ذهب "أحمر" و"سائل" يدعمان المغربيات

23 مارس 2019
تجني زهور الزعفران (فاضل سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -

تجد نساء مغربيات فرصة لتحقيق ذواتهنّ وتوفير بعض الدخل لأسرهنّ من خلال العمل في حقول الزعفران والأرغان، بالرغم من التعب الكبير الذي ينال منهنّ والمردود المالي المجحف مقارنة بذلك التعب.

أنامل رقيقة تحوّل نبتة الزعفران في منطقة تالوين، جنوب المغرب، إلى "ذهب أحمر". فبالرغم من ظروفهنّ المعيشية المتدنية في منطقة مهمشة، تمكنت مغربيات من النجاة من الفقر، بفضل العمل في حقول الزعفران. الوضع نفسه ينسحب على عمل نساء في حقول شجر الأرغان في الجنوب المغربي، وخصوصاً في ضواحي أغادير وتارودانت والصويرة، وذلك لإنتاج زيوت الأرغان المطلوبة بكثرة في الأسواق المحلية والأجنبية، المعروفة بـ"الذهب السائل" إذ اجتزن عتبة الفقر بفضل عملهنّ وصبرهنّ هناك.




تتحدث زهرة التالوينية إلى "العربي الجديد" عن تجربة النساء في منطقة تالوين الأمازيغية مع الزعفران، وكيف يشتغلن في ظروف عسيرة ومنهكة جسدياً، وكيف يتحدين صعوبات العمل في الحقول وداخل البيت وتربية الأبناء، من أجل تحسين أوضاع عائلاتهن الفقيرة. توضح زهرة التي تقود تعاونية نسائية للزعفران، أن زرع وسقي هذه الزهرة أمر ليس بالسهل، ولا يمكن للمرأة التي ليست لها القدرة والكفاءة والدقة اليدوية أن تشتغل في الحقل. تتابع أنّ "جني زهور الزعفران وتنقيتها وفرز شعيراتها عمل يتطلب ساعات طويلة من التركيز ودقة الملاحظة والتركيز بالعين واليد". تتحدث عن صعوبات العمل في حقول الزعفران؛ "أولاها المشقة البدنية طوال ساعات اليوم في موسم الجني، إذ يبدأ العمل في ساعات مبكرة من النهار لينتهي في المساء، بعدما ينال التعب من نساء الزعفران، ليتجهن بعد ذلك إلى بيوتهن لبدء عمل آخر يخص الأولاد والأزواج إن كانت العاملة متزوجة وأماً".

تتابع أنّ هذا الوضع يؤدي إلى صعوبة ثانية، تتمثل في الصدامات التي تقع أحياناً بين المرأة العاملة في الزعفران وزوجها الذي يضايقه بقاؤها في الحقول ساعات طويلة على حساب اهتمامها بأسرتها، وهو ما تردّ عليه زهرة بأنّ "الأمر يتعلق بفترات معينة في السنة فقط، كما أنّ هذا العمل يساهم في ميزانية البيت، فلا معنى من ثم لانتقادات بعض الرجال" وفق تعبيرها. تضيف: "هناك صعوبة أخرى تتمثل في أنّ الجهد المبذول في تنقية آلاف زهور الزعفران (80 ألف زهرة تقريباً)، وفرزها بعناية فائقة، ثم تجفيفها في مناطق مظللة، فضلاً عن تجميعها، للحصول على كيلوغرام واحد فقط من هذه المادة، لا يوازي المقابل المادي الهزيل الذي تحصل عليه المرأة العاملة". تشرح: "أجر العاملة في قطف زهور الزعفران وجنيه وتجفيفه وتصفيفه وتعليبه ليجري شحنه إلى الشركات، يصل في أحسن الأحوال إلى 70 درهماً (7.4 دولارات أميركية) فقط في اليوم الواحد، فيما يستفيد المنتجون وأصحاب الحقول والشركات المصدرة من الملايين".

تستطرد: "بالرغم من أنّ عاملات الزعفران يتعرضن لهذا الظلم في الدخل، يقبلن بذلك لعدة أسباب، أهمها رغبتهن في مساعدة أزواجهن في الأعباء المالية للبيت، وأيضاً تحقيق ذواتهن، وعدم التعويل على الرجال مادياً، ثم الخروج من سجن البيت، واكتساب الخبرة المهنية".
تقول عاملة أخرى في مجال الزعفران، لـ"العربي الجديد" إنّ عملها في تعاونية خاصة بهذا المنتج فتح أمامها أبواب الرزق الحلال، وبات لها مورد رزق شبه ثابت أبعد عنها الفقر الذي كان يهدد أولادها الثلاثة، من زوجها الراحل. تشير إلى أنّه لا يمكن إنكار تحسن أوضاعها المعيشية مثل العديد من النساء الأخريات بفضل ازدهار تصدير الزعفران. تتابع أنّ عملها في "دار الزعفران" بتالوين، الذي يضم تعاونيات وأماكن لفرز الزعفران ومعدات للإنتاج، مكنها من التدرب على هذه المهنة وإتقانها حتى بات عملها مطلوباً من طرف كثيرين. تشير إلى أنّ النساء قبل إنشاء التعاونيات كنّ مظلومات، لكن بفضل إنشاء التعاونيات ارتفع دخلهن وصارت حقوقهن المادية أفضل بكثير.

في ضواحي منطقة أولاد تايمة (جنوب) تعمل نساء في غابة أركان، في قطف ثمار الشجرة في فصل الربيع، والعودة إلى بيوتهن أحياناً أو في الغالب إلى تعاونيات مخصصة لهذا الغرض، من أجل كسر ثمار الأرغان، ثم تحويلها في ما بعد إلى زيوت باتت مطلوبة في الأسواق الوطنية والعالمية، بالنظر إلى قيمتها في مجال التجميل وتغذية البشرة.

إيجا موح، عاملة شابة، بأولاد تايمة، تقول لـ"العربي الجديد" إنّ الفضل في اشتغالها وكسب المال في هذه المهنة لتعاونية احتضنت نساء المنطقة بدلاً من البقاء في المنزل، فتحت لهن فرصة إعداد ثمار أرغان وتحضيرها لبيعها لوسطاء لديهم القدرة على إيصال البضائع إلى الأسواق.




لا تختلف المشاقّ التي تتكبدها عاملة الزعفران عن العاملة في جني ثمار الأرغان، فالمهنة تتطلب الاستيقاظ باكراً جداً، وفق موح، والتوجه رفقة أخريات إلى الغابة يمتطين الحمير أو البغال، من أجل التقاط ثمار الأرغان، ثم العودة بأعداد كبيرة منها من أجل كسر النواة، ثم تجفيفها والذهاب بها إلى معصرة خاصة للحصول على الزيوت. تتابع أنّ الأكثر صعوبة في عمل نساء الأرغان هو أنّ كميات هائلة من الثمار تجنى خلال أيام متواصلة تنتج فقط كمية قليلة من الزيت، ما يستدعي منهن بذل جهود عضلية وذهنية كبيرة تؤثر على حضورهن داخل البيت، وتحمّل مسؤوليات الزوج والأطفال. تتابع أنّ ما ينسيها تلك المشاق الجسدية هو حصولها في آخر الأسبوع على تعويض مالي تساعد به نفسها وتسدّ رمق أولادها، بالرغم من أنّه لا يتوافق مع جهدها الكبير، متابعة أنّ تعاونيات أرغان غيرت فعلاً من أوضاع كثيرات من النساء، وصارت لهن أهداف معينة في الحياة، وتحولن إلى فاعلات وناشطات في المجتمع.