رائحة فساد في المؤسسات الأجنبية في غزة

25 نوفمبر 2014
أحد أصحاب المنازل المُدمّرة في غزة يحتج (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -

الواقع الصعب الذي يعيشه قطاع غزة، جراء الحصار الإسرائيلي المستمر منذ ثمانية أعوام، وتدهور الوضع الإنساني والصحي والتعليمي والاقتصادي ومختلف مناحي الحياة، لم يشفع للغزّيين عند بعض المؤسسات الأجنبية التي تقدم مشاريع ضعيفة الجدوى مقارنة بسوء الأوضاع، في ظل تكلفة تشغيلية عالية.

انعدام الشفافية

وناقشت مؤسسة الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة الفلسطينية (أمان)، في بعض تقاريرها، المخالفات والشبهات حول نظم التعيين في إحدى كبريات المؤسسات الأجنبية (الدولية) العاملة في غزة، دون خضوعها لأي شكل من أشكال الرقابة والمتابعة.

وقال المستشار القانوني للائتلاف، بكر التركماني، إن وكالة "الأونروا" لا تنشر أي معلومات حول نظامها الداخلي وهيكلتها التنظيمية، ما يتناقض مع مبادئ الشفافية، مبيناً أن "الأونروا" في جانب الرقابة لا تخضع لأي جهة رسمية أو أهلية على اعتبار أنها مؤسسة تابعة للأمم المتحدة.

ويؤكد التركماني أن "أمان" تلقّت عدداً من الشكاوى في ما يتعلق بطبيعة تعامل الأونروا مع موظفيها، وقال: "نوصي أن تقوم الأونروا بتفعيل موقعها الإلكتروني وتبني إجراءات واضحة للوصول للمعلومات".

 وأوضح أن المؤسسات الدولية العاملة في فلسطين لم تساعد "أمان" في الإفصاح عن بياناتهم، علاوة على نشر بعض المؤسسات الأجنبية بعض المعلومات على موقعها الإلكتروني باللغة الإنجليزية، رغم أن المتلقي لهذه المعلومات عربي. ويضيف التركماني: "قد يُفهم عدم الإفصاح عن هذه المعلومات من قبل المؤسسات الأجنبية أنه شبهة من شبهات الفساد، وقد يشجع على ذلك".

ويقول الخبير الاقتصادي، رئيس مركز "بال ثينك" للدراسات الاستراتيجية، عمر شعبان، إنّ معظم المؤسسات الأجنبية العاملة في قطاع غزة لا تعلن بشكل واضح عن طبيعة عملها والمعايير المتبعة فيها، أو عن الميزانيات والموازنات والأموال الواردة إليها والصادرة منها.

شبهات مالية

ويضيف شعبان لـ "العربي الجديد" أن تلك المؤسسات تقدم الخدمات دون أن تعلن عن أي تفاصيل حول طبيعة سير مشاريعها والخطوات المالية والإدارية والمهام المتبعة فيها، إضافة إلى الغموض الذي يكتنف آلية التوظيف، وهناك تساؤل كبير حول استغلال بعض الموظفين الفلسطينيين العاملين في المؤسسات الأجنبية بأجور أدنى من الجهود التي يقوموا بها.

ويشدد شعبان على أنّ هناك شبهات مالية وإدارية تكتنف عمل عدد من المؤسسات حول عملها وآلية إرساء العطاءات والعقود الكبيرة فيها. وقال: "نحاول في مركز بال ثينك دعوة المؤسسات الدولية للمشاركة في ورش عمل ولقاءات تعريفية عن برامجهم وآليات عملهم، لكنهم يرفضون المشاركة، وهذا يزيد الشكوك التي تحوم حول آلية عملهم في قطاع غزة".

التهرب من الرقابة

وقال المدير العام لـ "الإدارة العامة للشؤون العامة والمنظمات غير الحكومية" في وزارة الداخلية بغزة، أيمن عايش، إنّ القطاع يضم 83 جمعية (مؤسسة) أجنبية مسجلة، إضافة إلى عشر جمعيات أخرى قيد المعاجلة، جميعها تعمل في تمويل وتنفيذ المشاريع بطرق مباشرة وغير مباشرة.

ويوضح عايش، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن تمويل تلك المؤسسات يشهد تذبذباً متواصلاً، حيث بلغ متوسط الإنفاق السنوي لتلك الجمعيات 130 مليون دولار قبل حرب عام 2008، وزاد بعدها ليصل إلى 160 مليون سنوياً، وتراجع مجدداً بعد عام 2011 إلى حدود 100 مليون دولار.

وفي ما يتعلق بتعاون تلك المؤسسات مع الوزارة، يبين عايش أن العلاقة مع المؤسسات الأجنبية العاملة في غزة تدهورت عام 2006 بعد تشكيل حركة حماس الحكومة العاشرة، لكنها تحسنت بعد عام 2009.

وأضاف: "وضعنا خطة عمل للوصول الى الحد الأدنى من العلاقة الإيجابية مع المؤسسات الأجنبية في قطاع غزة ومتابعة العمل الأجنبي داخل القطاع، وذلك عبر التزام الجمعيات بتسليم التقارير المالية والإدارية والبيانات والمعلومات التفصيلية لمشاريعها وتمويلها، وذلك حسب القانون، مقابل إعطاء تلك المؤسسات الرخص والمعاملات القانونية اللازمة".

غيرّ أنّ عايش يكشف لـ "العربي الجديد" عن أنّ "تسعة جمعيات أميركية ممولة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID امتنعت بشكل تام عن التعاون مع وزارة الداخلية في إجراء التدقيق المالي والإداري السنوي، وتحفظت على التعامل معها في أي إطار من الإطارات، مرجعاً ذلك إلى "أسباب سياسية".

ويتهم المسؤول الحكومي في غزة المؤسسات الأميركية بالتستر على الفساد لأنها تتهرب من الرقابة والتفتيش أو تقديم البيانات المالية والإدارية المطلوبة، لافتاً إلى أنّ "المؤسسات الأميركية التسعة يشوبها الفساد، ويجب عليها التعاون وتقديم تقاريرها المالية والإدارية اللازمة".

وفي ما يتعلق بآلية الرقابة على باقي المؤسسات الأجنبية العاملة في غزة، يشير الى أن هناك تعاوناً كبيراً بينها وبين الحكومة في تقديم التقارير اللازمة، لافتاً الى أن شبهات الفساد لا يمكن نفيها تماماً، خاصة في ما يتعلق بجدوى المشاريع التي تقدمها باقي المؤسسات الأجنبية والتي تحمل طابعاً استهلاكياً ينتهي أثره بانتهاء وجوده.

ويتابع: "الأموال التي يتم ضخها للمؤسسات الأجنبية والتي تعمل بشكل قانوني في غزة، تذهب في بعض الأحيان باتجاه عدم تحقيق الأهداف المرجوة من المشاريع بشكل كبير، وذلك نتيجة ضياع نسبة كبيرة من الأموال في الطاقة التشغيلية والرواتب والأجور"، مبيناً في الوقت ذاته أن بعض المؤسسات تضع نسبة معينة للطاقة التشغيلية.

المساهمون