رجل واشنطن في كابول يتنحّى: هل تلغى الاتفاقية الأميركية-الأفغانية؟

19 سبتمبر 2018
يرى بعض الأفغان أن الدعم الأميركي للبلاد ضروري(سكوت أولسن/Getty)
+ الخط -
كان الزعم السائد طيلة الأعوام الأربعة الماضية من قبل سلطات الرئيس الأفغاني أشرف غني، أن العقل المدبر في الحكومة هو مستشار الأمن القومي حنيف أتمر، وكانت الأروقة السياسية في البلاد مقتنعة بأن زمام الحكم كلها بيده، وأنه يوظف ويقيل ويأخذ القرارات المصيرية في البلاد، فهو شخص مقرب من الرئيس الأفغاني أشرف غني، كما أنه الأقرب إلى الولايات المتحدة، خصوصاً أنه من وقّع الاتفاقية الأمنية مع أميركا بعد أن رفض ذلك رفيق دربه الرئيس السابق حامد كرزاي. علاوة على دفاعه دوماً عن السياسات الأميركية في أفغانستان، معتبراً إياها الحليفة الوحيدة التي بإمكانها أن تنقذ أفغانستان من مشاكلها.

لكن أتمر غادر فجأة منصبه الشهر الماضي، وقيل آنذاك إنه أجبر على ذلك، لتطرح استقالته أسئلة كثيرة حول أسباب ذلك. في الظاهر كان السبب وراء ذلك هو سقوط مدينة غزنة بيد مقاتلي "طالبان" في العاشر من الشهر الماضي، والخلافات بينه وبين الرئيس الأفغاني أشرف غني بشأن المصالحة، وتحديداً المشاركة في مؤتمر موسكو، والذي أُجّل بطلب من الرئيس الأفغاني بعد استقالة أتمر. غير أن قول غني عند إعلانه عن قبول استقالة أتمر، إنه فعل ذلك للحفاظ على المصالح العليا للوطن، كان يوحي بأن هناك الكثير مما هو خفي.

ومع مرور الأيام اتضحت الكثير من الأمور، وظهر أن أتمر شكّل حكومة داخل الحكومة، وأن سبب إقالته لم تكن القضايا التي ذُكرت علناً، ولا الخلافات مع الرئيس الأفغاني فقط، بل الخلافات مع الأميركيين ومعارضته لسياساتهم. وكشف مصدر في الرئاسة الأفغانية لـ"العربي الجديد"، أن "أتمر كان يقترب بشكل خطير من روسيا، وكان يسعى لتسخير شورى الأمن للدفاع عن سياسات موسكو"، مشيراً إلى أن "المستشارين الأميركيين كانوا يراقبون الأمور عن كثب، خصوصاً أنه سعى في الأيام الأخيرة لضرب كل الجهود التي بذلها الرئيس الأفغاني بالتنسيق مع أميركا بشأن المصالحة، ودعم المبادرة الروسية التي كانت في حقيقة الأمر خطاً موازياً للجهود الأميركية الأفغانية".
وأوضح المصدر أن "أتمر كانت له علاقات خفية وقوية مع المعارضين للرئيس الحالي، وعلى رأسهم الرئيس السابق حامد كرزاي، وقد التقى بقيادة الجمعية الإسلامية في الإمارات لبحث ملف الانتخابات الرئاسية المقبلة". والجمعية جزء من تحالف كبير مسمى بـ"تحالف نجاة أفغانستان"، يديره من الخلف حامد كرزاي، وتموّله في زعم الكثيرين إيران وروسيا.

في البداية لم يكن هناك أي دليل يثبت أن أتمر يعمل من منصبه ضد أشرف غني، غير أن تحركاته والتطورات في الساحة الأفغانية أظهرت أن بعض تلك الاتهامات على الأقل قد تكون صحيحة، ذلك لأن أتمر بدأ يشارك في اجتماعات التحالف المعارض للحكومة، ويعيد التواصل مع حامد كرزاي، إضافة إلى الأنباء عن أن كرزاي وأعوانه قد توصلوا مع أتمر إلى تشكيل جبهة للانتخابات الرئاسية المقبلة. والأخطر من كل ذلك، وقوف المسؤول السابق علناً ضد السياسات الأميركية في أفغانستان، بما رفع من الاتهامات ضده بأنه كان ضد السياسة الأميركية حتى حين كان في منصبه. فقد شارك أتمر في جلسة عُقدت في منزل الرئيس الأفغاني السابق صبغت الله مجددي، الأسبوع الماضي، بحضور الكثير من الساسة المعارضين للرئيس الأفغاني، ومنهم حامد كرزاي ورئيس الاستخبارات السابق رحمت الله نبيل، ووزير المالية في حكومة كرزاي، أنوار الحق أحدي، وقيادات "الجمعية الإسلامية" وحزب "الوحدة" وغيرهم، ليخرج اللقاء بمطالبة الحكومة بإعادة النظر في الاتفاقية الأمنية مع أميركا، "لأنها لم تعد في صالح أفغانستان، بل تسبّبت في تعاظم الأزمة الأمنية وفي استمرار دوامة الحرب في البلاد".


والمعلوم أن أتمر هو الذي وقّع الاتفاقية مع واشنطن، وقال حينها إن أفغانستان لا غنى لها عن تلك الاتفاقية، فيما اليوم يدعو إلى إنهائها. واللافت أنه قبل هذه الجلسة، كان البرلمان الأفغاني قد قرر أيضاً إعادة النظر في هذه الاتفاقية، لتُطرح تساؤلات حول ما إذا كان هذا المطلب أفغانياً أم أن هناك دولاً خارجية، لا سيما روسيا وإيران، وراء مثل هذه التحركات؟ وعلى الرغم من تأكيد هؤلاء الساسة أنه طلب أفغاني ولصالح أفغانستان، غير أن الحكومة الأفغانية وسياسيين آخرين رأوا أنه يأتي بإشارة من دول خارجية. وفي هذا السياق، قال أشرف غني، أمام جمع من شيوخ القبائل والقادة الجهاديين في القصر الرئاسي، الأسبوع الماضي، إن هناك محاولات من قبل دول لدفع أفغانستان نحو انزواء تام، وتخريب علاقاتها مع دول العالم وحلفائها. وأضاف أنه "بعد 40 عاماً من الحرب ثمة فرصة كبيرة للمصالحة والقضاء على دوامة الحرب، لكن البعض يسعى إلى إضاعة تلك الفرصة بوسيلة أو أخرى". وكانت إشارة الرئيس الأفغاني واضحة إلى أعمال "تحالف نجاة أفغانستان" ودعوته لإنهاء الاتفاقية مع أميركا.

على المستوى السياسي، كما على المستويين الشعبي والإعلامي، أثار طلب التحالف والبرلمان إنهاء الاتفاقية مع الولايات المتحدة، تساؤلات وجدلاً كبيرين. فقد تساءل الكثيرون حول مستقبل الجيش الأفغاني والقوات المسلحة إذا تم فعلاً إنهاء الاتفاقية الأمنية، وقامت الولايات المتحدة بوقف مساعداتها للقوات المسلحة الأفغانية التي تحتاج إلى الدعم الأميركي ولا يمكنها أن تكمل حربها ضد الجماعات المسلحة من دون هذا الدعم.

وفي هذا السياق، قال مسؤول أمن قندهار الجنرال عبد الرزاق، في بيان له، إن ما "يحصل من حراك في هذه الفترة ضد الاتفاقية الأمنية هو بإشراف مباشر من دول عدوة في المنطقة، وهذا الأمر ليس في صالح أفغانستان، بل سعي لدفع البلاد نحو ويلات جديدة وحرب أهلية على غرار ما حصل في تسعينيات القرن الماضي". بينما قال زعيم حزب "المشاركة الوطنية" نجيب الله كابول، في تصريحات صحافية، إن "بعض السياسيين يتم التلاعب بهم من إيران وباكستان ودول أخرى في المنطقة، والدعوات لإنهاء الاتفاقية الأمنية مع أميركا تأتي في هذا الإطار، هؤلاء لا يعملون لصالح البلاد بل لمصالحهم ومصالح دول المنطقة".

وعلى الرغم من الدعوات المتصاعدة لإسقاط الاتفاقية الأمنية مع واشنطن، يؤكد مراقبون للأوضاع أن ذلك يبقى في الوقت الراهن مجرد حلم لن يتحقق، حتى لو كانت وراء هذا الحراك دول خارجية، لكن هذه المساعي تأتي لممارسة الضغط على الحكومة، إضافة إلى محاولة هؤلاء السياسيين تبييض صورتهم أمام الشعب، إذ إن معظمهم ساهموا في إبرام الاتفاقية سابقاً، فحكومة كرزاي هي التي صادقت عليها، قبل أن يرفض كرزاي التوقيع عليها لاحقاً بسبب خلافات مع واشنطن وليس لأنه يخالف الاتفاقية. كما أن حنيف أتمر هو الذي وقّع عليها، وصبغت الله مجددي كان أول الدعاة للتوقيع عليها، بل هدد بالخروج من الوطن والهجرة إذا لم يتم إقرارها. وبحسب مراقبين، فإن هؤلاء يدعون اليوم لإنهاء الاتفاقية لسببين، أولاً الحصول على مكاسب سياسية، خصوصاً أن انتخابات البرلمان ستجرى بعد نحو شهر، وهم يعتقدون أن الحكومة والأميركيين يتدخلون فيها لمحاولة الإتيان ببرلمان موالٍ لهم، خصوصاً أنه تم منع ترشيح بعض السياسيين بسبب تهم الفساد. أما السبب الثاني، فهو محاولة تبييض صورتهم أمام الأفغان، والقول إنهم معارضون للوجود الأميركي في البلاد، في ظل السمعة السيئة للأميركيين لدى الشعب الأفغاني، لأن معظم شرائح الشعب ترى أن استمرار دوامة الحرب في بلادهم سببه السياسة الأميركية. ولكن تبقى هناك خشية من وقوع هؤلاء السياسيين في حضن جهة أخرى يعتبرها الأفغان عدواً أقدم من أميركا، وهي روسيا.

المساهمون