رئيس تحرير أخبارنا
كان جواب سؤال التلميذ بهجت، أن غير الذكي الذي ظهر يوم الجمعة وخلفه مانشيت بالإنجليزية فوق العربية، لغة أم الدنيا "مصر المستقبل" منتفشاً كصاحب عروس، يجمع تكاليف جهازها مع ضمانات محاربة الإرهاب في محيط العريس الذي فيه شدد جون كيري قائلاً "لا بد أن نسعى جميعاً لأجل مستقبل إسرائيل"، وهي ليست زلة لسان، بقدر ما هي إشارة ضمنية عميقة إلى "إسرائيل الجديدة المنسوخة".
مشهد الشفقة أن تتدحرج مصر العظيمة التي أنجبت جلال الدين السيوطي، طه حسين، الغزالي، أم كلثوم وعبد الناصر، إلى "حفل إفطار" يعكس وضع حالة جميع الدول العربية البائس، من دون استثناء، وأمام هذا الحشد الفلكلوري، أصيبت وسائل الإعلام العربية، كعادتها، بتخمة "الإشادة" واستدعاء المصطلحات الأرشيفية المهترئة للمرحلة الاشتراكية، وقاموسها المزيف، المؤدي إلى استنتاجات خاطئة في فضاء عربي، تحركه نخب إعلامية وثقافية مغشوشة وطبقة سياسية مريضة بتضخم الأنا الكاريزمية، بكل سيئاتها غير المندمجة والغريبة عن الأطر الحداثية المستسلمة لولاءات الدم والعائلة.
استمتعنا يومين بكلمات الشقيقة، مواجهة المؤامرة الخارجية والإرهاب للاستخدام العام. وكثيراً ما تابعت، في طفولتي مجبراً نشرات، حيث تبدأ بـ "التعبير عن العلاقات الأخوية والمصير المشترك وتطابق وجهات النظر بين الشعبين الشقيقين"، وكنت أستغرب أهمية لقاءات متطابقة وجهات السمع والنظر، ولماذا يقتصر مصطلح "الشقيقة" على الدول العربية، دون الأوروبية، على الرغم من أن جميع مشكلاتنا ودوائنا وقوتنا من هذه الأخيرة، المفترض أن تكون دولاً شقيقة بالنسب والحسب والرضاعة.
وجدت إجابة حقيقية فقط لما مرضت عجوز تدعى ميمونة بالصداع النصفي المزمن المعروف شعبياً بـ "الشقيقة" التي تصيب الرأس والحواس الأساسية، نتيجة مرض وراثي أو القلق والإجهاد، وفجأة قفز إلى ذهني أرشيف النشرات العربية ورئيس تحريرها الواحد.
السخرية بتفسير خالتي ميمونة. المغرب، مثلاً، دولة شقيقة لنا قد لا يعني الانتماء إلى مسار تاريخي وجغرافي مشترك، وإرث ثقافي وديني، يجعلها تقاسمنا مبادئ أساسية، رغماً عنا، لكن بالمفهوم الجديد هو الصداع النصفي الذي سببه نزيف التهريب والمخدرات ومشكلة الحدود. وأصلاً نعاني من شقيقة داخلية متعلقة بفضائح الفساد والترهل الشامل.
كانت مصر قبل سنوات لنا "شقيقة كبرى" نافستنا على نهائيات كأس العالم التي رحلنا لحلها في "ملعب المريخ" الأرضي في السودان، وشكل "ماتش الكوورة" صداعاً للمواطنين، علاء وجمال، وهي التشنجات التي تعانيها السعودية مع اليمن وسورية مع لبنان والكويت مع العراق والأردن مع فلسطين وليبيا مع السودان.. لكل دولة عربية "شقيقتها" التي لم يستوعبها الرئيس المعتقل، محمد مرسي.
مأساة الضمور العام أنه في الوقت الذي تتكدس معارفنا التراثية والسياسية والتلفيقية بمصطلحات شوفينية، يموت أطفال سورية برداً، وفلسطين حصاراً، واليمن مجاعة، وليبيا قتلاً، والعراق قصفاً، فيما تسجن أحلامنا لأصحاب هيستيريا الخلود ملاك القحط السياسي والاجتماعي والاستراتيجيات المعوجة التي تحرص دائماً على تطابق وجهات النظر، والله أعلم إن كان هذا التطابق يشمل شيئاً غير الفساد والتسلط والخواء أمام شعوب تعاني الشقيقة الكبرى والصغرى، تعالجها بالمسكنات ومراجعة طبيب نشرات المصير المشترك؟ ونحتفل باليوم العربي لحقوق الإنسان، وشعاره الحقيقي: "أحكم لسانك ولا اقطعوا لك من لغاليغو؟".