ذكرى ميلاد: محيي الدين اللباد.. الصورة كحياة

25 مارس 2019
(محيي الدين اللباد في مرسمه)
+ الخط -
بين المعلّم والناقد والفنان يُمكن مقاربة تجربة الفنان المصري محيي الدين اللباد (1940 - 2010) الذي تمرّ ذكرى ميلاده اليوم الإثنين، الذي لم يفصل مشروعه البصري عن معرفته الغنية بالتراث العربية واشتباكه مع واقع الحياة وقضاياها الراهنة ومع فلسفة الصورة أيضاً.

عبّر صاحب كتاب "حواديت الخطاطين" عن رؤية خاصة تجاه الإبداع عبّر عنها بمقولته "الفن الذي يمكّنك من خلق عالم بهيج لأنه متّسق ومقنع وحقيقي"، رؤية جعلته أكثر قرباً من الطفل وتوقاً إلى التجديد في تجاربه المتعدّدة بدءاً من الكاريكاتير ومروراً بتصميم الكتب والرسم والغرافيك وليس انتهاء بتأليف الكتب المصوّرة.

سعى في كتابه "كشكول الفن" إلى تقديم خلاصة تجربته كفنان ومصّمم كتب إلى القراء، صغارً وكباراً، لكنه كان في أسلوبه كمن يدير ورشة قائمة على التعليم والتعلّم، فروحه المتواضعة وفهمه للعملية الإبداعية دفعتاه إلى الابتعاد عن التلقين والتعامل مع المتلقي باعتباره شريكاً وصاحب رأي في كلّ ما أنتجه.

أما في "لغة بدون كلمات" فرصد الإشارات المرسومة على الورق والجدران في أكثر من مستوى؛ الأول إيصال تاريخ العلامة وتطوّرها وصولاً إلى توظيفها في الفن المعاصرة بلغة بسيطة وشارحة لكلّ غموض، ثم الذهاب نحو تأويلها فلسفياً وربطها بسياقاتها الاجتماعية والثقافية، إلى جانب تذوقّها جمالياً بعيداً عن وظيفتها التي أنشئت من أجلها.

في مشروعه "نظر" الذي صدر في أربعة أجزاء، لا يخفى على القارئ متابعته لمستجدات الفنون البصرية وكل ما يقع تحت نظره ويكتشف صلته بالفن وكأنها تمارين يمارسها مع قارئه لإعادة النظر نحو ما يحيط بنا والبحث عن قراءات جديدة للشكل وحضوره، واجتهاده في تقديم وجهة نظر نقدية لا تنقصها المعلومة ومحاولة إدراك العلاقات بين الأشياء.

يقول بنبرة ساخة في تقديم الكتاب إنه يتمتع "صفاقة الإفتاء والإدلاء بالآراء والمجاهرة بتسجيلها كتابة (وبالعربية الفصحى) ونشرها علناً، ومن الادعاء وتقمّص دور الأستاذ أحياناً"، ويتبعها ببيت الشاعر اللبناني بشارة الخوري "إن عشقنا فعذرنا أن في وجهنا نظر"، وهو اختيار يعود إلى الدلالات المركبة لـ "نظر"، بحسب رؤيته، حيث تجمع التذوق والنقد والتأويل، خلافاً لـ "بصر" التي اعتبرها محدّدة في دلالاتها ومعناها.

تتنوّع الموضوعات التي يتناولها اللباد بالكلمة والصورة في هذا الكتاب، فمنها "شرّ الطريق" الذي وضعه عنواناً لجملة ملاحظاته حول الاختلافات التي طرأت على الشارع في القاهرة، مسهباً في شرح التلوّث الإعلاني من ألوان وأشكال وجوه، وانتقاده لإعلان نشرته "الهيئة المصرية العامة للكتاب" عام 1985 تطلب مصمّمين لـ"ميكي ماوس" متسائلاً عن هوية "الفأر القومي" المستنسخ عن والت ديزني.

إلى جانب تقديمه لأعمال عدد من رسامي الكاريكاتير والفنانين المصريين مثل جورج بهجوري والكسندر صاروخان وعبد السميع نجم، وحروفيات لعدد من الخطاطين منهم ابن مقلة حامد الآمدي ونظرته إلى تقاليد صناعة المخطوطات العربية.

يكتب اللباد كأنه يرسم بخطوط واضحة وصارمة وحاسمة، ويرسم كما يرى الأشياء بوضوح وسلاسة وانسياب، حيث لا فاصل بين الصورة والكتابة، وبين الصورة والحياة.

المساهمون