تؤكد رئيسة المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب، راضية النصراوي، في حوار مع "العربي الجديد" استمرار التعذيب داخل مراكز التوقيف والسجون بعد ثورة 2011، بسبب التراخي في إصلاح المنظومة الأمنية.
- أكدتم أكثر من مرّة استمرار التعذيب في مراكز التوقيف والسجون على حدّ سواء؟
التعذيب لم يتوقف في تونس، بل تواصل في عهد ما بعد الثورة. واتخذ شكلاً مريعاً، في عدة طرق وأساليب كتلك التي اعتمدت أيام النظام السابق. وتنوعت هذه الأساليب من الضرب والصعق بالكهرباء إلى التعليق من الأيدي أو الأرجل، والسجن الانفرادي، وصولا إلى التعنيف اللفظي من شتائم وإهانات. وهو ما يدفع الكثير من الناس اليوم إلى التساؤل: كيف يمكن أن يتواصل التعذيب تحت سلطة من تعرضوا للتعذيب في السابق؟
- هل ازدادت حالات التعذيب؟
لا يمكن الجزم فيما إذا ارتفعت هذه الحالات أم لا، ذلك أنّ الخوف كان يمنع أغلب الضحايا في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، من التوجه إلى المنظمات الحقوقية لتقديم الشكاوى، أو رفع القضايا لدى القضاء. لكن الأمر يختلف اليوم من هذه الناحية. فقد وجد ضحايا التعذيب الشجاعة المطلوبة للتوجه إلى المحاكم ورفع قضايا تظلم. كما باتوا يتوجهون إلى العديد من المنظمات الحقوقية، بهدف البحث عن المساندة.
- هل تملكون إحصائيات بهذا الخصوص؟
تتلقى منظمتنا "المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب" بشكل يومي، العديد من الشكاوى. كما تستقبل أهالي الضحايا الذين يتحدثون عن معاناة أبنائهم من جراء التعذيب، سواء في السجون أو في مراكز التوقيف والاحتجاز. وقد استقبلت المنظمة منذ الثورة حتى يومنا الحالي، قرابة 400 ملف تعذيب. وعلمت كذلك بحوالى عشر حالات وفاة في ظروف مريبة. وما زلنا ننتظر التحقيقات بشأنها وما سيسفر عنها.
- كيف تفسرون استمرار التعذيب داخل السجون اليوم؟
من أهم أسباب التعذيب في تونس وتواصله، هو إفلات الجناة من العقاب، وعدم محاسبتهم، أو إحالتهم على المحاكم. ويشار في هذا الإطار، إلى أنّ من تورطوا في التعذيب وجرائمه في عهد بن علي، لم تتم محاسبتهم بعد الثورة. بل إنّ هؤلاء ما زالوا اليوم يواصلون مهامهم كما في السابق. بالإضافة إلى ذلك، فالقضاء التونسي لم يتحمّل المسؤولية كما يجب، في تولي هذه الملفات، وهناك بطء كبير في إجراء التحقيقات والبحث.
- هل يتولى القضاء التونسي هذه القضايا بجدية؟
يواجه القاضي في مثل هذه القضايا غالبا عدّة مشاكل، ويصطدم بالكثير من العراقيل الإدارية. فإذا ما قرر التوجه إلى وزارة الداخلية من أجل التعريف بالعناصر الذين يعملون في أحد المراكز التي شهدت حالات تعذيب لموقوف، فالوزارة عادة ما تتجاهل الطلب وتمتنع عن الرد، وهو ما يزيد من صعوبة التحقيق ومعرفة الحقيقة.
وفي هذا الإطار، قدّمت منظمتنا عدّة شكاوى إلى القضاء. لكن، وحتى اليوم، لا يوجد أي تقدّم في سير تحقيقات أغلب القضايا المرفوعة. أما القضايا التي تمّ الحكم فيها، فهي قضايا محدودة جدا مقارنة بعدد ضحايا التعذيب.
- هل تختلف حالات التعذيب بين جهاز وآخر؟ وأيّ مراكز أو سجون تشهد ارتفاعا في مثل هذه الحالات؟
أعتقد أنّ حالات التعذيب في مراكز الشرطة، أكثر من الحالات في مراكز الحرس الوطني (جهاز يتبع وزارة الداخلية، وتتبعه عدة قيادات فرعية منها فرقة مكافحة الإرهاب). كما توجد عدّة سجون يمارس فيها التعذيب وسوء المعاملة، لا سيما سجن المرناقية، وهو أكبر السجون التونسية. وقد تعرّض 51 في المائة من المشتكين إلى التعذيب في مراكز الأمن، و31 في المائة داخل السجون، و16 في المائة داخل مراكز الحرس الوطني، و2 في المائة يتوزعون ما بين الجيش والديوانة (أحد الهياكل التابعة لوزارة المالية، مهمته مكافحة التهريب، ويتبعه جهاز أمني مختص).
- هل تصادفكم حالات مستمرة؟
ما أعيبه على المسؤولين؛ سواء في وزارة الداخلية أو في وزارة العدل؛ هو القول دائما إنّ التجاوزات مقتصرة على بعض المسؤولين الأمنيين والسجانين. والحال أنّ التعذيب مستمر بصفة يومية، وكثيرا ما يتوجه إلينا أهالي بعض السجناء ليعلمونا بتعرض أبنائهم للضرب والإهانة. وأذكر، على سبيل المثال، والدة السجين علي اللواتي الذي مات في 23 سبتمبر/أيلول 2014، وكانت تأتي يومياً إلى منظمتنا لتخبرنا بتعرّضه للتعذيب في سجن برج العامري. كما طلبت منا تقديم طلب لنقله من ذلك السجن. وقدمنا طلباً بهذا الخصوص، لكن، وللأسف، مات علي اللواتي في ظروف مريبة. وما زلنا حتى اليوم، ننتظر التحقيق في ملابسات الوفاة. وكذلك، مات السجين وليد دنقير في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، ومحمّد علي السنوسي في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2014 في مركزي توقيف. بالإضافة إلى غيرهما من ضحايا التعذيب.
- ما رأي الطب الشرعي في أسباب هذه الوفيات؟
بإمكان الأطباء الذين زيفوا تقارير الطب الشرعي في عهد بن علي تزييف التقارير بعد الثورة. لهذا أنا لا أثق في تلك التقارير التي ترجع أسباب الوفاة غالباً، إما إلى تعاطي جرعة زائدة من المخدرات أو إلى سكتة قلبية. كما يؤكد لنا ضعف هذا الجانب، السماح لعائلات الضحايا بالمطالبة بإعادة التشريح، وتعيين 3 أطباء شرعيين، إن كانت ثقتها في الطبيب الشرعي الأول مهزوزة.
نحن نحترم قطاع الأطباء الشرعيين، لكن بعض الحالات التي عاينتها بنفسي للتثبت، تدلّ على أنّ الوفاة لم تحصل نتيجة سكتة قلبية أو مرض، بل كانت العديد من الجثث التي عاينتها تحمل آثار تعذيب. ويوجد فارق كبير بين آثار الطب الشرعي بعد تشريح الجثة وبين آثار التعذيب. بعض الأطباء الشرعيين قد يكونون أخطأوا في تقاريرهم عن حسن نية، لكنّ البعض الآخر تعمد عدم قول الحقيقة في التقرير.
هل زارت منظمتكم السجون بعد الثورة؟
لم تزر منظمتنا السجون، لأنّها رفضت التوقيع على مشروع أبرمته وزارة العدل مع العديد من المنظمات الحقوقية الوطنية والعالمية يتعلق بزيارة الوحدات السجنية. وسبب رفض المنظمة التوقيع أنّ الاتفاقية تضمنت فصلاً يمنع أن تكون الزيارة للوحدات السجنية بصفة فجائية، بل بعد إعلام مسبق بـ48 ساعة، الأمر الذي ترفضه المنظمة، لأنّ هذا الأمر سيفسح المجال أمام إدارة السجون لإخفاء حقيقة ما يجري داخلها.
مناهضة للتعذيب منذ العهد السابق
تنشط راضية النصراوي في مجال مناهضة التعذيب، منذ نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وقد تعرّضت عدة مرات للاعتداءات الأمنية، بسبب دفاعها عن ضحايا التعذيب في السجون. أسست المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب عام 2003. اختيرت، بسبب عملها الحقوقي، ضمن اللائحة القصيرة للمرشحين لجائزة نوبل للسلام عام 2011. كذلك نالت جائزة "أولوف بالم" لحقوق الإنسان عام 2013. وانتخبت عام 2014 عضواً خبيراً في لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.
- أكدتم أكثر من مرّة استمرار التعذيب في مراكز التوقيف والسجون على حدّ سواء؟
التعذيب لم يتوقف في تونس، بل تواصل في عهد ما بعد الثورة. واتخذ شكلاً مريعاً، في عدة طرق وأساليب كتلك التي اعتمدت أيام النظام السابق. وتنوعت هذه الأساليب من الضرب والصعق بالكهرباء إلى التعليق من الأيدي أو الأرجل، والسجن الانفرادي، وصولا إلى التعنيف اللفظي من شتائم وإهانات. وهو ما يدفع الكثير من الناس اليوم إلى التساؤل: كيف يمكن أن يتواصل التعذيب تحت سلطة من تعرضوا للتعذيب في السابق؟
- هل ازدادت حالات التعذيب؟
لا يمكن الجزم فيما إذا ارتفعت هذه الحالات أم لا، ذلك أنّ الخوف كان يمنع أغلب الضحايا في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، من التوجه إلى المنظمات الحقوقية لتقديم الشكاوى، أو رفع القضايا لدى القضاء. لكن الأمر يختلف اليوم من هذه الناحية. فقد وجد ضحايا التعذيب الشجاعة المطلوبة للتوجه إلى المحاكم ورفع قضايا تظلم. كما باتوا يتوجهون إلى العديد من المنظمات الحقوقية، بهدف البحث عن المساندة.
- هل تملكون إحصائيات بهذا الخصوص؟
تتلقى منظمتنا "المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب" بشكل يومي، العديد من الشكاوى. كما تستقبل أهالي الضحايا الذين يتحدثون عن معاناة أبنائهم من جراء التعذيب، سواء في السجون أو في مراكز التوقيف والاحتجاز. وقد استقبلت المنظمة منذ الثورة حتى يومنا الحالي، قرابة 400 ملف تعذيب. وعلمت كذلك بحوالى عشر حالات وفاة في ظروف مريبة. وما زلنا ننتظر التحقيقات بشأنها وما سيسفر عنها.
- كيف تفسرون استمرار التعذيب داخل السجون اليوم؟
من أهم أسباب التعذيب في تونس وتواصله، هو إفلات الجناة من العقاب، وعدم محاسبتهم، أو إحالتهم على المحاكم. ويشار في هذا الإطار، إلى أنّ من تورطوا في التعذيب وجرائمه في عهد بن علي، لم تتم محاسبتهم بعد الثورة. بل إنّ هؤلاء ما زالوا اليوم يواصلون مهامهم كما في السابق. بالإضافة إلى ذلك، فالقضاء التونسي لم يتحمّل المسؤولية كما يجب، في تولي هذه الملفات، وهناك بطء كبير في إجراء التحقيقات والبحث.
- هل يتولى القضاء التونسي هذه القضايا بجدية؟
يواجه القاضي في مثل هذه القضايا غالبا عدّة مشاكل، ويصطدم بالكثير من العراقيل الإدارية. فإذا ما قرر التوجه إلى وزارة الداخلية من أجل التعريف بالعناصر الذين يعملون في أحد المراكز التي شهدت حالات تعذيب لموقوف، فالوزارة عادة ما تتجاهل الطلب وتمتنع عن الرد، وهو ما يزيد من صعوبة التحقيق ومعرفة الحقيقة.
وفي هذا الإطار، قدّمت منظمتنا عدّة شكاوى إلى القضاء. لكن، وحتى اليوم، لا يوجد أي تقدّم في سير تحقيقات أغلب القضايا المرفوعة. أما القضايا التي تمّ الحكم فيها، فهي قضايا محدودة جدا مقارنة بعدد ضحايا التعذيب.
- هل تختلف حالات التعذيب بين جهاز وآخر؟ وأيّ مراكز أو سجون تشهد ارتفاعا في مثل هذه الحالات؟
أعتقد أنّ حالات التعذيب في مراكز الشرطة، أكثر من الحالات في مراكز الحرس الوطني (جهاز يتبع وزارة الداخلية، وتتبعه عدة قيادات فرعية منها فرقة مكافحة الإرهاب). كما توجد عدّة سجون يمارس فيها التعذيب وسوء المعاملة، لا سيما سجن المرناقية، وهو أكبر السجون التونسية. وقد تعرّض 51 في المائة من المشتكين إلى التعذيب في مراكز الأمن، و31 في المائة داخل السجون، و16 في المائة داخل مراكز الحرس الوطني، و2 في المائة يتوزعون ما بين الجيش والديوانة (أحد الهياكل التابعة لوزارة المالية، مهمته مكافحة التهريب، ويتبعه جهاز أمني مختص).
- هل تصادفكم حالات مستمرة؟
ما أعيبه على المسؤولين؛ سواء في وزارة الداخلية أو في وزارة العدل؛ هو القول دائما إنّ التجاوزات مقتصرة على بعض المسؤولين الأمنيين والسجانين. والحال أنّ التعذيب مستمر بصفة يومية، وكثيرا ما يتوجه إلينا أهالي بعض السجناء ليعلمونا بتعرض أبنائهم للضرب والإهانة. وأذكر، على سبيل المثال، والدة السجين علي اللواتي الذي مات في 23 سبتمبر/أيلول 2014، وكانت تأتي يومياً إلى منظمتنا لتخبرنا بتعرّضه للتعذيب في سجن برج العامري. كما طلبت منا تقديم طلب لنقله من ذلك السجن. وقدمنا طلباً بهذا الخصوص، لكن، وللأسف، مات علي اللواتي في ظروف مريبة. وما زلنا حتى اليوم، ننتظر التحقيق في ملابسات الوفاة. وكذلك، مات السجين وليد دنقير في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، ومحمّد علي السنوسي في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2014 في مركزي توقيف. بالإضافة إلى غيرهما من ضحايا التعذيب.
- ما رأي الطب الشرعي في أسباب هذه الوفيات؟
بإمكان الأطباء الذين زيفوا تقارير الطب الشرعي في عهد بن علي تزييف التقارير بعد الثورة. لهذا أنا لا أثق في تلك التقارير التي ترجع أسباب الوفاة غالباً، إما إلى تعاطي جرعة زائدة من المخدرات أو إلى سكتة قلبية. كما يؤكد لنا ضعف هذا الجانب، السماح لعائلات الضحايا بالمطالبة بإعادة التشريح، وتعيين 3 أطباء شرعيين، إن كانت ثقتها في الطبيب الشرعي الأول مهزوزة.
نحن نحترم قطاع الأطباء الشرعيين، لكن بعض الحالات التي عاينتها بنفسي للتثبت، تدلّ على أنّ الوفاة لم تحصل نتيجة سكتة قلبية أو مرض، بل كانت العديد من الجثث التي عاينتها تحمل آثار تعذيب. ويوجد فارق كبير بين آثار الطب الشرعي بعد تشريح الجثة وبين آثار التعذيب. بعض الأطباء الشرعيين قد يكونون أخطأوا في تقاريرهم عن حسن نية، لكنّ البعض الآخر تعمد عدم قول الحقيقة في التقرير.
هل زارت منظمتكم السجون بعد الثورة؟
لم تزر منظمتنا السجون، لأنّها رفضت التوقيع على مشروع أبرمته وزارة العدل مع العديد من المنظمات الحقوقية الوطنية والعالمية يتعلق بزيارة الوحدات السجنية. وسبب رفض المنظمة التوقيع أنّ الاتفاقية تضمنت فصلاً يمنع أن تكون الزيارة للوحدات السجنية بصفة فجائية، بل بعد إعلام مسبق بـ48 ساعة، الأمر الذي ترفضه المنظمة، لأنّ هذا الأمر سيفسح المجال أمام إدارة السجون لإخفاء حقيقة ما يجري داخلها.
مناهضة للتعذيب منذ العهد السابق
تنشط راضية النصراوي في مجال مناهضة التعذيب، منذ نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وقد تعرّضت عدة مرات للاعتداءات الأمنية، بسبب دفاعها عن ضحايا التعذيب في السجون. أسست المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب عام 2003. اختيرت، بسبب عملها الحقوقي، ضمن اللائحة القصيرة للمرشحين لجائزة نوبل للسلام عام 2011. كذلك نالت جائزة "أولوف بالم" لحقوق الإنسان عام 2013. وانتخبت عام 2014 عضواً خبيراً في لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.