رائد حجازين وخالد بن الوليد

04 أكتوبر 2015

حملة تتهم النائب الأردني رائد حجازين بإثارة الفتنة

+ الخط -
توجد في الأردن أقلّيّات، منها طوائف ومذاهب دينية، وبينها عرقيّات قليلة، وما كان يسمّيه الملك الراحل حسين بن طلال "الأصول والمنابت"، في إشارة إلى ذوي الأصول الفلسطينية، فضلًا عن الاعتبارات القَبَلية والعشائرية، وحتّى الجِهَويّة (شَمال، جنوب). توجد هذه "الألوان" على نحو واضح في الأردن، لكنّها لم تشكّل يومًا عنصرَ توتير أو اضطراب في حدّ ذاتها، أي أن تكون وحدها سبباً في صراعات أو عنف ما. لكنّها شكّلت، في أحيان كثيرة، عوامل يجري استغلالها بإرادة أطراف محدّدة، ولمصلحة هذه الأطراف حين تريد إثارة نعَرات، بل اقتتال، من أي نوع، على الرغم من مرور ما يقارب خمسة وأربعين عاماً على "أيلول الأسود" الذي يأمل الأردنيون ألّا يتكرر، فهو ذكرى مؤلمة، وأسبابه لم تعد قائمة. 

واليوم، تتداول وسائل الإعلام المحلية الأردنية، ومواقع التواصل الاجتماعي، ما اعتبره بعضهم جريمة "ارتكبها" نائب أردنيّ مسيحي، بحقّ خالد بن الوليد، وحادثة قتله الصحابيّ مالك بن نويرة والزواج من زوجته، الأمر الذي رأى فيه "بعضهم" تهجّما على واحد من أبرز صحابة النبيّ. وما دام الهجوم قد جاء من مسيحيّ (وبعضهم يستخدم "نصرانيّ"، ومن يريد مزيداً من التصعيد يراه "صليبيّا") فهذا مؤشر على رغبة لديه (ولدى المسيحيّين عموما) في إثارة الفتنة، لذا جرت المطالبة بمحاكمة النائب بهذه التهمة.
كان يمكن أن يكون من "تهجّم" على خالد بن الوليد مسلمَ الديانة، لا مسيحيّا. وعندها، كان يمكن للإسلامويّين المطالبة بمحاكمة المتّهم، ولكن، بتهمة أخرى، قد تكون "المسّ" بالرموز والمقدّسات، أو غيرها من التهم المجهّزة مسبقاً لمواجهة "كل من تسوّل نفسه له الخروج على الملّة"، يقصدون ملّتهم، فلكلّ مسلم في هذه الأيام إسلامه الذي يفصّله على مقاسه، ويُخرج منه "الآخرين".
النائب هو رائد حجازين، والتدوينة التي نشرها في حسابه في "فيسبوك"، وأثارت الضجة 
الواسعة، بسبب اعتبار بعضهم لها استهزاءً واضحاً بصحابي جليل، فيها أن خالد بن الوليد قطع رأس الصحابي مالك بن نويرة، وتزوج زوجته الحسناء في الليلة نفسها، و"من دون انتظار انتهاء العدة"، و"قال لها: العدة عند الميكانيكي". واتخذت الحادثة بُعدها الطائفيّ مع نشر "تردُّداتها" في صحف ومواقع إسلامية استفتت معنيّين في الأمر، وجاءت ردّات الفعل غاضبة، بل ساحقة ماحقة في جزء منها، إذ طالب مئات الناشطين الحكومة بمحاسبة النائب حجازين، معتبرين أن ما كتبه "طائفي، وتحريضي بامتياز".
وقال حجازين، المعروف بروح الدّعابة والمرح وبفكاهيّته، في منشور آخر، إنه حذف ما كتبه بسبب "تصيّد البعض في الماء العكر"، موضحا أن ما كتبه يأتي من باب الفكاهة، ومنوّها إلى صحّة القصة. زاد هذا التنويه الموقف تعقيداً، فرأى بعضهم الأمر ليس عابراً ولا ابن لحظته، ولا بد من وجود سوء النية المبيّتة. ومن الصحف التي تابعت "الحكاية"، ورصدت ردّات الفعل، "السبيل" الإسلامية التي استجلبت تعليقات نشطاء على منشور حجازين، جاء في بعضها أن النائب يدعو لزرع بذور الفتنه، ويسيء للإسلام وللمسيحية، وكلامه "لا يليق بأردني"، وذهب بعضهم إلى استغلال الشحن المذهبي في المنطقة، ورأى أن "النائب حجازين يسخر من سيدنا خالد بن الوليد سيف الله المسلول، ويروي قصة مكذوبة رواها المستشرقون والشيعة".
ليس هذا الحادث بذاته هو الخطير، بل بما يجري في الأردن من محاولات لاستغلال أيّ "خلاف" أو اختلاف، للزجّ به في صراعات داخليةٍ، مهما بدت صغيرة، غير أنها مؤثرة وفاعلة في ظل ما يجري حول الأردن. ولعلّ من الجدير بالإشارة في هذا الإطار، ما جرى في جامعات أردنية من استخدام للأسلحة النارية، في صراعاتٍ اتخذت صبغة عشائرية، لكنّها قابلة للانتقال إلى صراعاتٍ في ألوان وأطُر مختلفة، فضلا عن التوتير القائم بين الإسلاميين عموماً، والإخوان المسلمين و"جبهة العمل الإسلامي" خصوصاً، في جانب، وبين الحكومة المستقوية بموقف الأحزاب والقوى اليسارية والعلمانية في الجانب المواجِه. وربّما كان الأخطر في قصة حجازين هذه، وهي ذات طابع دينيّ، أن يتجمع عشرات من قبيلة "بني خالد" التي تنتسب للصحابي خالد بن الوليد في مدينة المفرق شمالي الأردن، للتشاور في الرد الأمثل على إساءة النائب حجازين، حسب ما صرّح نائب سابق، هو أحد أقطاب قبيلة بني خالد، لتتحول القصة عن مسارها الدينيّ إلى العشائري.
في مقابل هذا "الحدث" غير الجلل، والذي يريد المتشدّدون اتخاذه ذريعة لفرض أجنداتهم، نجد مظاهر تسامح كثيرة في المجتمع الأردني، سواء في شؤون التزاوج التي ما تزال تشهد شيئاً من التعقيدات، أو حتّى في الانتقال من المسيحية إلى الإسلام. ويتذكّر الأردنيّون أن الفنان الكوميدي، موسى حجازين، وهو من العشيرة المسيحيّة نفسها التي ينتمي إليها النائب المتّهم بقصة خالد بن الوليد، كتب في "فيسبوك"، ردّا على نشر صورة مسيئة للرسول محمد "نحن مسيحيون عرب، ومحمد رسول الله، لكل العرب. فكل العرب لمحمّد". وفي كلمته التي أرفقها بصورة للرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، يقول حجازين "نعم إنه رســول الله. وأنتـــم رســل الإرهاب والفتن".
وحيال هذه "الحوادث" الصغيرة نسبياً، نجد الأردنيين ينقسمون ويتبعون نمطاً من المماحكات، وربّما المشاحنات التي يجري احتواؤها، وتطغى نبرة المصالحات على "أبواق" الترهيب والعنف. وهنا، يلعب التيار العلماني، على ضآلة حجمه قياساً إلى التيارات والفئات المتصارعة، دورَ رجل الإطفاء غالباً، وإن كان ثمة ميل إلى تحميل الإسلاميين مسؤولية ما قد يجري من تطورات، في هذه الحالة أو تلك.

1ABD8876-861C-4681-992B-42B06602DA93
عمر شبانة

كاتب وشاعر وصحافي من الأردن، عمل في حقل الصحافة الثقافية لصحف ومجلات عربية، ناقدا أدبيا وفنيا، ومتابعا للقضايا الثقافية العربية في أقطار الوطن العربي. أصدر مجموعات شعرية.