رئيس الحكومة الجزائرية الجديد أمام اختبار "الكارتل المالي"

16 اغسطس 2017
رئيس الحكومة أحمد أويحيى (فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -
حسم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الصراع الذي نشب قبل شهرين بين رئيس الوزراء عبد المجيد تبون، وبين "الكارتل المالي" المقرب من محيط الرئيس الجزائري، لصالح هذا الكارتل، وفق خبراء الاقتصاد. وذلك، بعدما أقال تبون يوم الثلاثاء، وعيّن مكانه مدير ديوان رئاسة الجمهورية أحمد أويحيى على رأس الحكومة للمرة الرابعة، والثالثة منذ وصل بوتفليقة إلى سدة الحكم سنة 1999. وتتجه الأنظار اليوم إلى أويحيى وكيفية تعاطيه مع ملفي "محاربة الفساد" و"فصل المال عن السياسة"، وهو الذي صرح عقب تنحيته سنة 2012 من على رأس حكومة بوتفليقة الأولى أن "المال بدأ يحكم في الجزائر".
يستبعد الخبير الاقتصادي فرحات علي أن "يكون النظام الجزائري قد قرّر محاربة الفساد والمال الفاسد. حيث تكشف القرارات الأخيرة التي أعلن عنها الرئيس بوتفليقة أن الرئاسة ترفض السماح بالمس في رجال الأعمال الذين ساندوا بوتفليقة في العهود السابقة".
في حين يتوقع الخبير الاقتصادي جمال نور الدين أن "يغير أويحيى ورقة الطريق التي تركها سلفه تبون بعدما رأى مصيره". ويشرح أن أويحيى معروف عنه أنه "ابن النظام" ويعرف كيف تُحكم الجزائر وبالتالي لن يجازف بفتح ملف محاربة الفساد، خاصة أنه أطلق حين كان رئيس الوزراء سنة 1998 "حملة الأيادي النظيفة" لمطاردة المسيرين الفاسدين، لكن كانت النتيجة عدم استجابة المخابرات والأجهزة الأمنية مع الحملة ما أدى إلى إجهاضها، وفق نور الدين.
ويضيف الخبير الجزائري في حديث مع "العربي الجديد" أن " أويحيى لم يخفِ يوماً طموحه الرئاسي. فهو يرى نفسه خليفة بوتفليقة ولكي يصل إلى طموحه يعلم أنه يجب أن ينحني أمام العاصفة لكسب دعم رجال الأعمال والكارتل المالي. وبالتالي لن يحرق حظوظه قبل أقل من 20 شهراً على الانتخابات الرئاسية، بل بالعكس سيحاول كسب تأييدهم".
وتمرّ عملية كسب تأييد الكارتل المالي حسب نور الدين عبر "الإلغاء العاجل لجميع القرارات التي اتخذها سلفه عبد المجيد تبون في مقدمتها منع منح القروض المصرفية للمستثمرين الكبار وتجميد عملية منح الأراضي الموجهة لإقامة المناطق الصناعية، بالإضافة إلى تجميد الاستيراد. وبالتالي سيعمل أويحيى على إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل وصول تبون إلى رأس الحكومة".
إلا أن الامتحان الأصعب أمام أويحيى، كسب ثقة الشعب الجزائري من جديد، بعدما اهتزت سابقاً بفعل قرارات أويحيى في ولاياته السابقة، منها بيع الشركات العمومية للقطاع الخاص ما أدى إلى تسريح الآلاف من العمال.
ويرى أستاذ العلوم الاقتصادية في جامعة عنابة الجزائرية، عبد الجليل بن فاضل أن "أحمد أويحيى غير محبوب من قبل الشعب". ويلفت إلى أنه "في كل مرة عين فيها على رأس الحكومة، اتخذ قرارات مست مباشرة بجيوب المواطنين. ففي المرة الأولى أقر قسيمة للسيارات سنة 1996 لدعم خزينة الدولة بطريقة استثنائية لكن القرار لا يزال ساري المفعول إلى يومنا هذا. كما عارض أويحيى رفع أجور العمال سنة 2012، وهو ما جعل الشارع الجزائري ينتفض ضده، ما عجل بذهابه آنذاك".
ويستبعد بن فاضل أن "يسعى أويحيى لكسب تأييد الشعب بل بالعكس قالها مؤخراً في حملته قبيل الانتخابات البرلمانية الأخيرة، أن الشعب مطالب بالوقوف مع الدولة وأن ينسى "السياسة الاجتماعية" التي كلفت الجزائر كثيراً".
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي والمستشار السابق للحكومة الجزائرية عبد الرحمن مبتول لـ "العربي الجديد" إن "توجهات عبد المجيد تبون الاقتصادية مغايرة لتوجهات أويحيى، وبالتالي ننتظر أن يضع الأخير مخططاً جديداً لحكومته. وبحكم الدستور هو مطالب بعرضه على البرلمان وكل هذا يعني تضييعاً للوقت، كما أن هذه الزلازل السياسية-الاقتصادية لن تغري الاستثمارات الأجنبية بالمجيء إلى الجزائر".

وكانت أولى مؤشرات اقتراب رحيل عبد المجيد تبون المعين منتصف مايو/أيار الماضي، تسريباً بثّته إحدى القنوات الجزائرية، يتعلق ببيان رئاسي على شكل تعليمات غير معلنة وجهها الرئيس بوتفليقة إلى تبون، يحذّره فيها من استمرار "التحرش" برجال الأعمال. أما ثاني المؤشرات كان إعطاء الرئيس الجزائري في 8 آب/أغسطس أمراً بتحرير حاويات السلع التي طلب تبون في وقت سابق حجزها وعدم إخراجها من الموانئ تطبيقاً لقرار وزارة التجارة القاضي بمنع استيراد العديد من السلع.
لكن ما أخرج الصراع مع "الكارتل المالي" إلى العلن، هو طلب تبون مغادرة رئيس منظمة رجال الأعمال ومدير "منتدى رؤساء المؤسسات" علي حداد قاعة كانت تحتضن نشاطاً حكومياً بحجة أن لا علاقة لرجال الأعمال بهذا النشاط الحكومي، ما دفع الكارتل المالي إلى الاجتماع في أحد أكبر الفنادق الجزائرية وإعلانهم الحرب على رئيس الوزراء السابق. فرد الأخير بإرسال لجان تحقيق إلى مصانع تجميع للسيارات يملكها رجال أعمال قالت الحكومة إنها لا تحترم الشروط القانونية وتمارس الاحتيال. فضلاً عن سلسلة قرارات وإنذارات وتهديد بسحب مشاريع بنى تحتية كانت تقوم بتنفيذها شركات مملوكة لرجال أعمال مقربين من عائلة بوتفليقة.


المساهمون