ذكرى ميلاد: إنغمار برغمان.. كاميرا الأسئلة الحرجة

14 يوليو 2020
(إنغمار برغمان، Getty)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الرابع عشر من تمّوز/ يوليو، ذكرى ميلاد المخرج السينمائي والكاتب السويدي إنغمار برغمان (1918 - 2007).


في الفيلم الوثائقي الذي أخرجته جين ماغنوسون بمناسبة مئوية مولده منذ عامين، نرى إنغمار برغمان قد جانبه النوم في معظم لياليه بسبب أوجاع المعدة، وبمجرد أن يدخل المستشفى حتى يبدأ الكتابة فما لا يستطيع فعله خلف الكاميرا، سيخطّه على أكداس الورق الذي يحيط بسريره.

يركّز هذا العمل على حياة الكاتب المخرج السينمائي السويدي (1918 – 2007) الذي تحلّ اليوم الثلاثاء ذكرى ميلاده، خلال عام 1957 حين قدّم اثنين من أكثر أفلامه شهرة وهما "الختم السابع" و"الفراولة البرية"، وفيلمه التلفزيوني "السيد سليمان قادم"، وأربع مسرحيات منها "السجين"، و"المزيفون"، إلى جانب عدد من أبرز المقابلات التي أجريت معه.

سنة مليئة بالعمل لكنها حتماً لا تختلف عن بقية سنواته التي ظلّ يعيد فيها سرد حكاياته حول ذاته وحياته والآخرين ويحوّلها إلى سينما، والتي تعود جذورها إلى نشأته في بيت والده القسّ متقلّب المزاج الذي يعامله بقسوة شديدة ولا يلقى منه سوى الضرب والتعنيف، بينما كانت والدته غارقة في برودها وجفافه تجاهه وتجاه شقيقه، ما جعله شارد الذهن دائماً يقيم في مخيلته الخصبة.

تأثّر برغمان بتلك النشأة كثيراً أو هكذا أوحي للجميع، ولنفسه أيضاً، وأصبح ذلك المخرج الذي يصنع كلّ المشهد، ما يراه المشاهد وما يحدث خلف الكاميرا أيضاً، حيث يتصرف كجنرال يدير كلّ صغيرة وكبيرة، يدرّب فريقه على التمثيل، ويتحكّم بميزانية فيلمه، وبالمعايير الفنية لصورته، ويكتب نصّه أو يشرف عليه ويتتبع ممثليه منذ دخولهم غرفة الملابس والماكياج وحتى أدائهم، وربما تجاوز ذلك في الحالات التي وقع فيها بغرام فنانات عملن معه.

هكذا نظر إلى الفن كأنه جزء من الحياة، والعكس صحيح، منذ أن تخرّج من الجامعة مطلع الأربعينيات وبدأ مشواره بإعادة كتابة بعض سيناريوهات الأفلام، ثم زاوج بين الكتابة والإخراج، ليقدّم أعماله الأكثر نضوجاً في العقد اللاحق في "صيف مع مونيكا" (1953)، و"ابتسامات ليلة صيف" (1955)، وصولاً عام 1957 الذي شكّل نقطة تحول كبيرة في حياته المهنية.

ساهم المسرح كأساس مهم ومؤثّر في انطلاقته السينمائية ليس فقط من خلال تقديمه أعمالاً على الخشبة بل من خلال عمله مديراً لأكثر من مسرح حكومي في بلاده، وانعكست تلك الخبرة على طريقة إدارته من جهة وعلى طبيعة اهتماماته والقضايا التي شغلته، فبعد أن ركّز أزمات مجتمعه بعد الحرب العالمية الثانية، مثل معظم البلدان الأوروبية، حيث الواقعية الجديدة طعت على السينما، ذهب برغمان إلى مساءلة قضايا كبرى ذات صلة بالفناء والوجود وقلقنا الدائم حيال معنى حياتنا وموتنا.

في البحث عن خلاص، تحرّك المخرج في معظم أفلامه ومنها "التوت البري"، فالزمن لا يمكن تحديده حيث الساعة بلا عقارب، لكنه كان يعي جيداً أنه لن يقبض على حقيقة معينة أو معنى ما، ما فسّره البعض حذوره مئات الجنازات في طفولته واتصاله بموت لم يستطع أن يتصالح معه، ويجدر الاستشهاد بمقولته "الحزب الوحيد الذي انتسبت إليه كان حزب المذعورين".

ذُعرٌ ولّد تلك الصور التي لن تمحى في الذاكرة السينمائية العالمية، كما فعلت إليزابيث في فيلمه "بيرسونا" (1966)، حيث أقامت مع ممرضتها في بيت بالقرب من البحر وهناك باحت بماضيها وما رسب من عقد شخصية وما عاشته من ألم وفرح وصولاً إلى اللحظة التي قررت فيها أن تصمت إلى الأبد. وربما فعل ذلك برغمان الذي أيقظ العالم على السينما التي صنعها وحياته الفوضوية اللتين لم تنفصلا عن بعضهما بعضاً، إلى أن دخل عزلته واستسلم لذلك الصمت.

المساهمون