ذكرى ميلاد: إرنست همنغواي وحضوره عربياً

21 يوليو 2020
(إرنست همنغواي، Getty)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الحادي والعشرين من تموز/ يوليو، ذكرى ميلاد الروائي الأميركي إرنست همنغواي (1899 – 1961).


ترك إرنست همنغواي، الذي تحلّ ذكرى ميلاده المئة والواحدة والعشرين اليوم الثلاثاء، حضوراً خاصاً في الثقافة العربية مع الترجمة المبكرة لأعماله وإعادة ترجمة بعضها أكثر من مرّة، وصولاً إلى صدور أعماله القصصية الكاملة مجمّعة في كتاب عن "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب" في الكويت عام 2010.

كما استحوذ الروائي الأميركي (1899 – 1961) على مزيد من الاهتمام من قِبل الساردين العرب الذين تأثّروا ببلاغته التي تعتمد التقشف اللغوي في تخلٍ عن أية زخارف وحشو زائد، وتبنّيه واقعية تبتعد عن المبالغة وتنأى عن أية مواقف أيديولوجية مسبقة، وإشراك المتلقي في السرد.

ولا يمكن إغفال أثره المتعلّق بشخصيته التي أحيطت بها أبعاد أسطورية، بالنظر إلى مشاركته في الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) وطغيان ثيمة الحرب على أعماله، وهي ضاعفت من انشغال القارئ والكاتب العربي بشخصيته وموضوعاته التي يتناولها والبنية التي يقدّم من خلالها عوالم الحرب وتداعياتها النفسية.

لم يتمكّن في النهاية من احتمال عالم تتراجع فيه الحرية والأخلاق

وتعدّ روايته "العجوز والبحر" (1952) التي تعدّدت ترجماتها، إحدى أشهر أعماله عربياً ويتحدث فيها عن صيذاد كوبي مسنّ يسمّى سانتياغو لا يتمكّن من اصطياد سمكة واحدة طوال سبعة وثمانين يوماً، ما يجعله عرضة لسخرية زملائه الصيادين وشفقتهم، إلا أنه لا يستسلم حتى وعلق صنارته في اليوم الخامس والثمانين بسمكة كبيرة يصارعها ليومين إلى أن يجرّها إلى الساحل بينما تنهش أسماك القرش بها بحيث يصل إلى البر ولم يبقى منها سوى هيكلها العظمي الهائل.

دلالات عميقة تركتها رحلة ذلك العجوز الصيّاد في أسلوب سردي بسيط وممتع في آن، لكنها تحمل تكثيفاً لمشاعره التي تصل المتلقي بيسر وسهولة، وكذلك تساؤلاته العميق حول مسائل عديدة تبدأ بالصيد وعلاقته بالبحر وتمرّ بحواراته المطوّلة مع السمكة التي يحبّها ويكنّ لها كثيراً من الاحترام ولكنه يصارعها حتى الموت، وصولاً إلى صورته الأخيرة التي حملت دلالات كبيرة لتحمّله الألم والجروح والمصاعب الجمّة من أجل معنى لا يمكن أن يُقبض عليه بسهولة بحيث تتعدّد تأويلاته في كلّ قراءة لهذا العمل الاستثنائي.

واحدة من أهم وجوه إبداعه يتصل بعمله مراسلاً صحافياً منذ عام 1918 في أوروبا لعدد من الصحف الأميركية، حيث غطّى العديد من الأحداث البارزة وأهمّها الحرب الأهلية الإسبانية، وتسللت بعص تأثيرات الصحافة على روايتاته وقصصه بشكل منحها نكهة خاصة، حيث التكنيك المبني على قصر العبارة وبساطتها وعدم لجوئه لتشبيهات ومجازات متحذلقة، إلى جانب تلك الجماية في نقل الحدث وتقديم الحقيقة من زوايا نظر مختلفة.

ينتمي صاحب رواية "لمن تقرع الأجراس" (1940) إلى جيل أحسّ بالضياع والتيه بعد الحرب العالمية الثانية، وعاش فقدان المعنى، بعد موت عشرات الملايين وجرح وإعاقة أعداد مماثلة، فكان أدبه تعبيراً عن ذلك الخوف العميق الذي لا قرار له، في رفض لكلّ أشكال الفاشية والدكتاتورية، محاولاً استكشاف الهزيمة واليأس في النفس البشرية من خلال نماذج عديدة في كتاباته، لكنه يبدو أنه لم يتمكّن في النهاية من احتمال عالم تتراجع فيه الحرية والأخلاق فأطلق النار على رأسه ليرحل في الثاني من تموز/ يوليو عام 1961.

المساهمون