقاً من القواعد العسكرية المتاخمة للحدود اليمنية في جنوب السعودية.

سياسة محمد بن نايف، دفعت "القاعدة" إلى جعله عدوّها الأوّل، والتخطيط لاغتياله عام 2009 في منزله، غير أنّ تلك العملية فشلت. ورغم الآمال المعلقة على كاهل ابن المؤسسة الأمنية، هناك خشية من أن يكون انشغاله بولاية العهد سبباً في انصراف بن نايف عن بعض الملفات الأمنية، خصوصاً مع تزايد حركة تنظيمي "داعش" والقاعدة" أخيراً في ضوء الكشف عن مخططات "إرهابية" عديدة، فضلاً عن تداعيات الحدث اليمني على المملكة، الحاضرة والمحتملة. في المقابل، يرى آخرون أن منصبه الجديد ووضع البلد الذي مهّد له كثيراً سيجعله أكثر قوة، وبالتالي أقدر على فرض نفوذه. وبحسب ما صدر في بيان رسمي عند تأسيسه قبل أربعة أشهر، فإن مهام هذا المجلس هي "تحديد التوجهات والرؤى والأهداف ذات الصلة بتلك الشؤون، ومراجعة الاستراتيجيات والخطط السياسية والأمنية اللازمة لذلك، ومتابعة تنفيذها والتنسيق بينها".

بن سلمان

بدوره، يرأس ولي ولي العهد، محمد بن سلمان، مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. الشاب (30 عاماً)، لم يكن له منصب قبل ذلك في صناعة القرار. ولكن ما إن أصبح محمد ابن وزير الدفاع، ولي العهد، تحول إلى شخصية ضمن المعترك السياسي عبر توليه بشكل مباشر شؤون تصريف المهام الملقاة على كاهل والده. وبرز ذلك في وزارة الدفاع تحديداً، عندما ساهم بشكل مباشر في عزل نائب الوزير خالد بن سلطان، وتأكيد ضرورة رحيله وإغلاق ملفه نهائياً.
كذلك فرض محمد بن سلمان وضعاً صارماً في الوزارة دفع بعضهم إلى العمل على كسب رضاه، لتوقعهم أن يشغل هذا الشاب الذي لم يبلغ الثلاثين من عمره منصباً حساساً يستدعي منه أن يكون له رجال مخلصون، وهذا ما حدث فعلاً مع تسلمه منصب ولي ولي العهد بعدما تم تعيينه وزيراً للدفاع، ورئيساً لمجلس وحيد يتولى من خلاله كافة مهام الاقتصاد والملفات التنموية الحيوية في المملكة.

يرى مراقبون أنّ الهدف من وراء تعيينه في جميع المناصب التي بات يشغلها، هو تقديمه في دور مزدوج لم يسبق أن ناله أي من الأمراء السعوديين، وذلك عبر شغله منصباً عسكرياً مهماً، وفي وزارة سيادية، فيكون العسكري الطموح لحماية البلد وذا منصب اقتصادي معاً، أي رجلاً تنموياً له طابعه الرعوي، يقدم الهبات ويوزع العطايا على المحتاجين، إضافة إلى إنجاز بعض الملفات المتعلقة باحتياجات الجمهور المباشرة، كالبطالة وأزمة السكن والسوق والمال، وغيرها من الملفات الكفيلة بأن ترفع أسهمه، وتقدم له دعاية سيحتاج إليها في سباقه المقبل على العرش.

اقرأ أيضاً: تغييرات السعودية تشعل اهتمامات اليمنيين: دعم العاصفة ومؤشر خلافات
المساهمون