دي ستيفانو ومارادونا والسمكة البريطانية (حكايات الميركاتو 1)

26 يوليو 2014
مارادونا ودي ستيفانو وراش (getty)
+ الخط -

كرة القدم عالم واسع الأركان، إنها ليست حقيقة، بل فن البحث عن هذه الحقيقة، ووضعها في قالب مثير وممتع يجعل الناس في حالة جنون مستمر، ولحظات متباينة بين الفرحة والحزن، لذلك هي اللعبة الشعبية الأولى التي تتحكم في قلوب وعقول ملايين العشاق والأنصار في جميع أنحاء المعمورة. ومع استمرار الصفقات، لا صوت يعلو فوق صوت الميركاتو، بما فيه من لحظات غريبة وقصص لا يصدقها عقل.

وإذا عدنا لكتب التاريخ وسجلات كرة القدم، علينا تذّكر روايات قديمة لمجموعة نجوم انتقلت من مكان إلى آخر في ظروف أحاطتها الغرابة، سواء عن طريق الصدفة، أو الفكاهة، أو الغموض الذي يُجبرنا على فتح الملفات القديمة مهما مرت السنوات وانتهت الذكريات.

دي ستيفانو وصراع القطبين

وفاة الأسطورة الأرجنتينية الخالدة ألفريدو دي ستيفانو مؤخراً فتح الباب من جديد حول قصة انتقاله إلى ريال مدريد واللغط الكبير الذي دار وقتها بين ريال مدريد وبرشلونة، قطبي كرة القدم الإسبانية. فإدارة البرسا تتهم دائماً تدخلات سياسية بالتأثير في دائرة صنع القرار وتعديل بوصلة اتجاه اللاعب لتنحدر إلى العاصمة بدلاً من الاقليم. ألفريدو صانع أمجاد الملكي في حقبة الخمسينات من القرن الماضي استمر في النادي حتى موته، وعبّر عن عشقه الشديد للفريق لكن الماضي من الصعب دفنه.

في تقرير حديث تم فتحه مؤخراً، أشارت وسائل الإعلام إلى قصة الصفقة القديمة. مسؤولو برشلونة آمنوا بموهبة اللاعب الرائع مبكراً، وسافروا إلى الأرجنتين من أجل التفاوض مع ناديه الأصلي ريفربليت الذي تركه دي ستيفانو نتيجة إضراب شلّ كل مفاصل الكرة الأرجنتينية ليتجه هو وغيره إلى كولومبيا وبلدان أخرى لمواصلة المسيرة مع الساحرة المستديرة، ويبدأ الطريق مع فريق ميوناريوس، إلا أن حقوق بيعه كانت ملكا للنادي الأرجنتيني.

وفي تلك الاثناء كانت الإدارة الكتالونية قد سافرت إلى بوينوس آيرس وتفاوضت مع الريفر، ووصلوا إلى اتفاق سريع وشبه حاسم بفضل وجود المحامي المحّنك راموس فارجاس.

وبقي إتمام الاتفاق مع الفريق الكولومبي، لكن لم تأت الأمور كما كان منتظرا، أرسلت الإدارة الكتالونية شخصاً يُدعى جوان بوسكيتس، وهو إسباني من برشلونة ويعيش في كولومبيا، وكان يتولى وقتها رئاسة نادي سانتا في، والذي كان يعتبر منافسا قويا لميوناريوس وقتها، لذلك حدث رفض وتعنّت من جانب النادي اللاتيني، حسبما أوردته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

وزادت الأمور تعقيداً بعدما رأى البرسا بأن الأهم في الصفقة هو ريفربليت الذي يملك بطاقة اللاعب كاملة قبل أن يتركه بسبب الإضراب العام، ليعود المسؤولون إلى الأرجنتين ويتوصلوا للموافقة النهائية، ويتم تسجيله رسمياً في الاتحاد الدولي لكرة القدم.

وكان الخبر غير السار هو رفض الاتحاد الإسباني لقيد دي ستيفانو ضمن قوائمه دون موافقة الفريق الكولومبي، ليستغل ريال مدريد الموقف ويسافر سانتياجو بيرنابيو رئيس الملكي إلى كولومبيا، وعاد وقتها ظافراً بموافقة فريق ميوناريوس، لتزيد المشاكل بين قطبي "الكلاسيكو".

ومع عدم الوصول إلى حل نهائي قرر الاتحاد الإسباني أن يلعب دي ستيفانو لكل فريق لمدة موسمين، على أن يبدأ اللاعب أول موسم مع ريال مدريد. قرار قابله الريال بالترحيب بينما رفض برشلونة، واستقال رئيسه في النهاية بعد إعلان رحيل الأرجنتيني الأشقر إلى "الميرينجي".

طالت في ما بعد اتهامات لنظام الديكتاتور الفاشي فرانكو بتدخله في الأمور لصالح جهة على حساب أخرى، ورغم عدم نجاح الكتلان في إثبات ذلك عملياً فإن صحفاً عديدة محايدة أو محسوبة على الريال أشارت إلى أن فرانكو كان مجرد مشجع تربطه صداقة عادية مع رئيس الريال، وأن الأمر لم يتطور أكثر من ذلك.

وفي النهاية بعيداً عن الأمور السياسية المعقّدة، فإن دي ستيفانو صنع مجداً استثنائياً للريال وحصد معه بطولات عديدة وعاش حتى آخر نفس له بين جنبات ملعب البيرنابيو، ليُحرم برشلونة من أحد أهم اللاعبين في خمسينيات القرن الماضي.

مارادونا وسابيا

إنه غشّاش ولص، سرق الانتصار ووصل على حسابنا إلى كأس العالم. هكذا يصف الإنجليز دييجو أرماندو مارادونا بعد المباراة الشهيرة بين الأرجنتين وإنجلترا في كأس العالم 1986، ولا شك أن مارادونا أسطورة كرة القدم ونجمها الأول على الإطلاق، لكن يكرهه البعض في بريطانيا حتى هذه اللحظة بسبب هدف "يد الله" كما أسماه النجم المثير للجدل، ودائما كان يؤكد على أنه ليس نادما أبداً على ما فعله، وأن منتخب بلاده كان الأفضل، وقدم مباراة عظيمة وفاز عن جدارة في النهاية.

خطا مارادونا نحو المجد ضمن أعظم الأندية الأوروبية في مسيرة احترافية مر خلالها ببرشلونة ثم حقق الإنجازات مع نابولي الإيطالي، قبل أن يعود ويختتم مشواره الكبير داخل مدرجات البومبونيرا، معقل بوكا جونيورز، النادي السماوي الذي استقبل دييجو بكل ترحاب وود حتى إعلان اعتزاله الأخير. ومع هذه المسيرة الأسطورية، قليلون هم من يعلمون بأن مارادونا كان قاب قوسين أو أدنى من اللعب في إنجلترا بمستهل مشواره الكروي.

تعود القصة إلى عام 1978، حينما سافر فريق شيفيلد يونايتد الإنجليزي إلى الأرجنتين في جولة كروية، وشاهد كشافو النادي الموهبة الصاعدة مارادونا مع فريق أرجنتينوس جونيورز وكان عمره حينها 18 عاماً، وقررت إدارة شيفيلد التعاقد مع اللاعب ليطلب ناديه المحلي 200 ألف جنيه إسترليني لاتمام الصفقة.

ورفضت إدارة النادي الإنجليزي، على الرغم من موافقة مارادونا وتجهيز نفسه للسفر إلى إنجلترا. وعوضاً على العودة إلى الديار دون أي تدعيم، تعاقد شيفيلد مع لاعب آخر، وسط ريفربليت مقابل 160 ألف جنيه إسترليني فقط، وكان هذا اللاعب هو إليخاندرو سابيلا، المدير الفني الحالي للمنتخب الأرجنتيني، الذي لعب مع شيفليد ثم ليدز قبل أن يعود ويصنع مجده مع فريق إستوديانتس كلاعب ثم مدرب، ويسلك مارادونا طريقاً آخر نحو النجومية بعيدا عن أراضي الإنجليز.

إيطاليا حالة خاصة

كان إيان راش هو أحد الهدافين المعروفين لفريق ليفربول وأحد أعظم اللاعبين في تاريخ الأنفيلد. وكان يلعب في مركز المهاجم الصريح في طريقة 4-4-2 الإنجليزية لتجمعه شراكة ناجحة مع كيني دالجيلش لدرجة إجبار أجيال بريطانية كثيرة على اللعب بثنائي من المهاجمين، لاعب متحرك وصانع للفرص، وآخر يسجل الأهداف، ثنائية تكررت فيما بعد مع شيرنجهام وآلان شيرار مع المنتخب الإنجليزي خلال فترة التسعينيات.

انقلب دالجليش سريعاً على صديقه راش لينتقل الأخير إلى يوفنتوس الإيطالي، وينهي فترة ناجحة للغاية مع "الريدز". اللاعب الذي سجل أهدافاً بالجملة مع ليفربول يأخذ خطوة متقدمة وينتقل إلى فريق "السيدة العجوز" وينضم إلى مدرسة مختلفة لكرة القدم. توقع الجميع تألقاً لافتاً للمهاجم الويلزي لكن جاءت الأمور بشكل عكسي ومفاجئ، فقد سجل 7 أهداف فقط في 29 مباراة خاضها مع "البيانكونيري" في ملاعب الكرة الإيطالية.

هاجم المتربصون راش كثيراً بينما دافع عنه البعض مؤكدين أن طبيعة الكرة مختلفة والدفاع الإيطالي معروف بالصلابة والعنف لذلك من الوارد عدم النجاح الكبير في أول موسم، المساحات تختلف بين إنجلترا وإيطاليا. لكن طبيعة راش العاشقة للكرة تأثرت بعض الشيء بكثرة الانتقادات حتى قرر العودة من جديد إلى الملاعب البريطانية وكأنه مثل السمكة التي لا تستطيع العيش خارج الماء.

بمجرد إعلان العودة، تفاوضت عدة أندية إنجليزية مع راش، لكن بنداً ما في عقد اللاعب بعد رحيله من الليفر وضعه من جديد على قوائم العودة إلى مدرجات الأنفيلد. خاصة "أحقية أول بيع" التي تنتشر الآن بين معظم أندية أوروبا، والتي تنص على أنه في حالة رحيل لاعب يكون لناديه السابق أولوية في الشراء مرة أخرى، وهذا ما حدث بالنص في حالة إيان راش. فكرة كانت جديدة على كرة الثمانينيات لكن مسؤولي ليفربول انتهزوها جيداً وأعادوا المهاجم إلى بيته القديم .

ويتألق النجم الإنجليزي من جديد ويلعب لثماني سنوات كاملة مع الريدز، ويسجل 90 هدفا في 245 مباراة ويقود الفريق إلى بطولة دوري جديدة، ويوقن أنصار الليفر أن بند العودة في عقد راش كان تميمة النجاح الجديد.

المساهمون