دييغو فورلان ابن الأرض الثورية.. نجم "جبل الرؤية" يرمي منديله

07 اغسطس 2019
فورلان ثالث الهدافين في تاريخ أوروغواي (Getty)
+ الخط -
في الأرض التي وقف فيها الأجداد للدفاع عن مقاطعة "بيررييناتو دل ريو دي لابلاتا" تأسست مدينة مونتفيديو التي أصبحت لاحقاً عاصمة أوروغواي، منها خرج العديد من العظماء في كافة المجالات، وكانت العاصمة التي تعني "جبل الرؤية" شاهدة على ولادة فجر أسطورة لاتينية اسمها دييغو فورلان.

في السابع من أغسطس/ آب 2019 كان القرار النهائي، فورلان يُسدل الستارة على مسيرته الحافلة بالإنجازات في عالم الساحرة المستديرة، ليضع اللمسة الأخيرة.

رمى فورلان المنديل الأبيض واستسلم، قد تشعر بذلك لحظة سماع تصريحاته الأخيرة: "اقتُرحت عليّ متابعة اللعب، اختلقت الأعذار، لم أعد قادراً على المنافسة، الأمر بات صعباً".

استمدّ فورلان قوته من مونتفيديو، يُمكنك رؤية الإصرار في عينيه، تلك الرغبة في المتابعة والقتال حتى الرمق الأخير طوال حياته، كأنه استنبط روح تلك العاصمة.

فورلان علامة فارقة في تاريخ بلاده، مما لا شك فيه أنه دائماً كان يحلم بأن يسير على خطى بعض الرموز هناك، نذكر مثلاً خوسيه جيرفاسيو أرتيغاس، الذي يُلقب بـ"والد أوروغواي"، لم يكن لاعب كرة القدم، بل قائداً ثورياً، طالب بالاستقلال عن إمبراطورية البرازيل ونجح في ذلك بحرب السيزبلاتين.

لماذا كلّ هذا التاريخ ونحن نتحدّث عن فورلان الذي ولد في 19 مايو/ أيار 1979، ويبلغ من العمر 40 عاماً... الإجابة هي أنه واحدٌ من الذين استطاعوا أن يكسبوا محبة الجماهير محلياً وعالمياً، صحيحٌ أن دييغو يأتي خلف لويس سواريز وإدينسون كافاني في ترتيب هدافي أوروغواي، لكنه يحظى بمنزلة خاصة لدى الجماهير.

لم تكن مسيرة فورلان مفروشة بالورود، هو ابن الدولي السابق بابلو فورلان. كان دييغو محباً لرياضة التنس في شبابه، لكنه قرر السير على خطى والده، بعدما تعرّضت شقيقته أليخاندرا لحادثٍ مروع، توفي على إثره صديقها، فيما بقيت هي في المستشفى لخمسة أشهر، لتصبح من ذوي الإرادة الصلبة.

في عام 1995 حين كان في سن الـ16 ذهب فورلان إلى فرنسا مع المدرب لازلو بولوني، خاض تجارب عدّة أشهر في نادي نانسي، لكن الجهاز الفني لم يوقع معه فعاد إلى قارة الحياة، إلى أميركا اللاتينية.

على إثرها لعب فورلان في عدّة أندية بأميركا الجنوبية، لكن خطوة الاحتراف كانت مع فريق إنديبندتي الأرجنتيني، فسجل له 36 هدفاً في 77 مباراة، فجذب أنظار الأندية الإنكليزية، ووافقت إدارة فريقه على بيعه لنادي ميدلزبره مقابل 6,9 ملايين جنيه إسترليني، تُدفع بنظام التقسيط، ليدخل مانشستر يونايتد على الخط بعرضه دفع الرقم عينه لكن دفعة واحدة مع رفع راتب اللاعب.

"مانشستر يونايتد نادٍ كبير، قررت الانتقال إليه، الأمر أيضاً أنهم عرضوا عليّ راتباً أعلى من مدلزبره"، جاءت هذه الكلمات بعد 4 ساعات من اجتماعٍ مع مسيري الشياطين الحمر.

هناك بدأت أولى المغامرات تحت قيادة الأسطورة السير أليكس فيرغسون، لكن الأمور لم تسر على ما يُرام، مع العلم أنه عاش بعض اللحظات الجيدة؛ منها في الأول من شهر ديسمبر/ كانون الأول، حين سجل هدفين أمام الغريم ليفربول في ديربي الكراهية، ليفوز فريقه بهدفين لواحد.

توّج فورلان بلقب الدوري والكأس والدرع، لكنه لم يُسجل العديد من الأهداف ووصفت تجربته مع الشياطين بالفاشلة من قبل الصحافة، لماذا الإعلام فقط؟ لأن الجماهير هناك دائماً ما رددت "جاء من أوروغواي ودفع scousers للبكاء"، كلمة "سكوزرز" معناها لكنة أهالي "مرزيسايد" التي يأتي منها فريق ليفربول، الهدفان كانا كافيين للبقاء طويلاً في قلوب الأنصار.


تلقى فورلان عرضين من إسبانيا على غرار ليفانتي وأثلتيك بلباو، الذي كان قريباً منه، نسبةً لانحداره من أصول باسكية، لكن فياريال خطفه في نهاية الأمر يوم 21 أغسطس/ آب 2004.

مع فريق الغواصات الصفراء سجل 25 هدفاً في موسم 2004-2005 وحصد جائزة "بيتشيتشي" في الليغا، ما خوله لمشاركة المهاجم الفرنسي تييري هنري لاعب أرسنال بجائزة الحذاء الذهبي الأوروبي.

وصل فورلان إلى نصف نهائي أبطال أوروبا مع فياريال، لكنه فشل في العبور إلى النهائي، ليغادر إلى أتلتيكو مدريد ويكتب هناك فصلاً جديداً من المتعة، فحلّ بديلاً لفرناندو توريس الذي انتقل إلى ليفربول، فاستطاع أن يُسجل 32 هدفاً في موسم 2008-2009 ليحصد الحذاء الذهبي مجدداً، لكن منفرداً هذه المرة.

توّج دييغو بلقب الدوري الأوروبي والسوبر القاري على حساب إنتر ميلان، الذي قرر ضمّه بعد مغادرة الكاميروني صامويل إيتو، لكنه لم ينجح في التكيف هناك، ليترك إيطاليا وأوروبا نهائياً، فحط رحاله لاحقاً في أندية إنترناسيونال البرازيلي وسيزيرو أوساكا الياباني وبينيارول الأوروغوياني ومومباي سيتي وكيتشي الهنديين في 2018.

وصلنا إلى الختام، لا يُمكن أن تملّ من قصة فورلان، ولا يُمكن للكلمات أن تُكتب بكل هذه السهولة، فهناك الكثير من التفاصيل التي قد تمتد لصفحات إذا ما أردنا الحديث عنها.

الفصل الأخير كان مع منتخب بلاده، إذ شارك في مونديال 2002 بكوريا الجنوبية، لكنه فشل في عبور دور المجموعات، بعدما جاء ثالثاً خلف الدنمارك والسنغال، فيما حلّت فرنسا في المركز الرابع.

في تلك البطولة واجه فورلان الفرنسي يوري دجوركاييف، ليحيي اللاعبان ما عاشه الوالدان بابلو وجان في بطولة كأس العالم 1966.

لعب لاحقاً كوبا أميركا 2004 لكنها لم تكن ناجحة، وتكرر الأمر في 2007، رغم تسجيله هدفاً في نصف النهائي أمام البرازيل، إلى أنه أهدر ركلة ترجيحية منحت السامبا بطاقة العبور إلى النهائي 5-4.

جاء مونديال 2010 في جنوب أفريقيا، وقدم فورلان أفضل مستوياته، عاش الفترة الذهبية فقاد بلاده إلى نصف النهائي قبل الخسارة أمام هولندا، لكنه في تلك النسخة سجل أهدافاً استثنائية؛ منها ضربة حرة أمام غانا، ثم هدف مميز في شباك الهولندي ستكلنبرغ وآخر أمام ألمانيا في مباراة تحديد صاحبي المركزين الثالث والرابع.


في 2011 عاش فورلان لحظات مجيدة، بعد تتويجه بلقب أقدم الكؤوس، حين توج بكوبا أميركا، ليسير على خطى والده وجده اللذين كانا حققا ذلك أيضاً، لعب بعدها دييغو بطولة كأس العالم 2014 لكنها لم تتكلل بالنجاح، ليقرر في عام 2015 اعتزال اللعب الدولي.

كان فورلان لاعباً موهوباً يعمل بجد ولديه حسّ الإبداع، صاحب نظرة أمام المرمى، سريع وذكي ومتعدد الاستخدامات والمراكز، تجده خلف المهاجمين وفي رأس الحربة وحتى كلاعب خط وسط مهاجم وجناح، تكمن قوته في التسديد بكلتا القدمين، دائماً ما أحبه المدربون لأنه كان مثابراً، ولتمتعه بحسّ المسؤولية والروح القيادية والتصميم اللامتناهي.

المساهمون