ينتمي الفنان المصري حسين بيكار (1913 – 2002) التي تمر ذكرى ميلاده اليوم، إلى الجيل الثاني من التشكيليين المصريين الذين سعوا إلى "تمصير" الفن في بلادهم، والذي نزع في بداياته إلى تصوير الطبيعة الصامتة ومشاهد وشخصيات للطبقة المخملية.
تنوّعت اهتمامات الراحل بين الرسم والموسيقى والشعر والنقد، وتبقى تجربته الأبرز في مجال الرسم للأطفال وتصميم أغلفة الكتب، حيث ساهم عمله في الصحافة المصرية لأكثر من ستّة عقود في النزوع نحو التبسيط في التكوين والتقشّف في اللون، ما أكسبه أسلوباً خاصاً وانتشاراً واسعاً.
ولد بيكار في الإسكندرية، وحصل على دبلوم التصوير من "مدرسة الفنون الجميلة العليا" في عام 1933، وبدأ عمله مدرّساً تنقّل بين العديد من المدارس في مدن وأرياف مصر قبل أن يُنتدب للتدريس في مدينة تطوان المغربية، ليعود منها عام 1942 ويساهم في إنشاء أول قسم للتعليم الحر في "كلية الفنون الجميلة" في القاهرة، إضافة إلى عمله مدرّساً لمادة التكوين في "معهد السينما".
اتسمت شخصيته بعمق الثقافة والاطلاع اللذين انعكسا في رسوماته الصحافية وكذلك التي قدّمها لكتب الطفل من خلاله بحثه في الأسطورة والتراث المصريّين وإعادة إنتاجهما بأسلوب معاصر، ما أثّر في جيل كامل من الفنانين الذين تتلمذوا على يديه من أمثال محي الدين اللباد وأحمد حجازي وحلمي التوني وناجي شاكر.
قدّم بيكار تصميم أول غلاف لكتاب مصري وهو رواية "الأيام" لـ طه حسين، والذي أصبح عرفاً أساسياً في صناعة الكتاب في مصر والعالم العربي، بعد أن كانت الأغلفة تطبع من دون تصميم لها أو رسم عليها، أو كان يتمّ استعارة رسوم من الصحف والمجلات الأوروبية.
آمن صاحب كتاب "صور ناطقة" بأن الفن لجميع الناس، محاولاً تبسيط أعقد النظريات والأفكار في كتاباته النقدية، أو في تناوله للعمل الفني من خلال اهتمامه بتفاصيل الحياة اليومية لمختلف الطبقات الاجتماعية حتى يصبحوا جزءاً من عملية الإبداع والتلقي، ما يساهم في كسر احتكار الفنون لفئة دون غيرها.
كتب قصائد تنتسب إلى الشعر الشعبي، ومنها ما نشره في مجموعته "الرسم بالكلمات" التي يرد في أحد مقاطعها: "يا بتاع التذاكر على بابك مهاجر تعبان من الأسفار/ اديني ثلاث تذاكر أواصل رحلة الليل والنهار/ تذكرة خضرة لبدء الطريق وتذكرة غالب عليها الصفار/ وتذكرة بيضا بلا ألوان أكمل بها المشوار".
ربما تجاوزه العديد من مجايله على مستوى التكنيك والفنيات، لكن تظلّ شخصية بيكار استثنائية في الثقافة المصرية عبّر عنها نزوعه الدائم نحو المغامرة والتجريب، فهو الذي عزف العود والبزق وأسّس بعد تخرجه من مدرسة الفن فرقة مع عازفي كمان وقانون استمر نشاطها سنوات عدّة.
كما نشر في الصحافة، في خمسينيات القرن الماضي، سلسلة مقالات حول أسفاره يمكن تصنيفها ضمن أدب الرحلات، ورسم في الستينيات لوحات فيلم الأنيميشن "العجيبة الثامنة" للمخرج النيوزلندي جون فيني الذي يروي قصة بناء معبد أبو سمبل في النوبة أيام الملك رمسيس الثاني.