رئيس البرلمان التونسي لـ"العربي الجديد": الوفاق الحكومي ينقذ تونس

29 ديسمبر 2014
طرح اسم رئيس البرلمان لرئاسة "نداء تونس" قيد البحث(الأناضول)
+ الخط -
مقدمة

يعتبر رئيس البرلمان التونسي، محمد الناصر، في حوار خاص لـ"العربي الجديد" أنّ نجاح حزب "نداء تونس" في الانتخابات التشريعية والرئاسيّة، يؤكّد انسجام مختلف مكوناته، مؤكّداً في الوقت ذاته على ضرورة تحقيق الوفاق السياسي والتعالي فوق الانتماءات في المرحلة المقبلة، لتحقيق أهداف الثورة التونسيّة. وفي حين يقرّ بوجود تباين في وجهات النظر داخل الحزب بشأن هويّة الرئيس المقبل، يشدّد على أهميّة تحقيق الوفاق في التوجّهات وحول هويّة رئيس الحكومة المقبل والخطة التي ستنقذ تونس.

• ما هو سرّ الهدوء الغريب الذي تميّزت به الجلسات الأولى لمجلس نواب الشعب؟
إنّه في الحقيقة خيار مختلف الفرقاء والكتل في التشاور والحوار، وأن تكون جميع القرارات محلّ وفاق، وهو ما حصل في الجلسة الأولى خلال انتخاب الرئيس ونوابه، ثمّ تواصل العمل بالروحيّة ذاتها، ليس في الجلسة العامة فحسب، بل أيضاً داخل اللجان المتخصّصة. ونحن نعقد اليوم على سبيل المثال، اجتماعاً لرؤساء الكتل، للنظر في بعض المواضيع المطروحة، فنتحاور قبل أن نطرح الملف على الهياكل الرسميّة والجلسة العامّة ونتمنى أن يستمرّ هذا الوفاق، لأنّ نجاعة العمل تتطلب عدم هدر الوقت في النقاش الخارج عن الموضوع وخصوصاً في الجلسة العامة، التي تبثّ مُباشرة على الهواء، وهذا ما يزعج المواطن. لذلك، من الواجب أن تكون جلساتنا محدّدة وتحمل مواضيع مهمة وقابلة للنقاش المعمّق والمفيد.

• هل يعكس التوافق داخل المجلس توافقاً سياسياً على الساحة التونسيّة؟

في الواقع، لسنا متفقين على المواضيع كافة، فالتنوع والاختلاف موجودان، ولكل حزب شخصيّة وبرنامج وهويّة وطموحات ومشاريع، لكنّ فكرة التوافق ليست خاصة بالمجلس. نذكر كيف اعتمد الرباعي الراعي للحوار، خلال الأزمة التي كادت تعصف بالمسار الانتقالي، سياسة الحوار الوطني وتمكن من حلّ العديد من المشاكل. وأذكر أيضاً بشأن الدستور، أنّه كان لدينا في وقت من الأوقات، مشروع جاهز لم يلق إجماعاً حوله على الساحة السياسية، ولكن عبر الحوار جرى تغييره وأصدرنا دستوراً ممتازاً كان محلّ وفاق. وما زلت أذكر شخصياً صورة بثّها التلفزيون، وكانت من أفضل اللحظات التي عشتها وجعلتني أشعر بالفخر والسعادة الكبيرة كتونسي، عندما كان النواب جميعهم واقفين وينشدون النشيد الوطني والعلم التونسي مرفوعاً.

• تقصد صورة العناق بين ألدّ الأعداء داخل المجلس التأسيسي؟
تلك هي صورة تونس وستبقى كذلك، لأنّنا لا نملك خياراً غير التقدّم والتطور في هذا البلد. وجميعنا اليوم مسؤول، في أي مكان أو منصب وعلينا أن نتعالى فوق الأحزاب وفوق الانتماءات.

• هل تخوّلكم المؤهّلات، التي تتحلون بها، تولّي رئاسة حزب "نداء تونس"؟
هذا الموضوع محلّ حديث ونقاش داخل هياكل الحزب، ولم يجرِ حتّى الآن، الفصل حول من سيترأس الحزب، لكن من المقرّر أن يعقد الحزب مؤتمره خلال شهر يونيو/حزيران المقبل، ليعلن فيه عن الرئيس الجديد، بعد تسلّم مؤسّسه الباجي قائد السبسي منصب الرئاسة.

• ما صحّة الأنباء عن خلافات حادة داخل الحزب تتعلّق برئاسته ورئاسة الحكومة؟ وهل سيكون رئيس الحكومة المقبل من النداء أم لا؟
هناك اختلافات في الآراء بشأن رئاسة الحزب، وهذا أمر طبيعي يحدث في أيّ حزب، لكنّ هذه المشاكل تُحل بالنقاش والحوار وسنصل إلى نتيجة ووفاق. وإن لم يحصل ذلك، فسنلجأ إلى التصويت، وهذا شأن جميع الأحزاب. أمّا بشأن رئيس الحكومة، فيجب أن نأخذ في عين الاعتبار، الظروف الوطنيّة الموجودة اليوم ولكلّ إنسان رؤيته للمسألة.

• ما هو تحليلكم للوضع الراهن اليوم؟
ينتظر الشعب، اليوم، حكومة لإنقاذ البلاد، لأنّه يعاني من مشاكل كثيرة، أوّلها البطالة. وهناك جهات عدّة محرومة حتى من أبسط الخدمات الأساسية، من دون أن ننسى حالة الاحتقان في هذه الجهات وفي صفوف شبابها، بالإضافة إلى الخلل في التوازنات المالية وتوازنات الميزان التجاري والدين الخارجي الذي ارتفع، مقابل انخفاض القدرة الشرائيّة التي أصبحت معدومة. وصلنا إلى درجة باتت معها المؤسّسات الماليّة الدوليّة ترفض إقراضنا، إلى جانب قضايا الأمن والإرهاب. وتفرض كل هذه العوامل على الحكومة المقبلة، أن يكون لها خطة تحظى بإجماع عام أو على الأقل بإجماع واسع. وأعتقد أنّه لا بدّ من توفير قاعدة مشتركة لخطة وطنيّة لإنقاذ تونس، من شأنها القيام بإصلاحات عميقة لإعادة النشاط الاقتصادي وإصلاح التعليم والضمان الاجتماعي وغيرها من المجالات. الجميع يتحدّث عن تكوين حكومة وهذا أمر مهم، لكنّ الأهم هو إيجاد وفاق حول البرنامج.

• هل تؤيدون أن يكون رئيس الحكومة المقبل من "نداء تونس" أم لا؟ وما هي رؤيتكم لمساهمة "النهضة" في هذه الحكومة؟

الموضوع لا يعني "النهضة" و"نداء تونس" فقط، بل يعني كل الأطياف السياسيّة. المهمّ في رأيي اليوم للشعب التونسي، هو الوفاق في التوجّهات وحول رئيس الحكومة المقبل والخطة التي ستنقذ تونس.

• التقيتم في مكتبكم أخيراً وزير التجهيز الحالي، الهادي بلعربي، وهناك من يقول إنّه مرشح لرئاسة الحكومة، فما دقّة ذلك؟
هو وَاحِد من الأسماء المطروحة، لكنّ زيارته لي كانت بهدف التهنئة، وتحدثنا طبعاً عن آخر مشاريع قطاع التجهيز في تونس.

• فاوضتم من موقعكم السابق كوزير للشؤون الاجتماعيّة، اتحاد الشغل، فهل سيكون موضوع الهدنة الاجتماعيّة من مبادئ تكوين الحكومة المقبلة؟
الشعور بالهدنة أو بالسلم الاجتماعي، أمر يشترك فيه كل التونسيين، بما في ذلك قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل. ونذكّر أنّ الاضراب ليس خياراً بل للضرورة، حتَّى بالنسبة الى النقابيين. نتواصل اليوم مع الأطراف الاجتماعية وقد توصّلنا إلى وفاق ينتج عنه سلم اجتماعي متواصل. وهذا الأمر يهمّ كل الأطراف معاً، الحكومة واتحاد الصناعة والتجارة واتحاد الشغل. كلنا مهتمون بهذا الأمر ونعمل في المجلس على توفير هذا المناخ السلمي والملائم للعمل.
• هل تعتقدون، انطلاقاً من التيارات السياسيّة المختلفة المنضوية في صفوفه، أنّه سيكون من السهل على حزب "نداء تونس"، إنجاز الاستحقاقات المهمّة التي تنتظره، سواء تشكيل الحكومة أو بتّ خلافة السبسي؟
أنا واثق من أنّ القيادات الموجودة، قادرة على مواجهة هذا الوضع، وقادرة أيضاً على إيجاد الحلول المناسبة لهذا الوضع.

• هل يمكن القول، إنّ مختلف التيّارات انصهرت داخل "نداء تونس" أم إنّ الاختلاف في وجهات النظر ما يزال قوياً داخل الحزب؟
حقّق "نداء تونس" مكتسبات عدّة منذ تأسيسه، وما حقّقه في الانتخابات الأخيرة، يؤكّد أنّه ليس توجهاً لقيادة فقط، بل لشرائح عريضة من الناس. كما أنّ نجاح هذا الحزب يؤكد وجود انسجام بين مختلف تياراته، وأنّ مسألة هذه الروافد هي مسألة وطنيّة، وهي تنصهر جميعها لخدمة الشأن العام.
اعتدنا عند الدخول إلى الحزب، أن نخلع انتماءاتنا الدستوريّة أو التجمعيّة أو النقابيّة أو الثقافيّة، وأن نحمل توجّهات مشتركة تخدم تونس ومستقبل تونس. لا نعمل انطلاقاً من مراجعنا، بل بما يخدم مسار تونس وتحقيق أهداف هذه البلاد.

• كيف تقرأون مواقف رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، لناحية أنّ "النداء" ليس "التجمّع"، وإعرابه عن ثقته في السبسي؟


هو تصريح لرجل مسؤول يعي الوضع الحالي للبلاد وأنا أقدّر كثيراً هذه المواقف.

• كيف سينعكس تعيينكم في رئاسة "نداء تونس" على وضعكم في المجلس؟
لكل حادث حديث، وعندما يحصل سنرى.

• كيف تعيشون هذه اللحظات المصيرية وتقاربون المواضيع السياسية المطروحة أمامكم؟

لا شكّ أنني أعيشها كلحظة تاريخيّة مهمة، ورغم كثرة المشاكل، أشعر بالاستعداد والنخوة الخاصة عندما أتوصّل إلى حلول ونتائج إيجابيّة. هناك ضغط متواصل وكلّما توصلنا إلى نتيجة إيجابية، تقوى عزيمتنا وتقوى إرادتنا، كما يقوى الصبر والثبات في العمل. وفي الوقت ذاته، نعيش زمن اللحظات الصعبة والمسؤولية الثقيلة والرهانات الكبرى، ولكن كلّ هذه العوامل تتطلب صبراً وسعة الصدر، كما تتطلب حضوراً ويقظة مستمرة.

• بالعودة الى البرلمان، هل صحيح أنّه ستُخصم أجور النواب المتغيبين؟
لم يُقرّ مشروع النظام الداخلي بعد، وهو من جملة مشاريع اللجنة التي جرى البحث فيها. هناك فصل خاص بالغياب يشير إلى أن تكرار الغياب يقود إلى خصم عدد الأيام من راتب النائب وسنعمل به بإذن الله.

• ما هي حقيقة الدعم الدولي والأوروبي والعربي للتجربة التونسيّة اقتصادياً، بعيداً عن خطابات الإشادة؟
اهتمام العالم بتجربة تونس اهتمام كبير، والكلّ ينوّه بالتجربة التونسيّة وبقدرة الشعب التونسي على تجاوز الصعوبات. من واجبنا، اليوم، دعم هذا المكسب، وهو ما يتطلَّب وضع خطة شاملة للإصلاحات الهيكليّة التي تتجاوب مع طموحات مختلف شرائح المجتمع، لأن من شأن ذلك أن يقود إلى نتيجتين مهمتين. الأولى الحصول على تأييد داخلي، والثانية الحصول على ثقة الدول المانحة والمؤسّسات والشركات العالمية في تحقيق البرامج، لأننا نحتاج اليوم إلى مساعدات خارجيّة، نظراً للمشاكل الماليّة التي نعانيها.
أذكر أنّه في عام 2011، وكنت حينها وزيراً في الحكومة، وضعنا خطة لإنقاذ تونس على مدى خمس سنوات، بميزانية تُقدر بخمسة وعشرين مليار دولار، وتمّ عرضها على مجموعة الثمانية، وصودق عليه مبدئياً، لكن ذلك كلّه ذهب أدراج الرياح.

• هل تتوقّعون أن تتجدّد تلك الوعود بعد تشكيل الحكومة الجديدة؟
إذا كان مشروعنا واضحاً وخطتنا مقنعة وحققنا وفاقاً وطنياً حولها، فنستطيع تقديمها إلى المؤسسات المالية والدولية وإلى الدول المانحة. وعندها سيكون لهذه الخطة، حظوظ كبيرة لكي يتم قبولها.

• إلى أي حدّ تنعكس أزمة ليبيا على تونس وما الذي يمكن للأخيرة تقديمه في هذا الصدد؟

طبعاً، يؤثّر الوضع في ليبيا على جميع الصعد في تونس. فالأمن التونسي مرتبط بليبيا ومعاملاتنا الاقتصادية والتجارية كانت كبيرة للغاية مع ليبيا. وبطبيعة الحال، تتأثّر تونس بالظروف التي تعيشها الشقيقة ليبيا، ونلاحظ في المدة الأخيرة ضعف الحركة التجاريّة، بسبب الأوضاع في ليبيا. نحاول دائماً بما أوتينا من جهد المساهمة في إعادة الاطمئنان إلى ليبيا، وندفع باتجاه إرساء حوار وطني، بين مختلف الفرقاء الليبيين، لأنّنا نؤمن بالحوار داخل وخارج البلاد، وموضوع ليبيا يهمّ مختلف جيرانها وهناك مبادرات من الأمم المتحدة بمعية الدول المجاورة، لإيجاد حلّ سريع وإيجاد ظروف لإعادة الأمن إلى ليبيا.

• ماذا عن دعوة بعض الدول المجاورة أخيراً إلى تدخّل عسكري في ليبيا؟
نحن نرفض تماماً التدخل العسكري في ليبيا ولا نؤمن إلا بالحلول السلميّة .

المساهمون