ذكرى ميلاد: عمر أبو ريشة.. ما يبقى من أمل

10 ابريل 2019
(من غلاف "غنّيت في مأتمي"، دار العودة، 1970)
+ الخط -

لم تحظ السجالات المرتبطة بتجديد عمود الشعر منذ عشرينيات القرن الماضي بذات الاهتمام الذي رافق ولادة قصيدة التفعيلة ثم النثر في مرحلة لاحقة حيث لا يزال الجدل مستمراً حول نشأتها وتطوّرها عربياً، ربما لأنها انحسرت في فترة باكرة دون التفات نقدي جدي.

ضمن موجة إحياء القصيدة العربية، كان صوت الشاعر السوري عمر أبو ريشة (1908 – 1990) الذي تصادف اليوم ذكرى ميلاده، لافتاً على أكثر من مستوى نتيجة عوامل متعدّدة صاغت تجربته التي امتدّت لنصف قرن، ولم تجد بداياته صدى يُذكر بل أنه تعرّض إلى هجوم النقاد لما اعتبروه خروجاً عن التراث الشعري.

نشأ صاحب "شعر" (1936) في أسرة جمعت بين الأدب والمكانة السياسية، فاطلع على عيون الشعر العربي منذ طفولته وحاول تقليده حين كان طالباً في المرحلة الثانوية، لكنه بحكم سفره إلى لندن لإكمال تعليمه الجامعي ثم تردّده على باريس وقراءاته المكثفة بالإنكليزية والفرنسية، تولّدت عنده مراجعات مختلفة للشعراء الأقدمين.

رأى أبو ريشة أن القصيدة العربية لم تول الصورة مكانتها التي تستحق على حساب الزخرفة اللغوية أو أنها قدّمت صوراً غير مألوفة ويصعب تلقيها بحسب نقده لبعض قصائد أبي تمام والبحتري، فنسج أشعاره الأولى متأثرأ بهذا الوعي الذي بثّه في أولى مسرحياته الشعرية "محاكمة الشعراء" عام 1934، وعبّر عنه بقوله: إن تجدني أقول ما لم يقله/ فيك في الشرق نادبٌ أو ثكولُ/ فلأني كرهت سخف ابن هاني/ وابن أوس ومن به تدجيلُ".

مال صاحب "غنيّت في مأتمي" (1970) إلى الرومانسيين في الشعر الأوروبي مثل شيلي وكيتس وميلتون وبودلير وروبرت براونينغ، لذلك سينزع في فترة لاحقة نحو معجم أكثر حداثة من نظرائه ممن كتبوا القصيدة الكلاسيكية وفي مقدّمتهم محمد مهدي الجواهري، ويتقصّد أن يكتب بلغة قريبة للقارئ وتخلو من تراكيب معقدة أو عصية على الفهم.

الشاعر الذي اختلِف على مكان ولادته وتاريخه لكن أرجحها يوثّق أنه ولد في عكا عام 1908 عند زيارة أمه خيرة الله اليشرطي إلى أهلها، سيواصل تجديده خلال المرحلة الأغنى في مشواره والتي تمتدّ منذ منتصف الثلاثينيات وحتى عام نهاية النصف الأول من القرن الماضي، قبل أن يقلّ إنتاجه بعد عمله سفيراً لبلاده حتى عام 1970.

في قصيدته "شرود" التي تنتمي إلى تلك المرحلة، يقول: "صوت يناديني وفي مسمعي/ منه أغاني أملٍ ممتعِ/ من أين لا أدري ولكنني/ أصغي وهذا الليل يصغي معي". وفي قصيدة أخرى يدوّن: "وطنٌ أذاب على هواه شبابه/ وحباه بالمأثور من أشعاره/ فكأنه من نيله لفراته/ حمَلٌ تجاذبه يدا جزّاره!".

تضمّنت المسرحيات الشعرية التي كتبها أبو ريشة العديد من آرائه ومواقفه وإسقاطاته على الواقع السياسي والثقافي المعاصر، والتي قدّمها في أعمال مقبتسة عن سير أعلام ومحطّات في التاريخ العربي، ومنها "علي"، و"الحسين"، و"سميراميس"، و"رايات ذي قار"، و"الطوفان".

المساهمون