رؤوف بن يغلان: دعوا الفن يواجه الإرهاب

01 يوليو 2015
رؤوف بن يغلان من أحد عروضه المسرحية (فرانس برس)
+ الخط -
تستهوي السياسةُ الممثل التونسي، رؤوف بن يغلان، حتى أنّه ترشّح للانتخابات الرئاسية الماضية، وعن السبب يقول إنه يرغب في التأكيد على أنّ الديمقراطية ليست حكراً على السياسيين، وأنه يريد المساهمة في ما يمكن أن يحدّد مصير البلاد، مضيفاً: "منذ انطلاق الثورة إلى اليوم بقي الطرح الثقافي مغيّباً تماماً، ولا أقصد هنا الثقافة بالعروض الفرجوية و المهرجانات، بل الثقافة التي أقصدها هنا هي التي نجد فيها المبدع في اتصال والتحام مع كلّ الفئات الاجتماعية، بكلّ انتماءاتها لتكون ثقافة فاعلة. أيضاً أردتُ أن أقول خلال ترشّحي للرئاسة إنه توجد رؤى أخرى مختلفة، فيها شيء من المشاكسة للخطاب السياسي، وبالتالي الخروج عن المألوف". وهو لا يعتبر عدم نجاحه في الانتخابات فشلاً، بل محاولة آيلة للنجاح كما الفشل، ويؤكد أنّه سيحاول مرّة أخرى حتى يحقّق هدفه، ويحدث التغيير الذي يحلم به.

المثقّف والرئيس

يعتبر بعض الناس أنّ بن يغلان من المقرّبين للرئيس التونسي السابق، المرزوقي، وقد سجّل معه حواراً متلفزاً، وكان الوحيد آنذاك الذي استطاع إقناعه بالحوار، إلا أنّ هذا الحوار لم يُبثّ لأنّ القناة العمومية رأت أنّ الممثل تعدّى على مجالها. ولكنه يخالف ما يراه الآخرون، قائلاً: "أنا والسيد المنصف المرزوقي، مع احترامي له، لم نكن على الفكر نفسه أو الاتجاه السياسي نفسه، وبالنسبة للحوار الذي خلق ضجة إعلامية كبيرة، لأنّ فناناً حاور رئيس الجمهورية وليس إعلامياً، لا أعرف ما المشكلة في ذلك، ولماذا يجب على الإعلاميين احتكار الحوارات مع السياسيين. في اعتقادي يجب تغيير هذه العقلية، إذ كان من المفروض أن تفتخر الساحة الإعلامية بأن ينجز فنان تونسي حواراً مع رئيس دولة، وأن تسمح الديمقراطية لأيّ مواطن تونسي أن يحاور رئيس بلاده".
وعند هذه النقطة، يبدو السؤال عن فعالية المثقف والفنان في الحياة السياسية شائكاً، كيف يمكن له أن يقوم بأي دور بينما إجراء حوار مع الرئيس يبدو خطاً أحمر! يعلّق بن يغلان قائلاً: "لا يستطيع الفنّان التونسي التغيير لأنّه مهمّش، وبالتالي يجب إسناد ما يستحقّه قطاع الثقافة من آليات وإمكانيات، حتى يكون فاعلاً أساسياً في الحياة السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية، فالثقافة هي التي تجعل السياسة والسياسيين محلّ استفسار وحيرة، ولهذا السبب تقدّمتُ كمترشّح لرئاسة الجمهورية، لأطرح السؤال، ليس على السياسيين فقط، بل على الشعب التونسي نفسه. أردت أن أسأل أيّ شعب تحبّ أن تكون؟ ما هو المشروع المجتمعي الذي تطمح إلى بنائه؟ وهو أمر غائب اليوم للأسف في خطابات السياسيين".
ليست تجربة بن يغلان السياسية الأولى والوحيدة من نوعها، فقد سبق لفنّانين آخرين أن خاضوا تجربة سياسية من خلال مجلس النواب، وهو يقيمها كالتالي: "هي مبادرة طيبة، على غرار تجربة المخرجة السينمائية، سلمى بكار، التي كان لها حضور هامّ جدّاً في المجلس التأسيسي، وكذلك الشاعر، مراد العمدوني، واليوم نجد الممثل، علي بنور، الذي انتخب بمجلس، وأعتقد أنّها تجربة مهمّة، ويبقى أن تكتمل وأن تحلّ المشاكل التي يعيشها القطاع الثقافي من قبل هؤلاء النواب... وأن يتحوّل الفنانون إلى صوت قوي وواضح ينتصر لقضايا الثقافة، فمنذ بداية الثورة كنت من الأوائل الذين نادوا بالحقّ الثقافي في الدستور واعتبار الثقافة جزءاً لا يتجزّأ من حقوق الإنسان، وهي ليست أقلّ أهمّية من الحقوق الأخرى، فانتفاضة الشعب التونسي سببها ليس فقط البطالة والتهميش والاستبداد، بل أيضاً جفاف ثقافي وحرمان فنّي في العديد من المناطق الداخلية في تونس".

إرهابي إلا ربع

يستعدّ بن يغلان لإطلاق عرضه المسرحي الجديد الذي اختار له اسم "إرهابي غير ربع"، المقصود به بالمحكية التونسية "إرهابي إلا ربع"، في شهر أغسطس/آب المقبل، وعنه يحدّثنا قائلاً: "هي مسرحية كوميدية ساخرة، تدور أحداثها حول موضوع الإرهاب وعلاقته بالفساد والبطالة، وتتناول شخصية الإرهابي بالرجوع به في الزمن إلى محطّات مختلفة من مسيرته، قبل أن يقدم على ارتكاب جريمته الإرهابيه قصد التدخّل لمعرفة ما الذي يجعل منه شخصية إرهابيّة، والدفع به نحو التخلي عن حمل السلاح. ويتضح هذا التمشي من خلال إعادة بناء أهم الأحداث التي عاشتها الشخصية، فمسرحية ( إرهابي غير ربع) هي مشاهد متعدّدة نجده فيها شاباً يذوق الأمرَّيْنِ في صراعه مع واقعه وظروفه الاجتماعيّة رغم شهاداته الجامعيّة. وبمرور الوقت يكتشف أن شقاءه مرتبط أيضاً بواقع يتعدّاه ليشمل عشرات الآلاف مثله من المعطلين عن العمل يعانون ما يعانيه".
وعن سبب تسمية المسرحية يقول: "هو إرهابي ناقص، إرهابي إلا ربع، لأنه لم يمارس فعل الإرهاب بعد، لكنّ فكره إرهابي ومتطرّف ويسعى إلى أن يكون إرهابياً، وأنا أسعى في هذه المسرحية إلى افتكاك هذا الربع، وجعله صفراً أي إرجاعه إلى حالته العادية، قبل أن يفكّر في أن يكون إرهابياً، فبطل المسرحية يمرّ من فشل إلى آخر، ومن إحباط إلى آخر، حتى يجد نفسه فريسة سهلة، وصيداً ثميناً تستقطبه شبكات الجريمة المنظّمة: المخدّرات والتهريب والسلاح، والشبكات الإرهابية التي لا تتأخر في تحيّن الفرصة، وترصّد كلّ من احتدّت أزماته الاجتماعية، وانغلقت في وجهه كلّ أبواب العيش والكسب المشروع، فيرتمي في أحضان التعصّب والتطرّف، وما تقدّمه له هذه الشبكات، ومن حلول وهميّة بدعوى تغيير واقعه المتردّي. أتساءل في هذه المسرحية كيف يمكن لهذا الشبكات أن تكون أقوى من كلّ هياكل الدولة، من مدارس وكليات ومجتمع مدني وغيرها، إذن يوجد خلل ما يجب إصلاحه، والجدير بالذكر أنه لإعداد هذه المسرحية قمت ولا زلت أقوم بلقاءات وتسجيلات مع العديد من الشباب والأهالي في المناطق الداخلية، وكذلك مع خبراء أمنيين ورجال دين وأيضاً لقاءات مع عدد من الباحثين نظّمها معهد البحوث والدراسات الاجتماعية والاقتصادية".
المساهمون