قال رئيس الوزراء التونسي، مهدي جمعة، اليوم، إن بلاده تحتاج على الأقل لثلاث سنوات من الإصلاحات الاقتصادية المؤلمة التي تتطلب جرأة كافية ومن بينها خفض دعم الوقود والتغيير الضريبي من أجل إنعاش نمو الاقتصاد العليل منذ انتفاضة 2011.
وقال جمعة في مقابلة ضمن قمة رويترز للاستثمار، إنه في 26 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ستجرى الانتخابات البرلمانية التي من شأنها أن تعيد الثقة للمستثمرين الأجانب والمحليين وتخلق مشاريع جديدة تساهم في خفض معدلات البطالة في البلاد التي تبلغ حاليا 15%.
وأوضح أن استعادة نسق نمو مستقر في البلاد لن يكون دون سلسلة إصلاحات منتظمة للسياسات الاقتصادية التي بدأت حكومته بالفعل في تنفيذها، مشيراً إلى العراقيل التي مازالت تواجهها بعض اقتصادات المنطقة بعد أكثر من ثلاث سنوات من انتفاضات الربيع العربي.
وبحسب جمعة، فقد هزت الانتفاضات عائدات الضرائب ودفعت الحكومات إلى زيادة الإنفاق بحدة بحثا عن السلم الاجتماعي وتسببت في تفاقم العجز في الميزانيات، موضحاً أن إصلاح هذا الضرر الاقتصادي قد يستغرق بضع سنوات حتى مع سعي بعض دول الربيع العربي لإرساء أركان حكومات مستقرة ومنتخبة بشكل ديمقراطي.
وقال "بسبب عوامل داخلية وخارجية نحن نريد أن نكون محافظين، وتوقعاتنا لنمو اقتصاد تونس في 2015 هي تقريبا 3%".
وتوقع صندوق النقد الدولي، أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في تونس بنسبة 4% في العام 2015 و 2.8% في العام 2014، ارتفاعا من 2.3% في العام 2013.
وقال جمعة" الاقتصاد لا ينمو بضغط على الزر بل يأخذ بعض الوقت ويحتاج لثلاث سنوات من الإصلاحات على الأقل من بينها إصلاحات مؤلمة لإنعاش الاقتصاد".
وحصلت تونس العام الماضي على خط اقتراض بقيمة 1.7 مليار دولار من صندوق النقد الدولي بموجب اتفاق لتسريع الإصلاحات الاقتصادية.
واتخذت الحكومة بعض الخطوات بعدها ورفعت أسعار البنزين بنسبة 6.3% في يوليو/ تموز الماضي، لخفض العجز في الميزانية، كما فرضت الحكومة هذا الشهر ضرائب جديدة من بينها ضريبة على كل المسافرين الأجانب بقيمة 30 دينارا عند مغادرتهم للبلاد، لكن جمعة قال إنه يتعين بذل المزيد من الإصلاحات لإنعاش الاقتصاد.
وقال: " اقتصاد تونس يحتاج لإصلاحات عاجلة في الفترة المقبلة تتطلب جرأة وشجاعة كافية من بينها الإصلاح الضريبي وإصلاح المؤسسات العمومية باعادة هيكلتها اضافة لمواصلة الإصلاحات في الدعم وتهيئة قانون للاستثمار."
وأكد أنه يجب أن تواصل الحكومة الإصلاح البنكي عبر إعادة هيكلة للبنوك العمومية لتكون أكثر اختصاصاً وتعزيز قدرتها التنافسية.
ويخشى المقرضون الدوليون من ألا تسلك الحكومة المقبلة نفس نهج الإصلاحات الاقتصادية التي بدأها جمعة هذا العام، لكن رئيس الوزراء التونسي بدد هذه المخاوف.
ومضى قائلاً:"هناك قاسم مشترك بين الأحزاب السياسية على أن الإصلاحات الاقتصادية يجب أن تستمر.. لذلك لا تتوقعوا مفاجآت في هذا الخصوص".
وتوقع تحسناً نسبياً في المؤشرات الاقتصادية الرئيسية العام المقبل من بينها خفض التضخم من 6% متوقعة هذا العام إلى 5% العام المقبل والهبوط بالعجز في الميزانية إلى 5% العام المقبل مقارنة مع 5.8% متوقعة نهاية هذا العام.
وتعتمد تونس على التمويل الأجنبي من مساعدات وقروض من السوق المالية لسنوات أخرى، وبحسب جمعة فإن ميزانية تونس في 2015 ستحتاج لتمويلات بقيمة ثمانية مليارات دينار (4.4 مليار دولار) من بينها خمسة مليارات دينار (2.78 مليار دولار) من السوق الخارجية.
والأسبوع الماضي، أصدرت تونس سندات بقيمة 825 مليون دولار في السوق اليابانية يضمنها بنك اليابان للتعاون الدولي المملوك للدولة.
وتقدمت أيضا تونس بطلب إلى بعض البنوك لتقديم اقتراحات بخصوص إصدار محتمل للصكوك المقومة بالدولار وتأمل في استكمال باكورة إصداراتها من السندات الإسلامية هذا العام.
وذكر أن بلاده ستصدر صكوكا إسلامية بقيمة 500 مليون دولار في الأسابيع المقبلة متوقعا الانتهاء من هذه العملية هذا العام.
ولا تزال مسألة التمويل الإسلامي شديدة الحساسية في تونس حيث يعارض بعض العلمانيين تزايد النفوذ الإسلامي في الاقتصاد، ولنفس هذه الأسباب تقريبا تفادت حكومة الرئيس السابق زين العابدين بن علي، اللجوء للتمويل الإسلامي، لكن رئيس الوزراء قال إن هذا الجدل الايديولوجي والسياسي لا يجب أن يثني عن المضي قدما في التمويل الإسلامي.
وفسر ذلك بالقول:" تونس يجب أن تدعم التمويل الإسلامي دون اعتبار توجهات الحكومة المقبلة".
وارتفع التضخم في تونس، في مايو/أيار الماضي إلى 5.7% مدفوعاً في المقام الأول بارتفاع أسعار الغذاء، مقابل 5% في مارس/ آذار.
وخلال الربع الأول من 2014 حقق الاقتصاد التونسي نمواً بنسبة 2.2%، فيما سجل الاقتصاد نمواً خلال العام الماضي بنسبة 2.6%، غير أنها نسبة غير كافية للحد من نسب البطالة المرتفعة في البلاد.
ولم يتفاءل البنك المركزي التونسي، في مارس/آذار الماضي، من توقعاته لنسبة النمو خلال العام الجاري 2014 من 3.5% إلى 2.8%.
وتراجعت نسبة البطالة في تونس إلى 15.3% هذا العام، بعد أن كانت في حدود %18.7 إبان الثورة، وبحسب بيانات الإحصاء الحكومي، هبط عدد العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا، لأول مرّة منذ الثورة التونسية، تحت عتبة الـ 200 ألف عاطل، وتعول الحكومة على برنامج دعم المشاريع الصغرى كأحد أبرز الحلول لأزمة البطالة.