يتراجع في تونس الاهتمام بالمرجان بالرغم من تشكيله ثروة للبلاد وأحد أشكال الزينة النسائية التقليدية في حليّ يطلق عليها اسم "الذهب الأحمر".
بالقرب من المناطق السياحية بشاطئ طبرقة التونسية، ثاني أشهر مدينة في العالم في إنتاج وتصدير المرجان أو ما يعرف بـ"الذهب الأحمر" في البلاد، يتخذ عشرات الحرفيين والتجار الصغار أماكن لبيع بعض المنتوجات التقليدية والحليّ المصنوعة من المرجان. تتنوع المنتوجات ما بين أساور وسلاسل ومجوهرات تحافظ على شكلها وطابعها التونسي التقليدي.
أحمد كحيلي، أحد هؤلاء، يعمل في الحرفة منذ 15 سنة. يشير إلى أنّ حليّ المرجان لم تعد تجذب الكثير من التونسيات، بل فئة قليلة ممن ما زلن يرتدين الملابس التقليدية في الأعراس والتي لا تكتمل زينتها إلا مع بعض الحلي المصنوعة من المرجان المزخرف بالفضة أو العنبر، خصوصاً في الجهات الداخلية والمناطق الريفية. عدا ذلك فإنّ المرجان يستهوي السائحين الذي يشترونه كهدايا. يعلّق: "هذا الوضع أدى إلى تراجع أرباحنا خصوصاً في فصل الشتاء حين يقل عدد السياح. كذلك، لم تعد حرفة صناعة المرجان يهوى العمل فيها كثيرون، بل باتت أقرب إلى هواية يمتهنها البعض في أوقات الفراغ".
لا يخالفه عامر سيف الله الرأي في تراجع مبيعات الحلي المصنوعة من المرجان. هو تاجر فضة وحليّ تقليدية في أحد دكاكين المدينة العتيقة منذ 12 سنة. يلاحظ تراجع إقبال الشباب على تعلّم حرفة صنع حلي المرجان وصقله. ويقول إنّ تراجع البيع ليس فقط بسبب هجرة التونسيات المرجان، بل أيضاً بسبب ارتفاع أسعاره. فطاقم كامل من حليّ "الذهب الأحمر" يبلغ سعره 150 دولاراً أميركياً، وقد يصل إلى 500 دولار.
تنتشر هذه الحرفة في مختلف المدن التونسية حتى لا يكاد دكان أحد بائعي الذهب أو الفضة يفتقر لبعض المصاغ المطعّم بحبيبات حمراء مصقولة من المرجان. وبالرغم من ذلك يعتبر الحرفي لطفي يوسفي أنّ المرجان في تونس ثروة منسية باتت تهدر من خلال استغلالها في التهريب، وعدم الإقبال على شرائها، بالرغم من مراعاة القدرة الشرائية للتونسي في كثير من الأحيان. يشير إلى أنّ أغلب المدن كانت تشهد انتشاراً كبيراً لمحال بيع المرجان لا سيما في المدن العتيقة، لكن باتت اليوم تعدّ على أصابع اليد، ولم يعد أحد يهتم بتعلّم هذه الحرفة.
وبالرغم من تراجع اهتمام البعض بالذهب الأحمر وفق بعض الحرفيين والتجار، إلا أنّ المرجان يصنف من أشهر الأحجار الكريمة ولو أنّه من غير المعادن والأحجار، بل من المواد العضوية الناتجة عن إفرازات حيوانات المرجان البحرية المتراكمة والمتشعبة ببعضها البعض في ما يشبه التراكمات الصخرية أو الأشجار. أما ألوانه فهي الأحمر الفاتح والأحمر الدموي الغامق.
يستخرج المرجان في تونس من أعماق متوسطة ومناطق معيّنة أهمها طبرقة من محافظة جندوبة، وبنزرت شمالاً. كان يستخرج سابقاً بواسطة محراث، لكن خوفاً من تصحّر البحر بات يستخرج بواسطة الغوص. وقد تطور الإنتاج الوطني من المرجان الأحمر خلال سنة 2014 بنسبة 92 في المائة، ليرتفع من 4044 كلغ سنة 2013 إلى نحو 7820 كغ سنة 2014 بحسب إحصائيات الإدارة العامة للصيد البحري في وزارة الفلاحة.
يخضع صيد وتجارة "الذهب الأحمر" إلى رخصة تقدمها وزارة الفلاحة. عام 2014 منحت نحو ثلاثين رخصة غوص لصيد المرجان. مع ذلك، يواجه المرجان منذ سنوات خطرين يتمثلان في الصيد العشوائي والتهريب. فالإجراءات الردعية والعقوبات التي سنّها المشرّع التونسي تتمثل في الأساس في غرامات مادية وحجز للبضاعة المهربة. أو سجن لفترات قصيرة ليطلق سراح كلّ من يصطاد أو يتصرف في المرجان بطرق غير قانونية، ويستأنف نشاطه بشكل طبيعي بعد انقضاء المدّة القصيرة. فكل مخالف يتعرض وفقا للقانون إلى عقوبة بالسجن من 16 يوماً إلى سنة واحدة وغرامة مالية من 50 دولاراً إلى 250 دولاراً، أو بإحدى العقوبتين.
عقوبات بسيطة لا تثني البعض عن تهريب المرجان بكميات كبيرة. وهو ما يستنزف الثروة في المنطقة. تكررت عمليات التهريب نحو إيطاليا والولايات المتحدة والهند وباكستان وتركيا. وكثيراً ما أعلنت السلطات البحرية عن إحباط عمليات تهريب كميات كبيرة من المرجان خصوصاً في ميناء طبرقة.
من عمليات الضبط الأخيرة المعلن عنها في شهر مارس/ آذار 2016 ، تمكنت السلطات البحرية من إحباط تهريب كمية كبيرة من المرجان وصلت إلى نحو 1500 كغ تفوق قيمتها مليون دولار. وكانت الكميات مخزنة في أحد مراكب الصيد في ميناء طبرقة في علب كرتونية كبيرة الحجم خطط المهربون لنقلها إلى مركب أجنبي.