رالف و"إنترنت": حبّ في عالم افتراضي

09 ديسمبر 2018
"رالف يكسر إنترنت" لريتش موور وفِلْ جونستن (فيسبوك)
+ الخط -
عام 2012، أنتجت شركة "ديزني" فيلمها الكرتوني Wreck-It Ralph، بفكرة ذكية تقضي بتحويل "فيديو جيم" وشخصياته الشهيرة، في ثمانينيات القرن الـ20 وتسعينياته، إلى عالم حقيقي، يحاول فيه رالف المدمِّر، شرير اللعبة التي تحمل الاسم نفسه، أن يكون بطلاً محبوبًا من الناس. 
نجح الفيلم بشكل مقبول جدًا. بعد 6 أعوام، قرّرت الشركة نفسها استغلال هذا النجاح بفكرة أخرى لا تقل ذكاءً: ماذا لو وُضعت الشخصيات الكلاسيكية للـ"فيديو جيم" في عالم "إنترنت" اليوم؟

يبدأ الجزء الجديد، وهو بعنوان "رالف يكسر إنترنت" (Ralph Breaks The Internet) لريتش موور وفِلْ جونستن، بعد أعوام على انتهاء الجزء السابق. الصداقة تجمع رالف (صوت جون سي. رايلي) بفانيلوبّي (صوت ساره سيلفرمان)، بطلة لعبة سباق السيارات، التي تشعر بالضجر من عالم لعبتها المحدود، والمسارات المتوقَّعة التي صارت تعرفها كلّها. يحاول رالف تجديد شكل لعبتها، لكن مشكلة تحدث، وتؤدي إلى كسر جهاز التحكّم في محل الألعاب، وبالتالي تتوقّف اللعبة عن العمل، وتشرد شخصياتها. أما الحل فيكمن في الحصول على النسخة الوحيدة المتبقية من جهاز التحكم على موقع "إيباي" في الفضاء الإلكتروني، لتبدأ مغامرة طويلة بين رالف وفانيلوبّي في عالم "إنترنت"، يسعيان فيها إلى شراء الجهاز المطلوب لإحياء اللعبة مجدّدًا، وعودة الجميع إلى منازلهم.


في النصف الأول من الأحداث، أدرك صنّاع الفيلم أن ما يُميّز عملهم متمثّل بتحويل العوالم الافتراضية غير الملموسة إلى عوالم مادية ذات تفاعلات ومشاعر وشخصيات. وبعد تمهيد فعّال جدًا، في الدقائق الـ10 الأولى، لشخصيتي رالف وفانيلوبّي، تبدأ الرحلة الحقيقية، حيث يبتكر الصنّاع مُوازيًا بصريًا لتفاصيل "إنترنت"، يتحوّل فيه الفضاء الإلكتروني إلى مدينة عملاقة، وملايين المستخدمين إلى أشخاص يتجوّلون فيها، والمواقع والشبكات إلى أماكن مادية يُمكن الذهاب إليها بحسب "سرعة الاستخدام". وفي منتصف هذا كلّه، تأتي شخصيّتان في ألعاب الفيديو من الثمانينيات الفائتة، فتكون النتيجة فوضى كاملة ومُضحكة، مع تفاصيل ذكية وجذّابة كثيرة تُقدَّم للمتفرّج، كالتفاعل مع الإعلانات، ومحرّكات البحث، وطريقة المزاد، وكيفية الشراء من موقع "إيباي"، والدخول إلى لعبة حديثة للحصول على أموالٍ تسمح بشراء جهاز التحكّم.

في كلّ دقيقة، يُفاجئ الفيلم بتقديمه تفاصيل لمّاحة ومتنوّعة، قبل أن تخفّ الوتيرة قليلاً مع تقدّم الأحداث، لسببين: الأول، أن رهان الفيلم من البداية كان على تحويل "غير المادي" إلى "مادي" في عالم "إنترنت"، من دون تأسيس الأحداث على مستوى درامي بطريقة أقوى أو أكثر تماسكًا، فظهرت نقلات مهمّة في المغامرة مبتورة وغير مقنعة، كالفيديوهات الكوميدية لرالف، وتحويل "الإعجابات والقلوب" إلى أموال، ومنطق حدوث ذلك في ساعات عديدة.
الثاني هو الشعور بتحوّل الفيلم في بعض لحظاته إلى إعلان مطوّل عن عالم "ديزني"، وهذا بدأ بشكل جيد مع مقابلة فانيلوبّي أميرات "ديزني" (سنو وايت وسندريلا، بالإضافة إلى ميريدا بطلة فيلم Brave)، والكوميديا النابعة من اختلاف شخصيتها عن الشخصيات تلك، لكن مع مشاهد زائدة ذات صيغة دعائية، ما أفقد الفيلم بعض إيقاعه.

من ناحية أخرى، امتلك الفيلم ميزة غير معتادة في أفلام "ديزني"، تحمل صبغة مُحافظة في أفكارها. ففي مقابل إعلاء أفلام مشابهة قيمة "العودة إلى المنزل" و"الأصدقاء القدامى"، تعامل "رالف يكسر إنترنت" مع "الرسالة" التي يحملها بدرجة أنضج، بتركه المجال في النهاية لفانيلوبّي كي تكتشف العالم، وتعيش حياة أخرى بعيدًا عن رالف، من دون أن يبدو ذلك أنانيًا أو مرفوضًا، بل ببحثٍ عن طرق أخرى للتواصل، إلى درجة يبدو معها مُدانًا في لحظات بسبب محاولة السيطرة عليها، ما جعل نهاية الفيلم مفاجأة أصدق من المعتاد، متمثّلة بخلاصة نهائية مرضية للغاية في جزءٍ ثانٍ ناجح.




المساهمون