رئيس بخيارين

25 ديسمبر 2014
+ الخط -
يكذب على نفسه من يقول إن رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور ليس داهية. كيف لا يكون كذلك، وقد استطاع "الرجل العجوز" الجلوس على كرسي الرئاسة في ظروف غاية في الصعوبة، كان فيها الشارع الأردني الغاضب، يهتف بإسقاط رئيس الحكومة المقبلة، وأن يواصل جلوسه على الكرسي لأكثر من عامين من دون أن يهتز تحته ولو لمرة واحدة.

كيف لا يكون داهية، وهو الذي خرق العزلة السياسية التي فرضتها عليه مراكز قوى في الدولة، لسنوات طويلة، قبل أن يعود إلى الساحة السياسية نائباً في ثوب المعارض، يشغل الرأي العام ويداعب مشاعر المواطنين، بتصريحاته النارية ضد الحكومات، والأيدي الخفية التي تحرك المسرح السياسي، وهو الثوب الذي لبسه مرحلياً وخلعه استراتيجياً بعد أن حقق حلمه القديم بالجلوس على مقعد الرئاسة.

التسليم بدهاء الرئيس حقيقة واقعية يجب ألا يتم إنكارها، خاصة من قبل أعضاء في السلطة التشريعية المعنية بالرقابة على الحكومة ومساءلتها، لكن مبالغة أعضاء تلك السلطة في تقدير دهاء الرئيس، ووصفهم له بالساحر القادر على تمرير ما يريد من قرارات، يوقعهم في الخطيئة. الخطيئة تكمن في أنهم بذلك، يقرون من دون تصريح بعجزهم عن مواجهة حكومة النسور وقراراتها غير الشعبية التي يكيلونها شتماً ونقداً، وينتهي بهم الأمر إلى تمريرها وأحياناً تبريرها، ليصبح دورهم الدستوري ديكوراً ليس أكثر. ويغفلون، وهم يبالغون بوصف دهاء رئيس الوزراء، بأنهم بذلك يوجهون نقداً غير مباشر لقدرتهم، على رد الحجة بالحجة، والطرح بالطرح.

دهاء رئيس الحكومة، الضليع بالرياضيات بحكم الاختصاص، يكمن في قدرته على صياغة فرضيات مُحكمة، أحلاها في غاية المرارة، ويقدمها دائماً ضمن خيارين لا ثالث لهما، فهو من خيّر الشعب والسلطة التشريعية بين رفع أسعار المحروقات أو انهيار الاقتصاد الوطني، ووقف الاحتجاجات أو الانزلاق إلى الفوضى... وهي الخيارات التي يطرحها من دون أن يعطي أحداً حق الاختيار، بل يبادر إلى تطبيق خياره هو حتى قبل صياغته للخيار البديل. داهية هو، عندما يحصر تفكير الآخرين في خيارين مرّين، لكن العبقرية/الذكاء، تكمن في صياغة جملة من الخيارات، تحفّز التفكير لا تصدمه.
المساهمون