بدأت أصوات الخبراء والمواطنين والعاملين في قطاعات الاقتصاد والسياسة ترتفع، للمطالبة بحذف اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بعد إسقاط عمر البشير، الذي وقف حجر عثرة أمام إعفاء السودان من ديونه، بسبب تلك القائمة، رغم إكمال الخرطوم كل الخطوات اللازمة للوصول إلى الإعفاء.
وأصبحت ديون السودان تتراكم منذ سنوات طويلة من دون معالجة جدية لها. هذه الديون، وفقاً للاقتصادي عثمان سوار الدهب، كانت في حدود 13 مليار دولار في عام 1989، عندما استلم البشير الحكم.
وقال سوار الذهب إلى أن الديون ظلت ترتفع بالتزامن مع تراكم الفوائد، إلى أن جاء اكتشاف البترول وبدأ السودان تصديره في عام 1999، فتراجع حجم الديون، ليعود ويتزايد بعد انفصال جنوب السودان، ووصل اليوم إلى 51 مليار دولار، منها 32 مليار دولار فوائد متراكمة وجزائية بسبب التأخر في السداد.
تداعيات الانفصال
وحرك انفصال جنوب السودان في عام 2011 ملف الديون، وبدأت اجتماعات مكثفة بشأنها، إلى أن وقّعت حكومة السودان ودولة جنوب السودان، في عام 2013، على اتفاق نص على خيارين لإعفاء الديون: الأول عُرف بالخيار الصفري، بأن تقبل الدولة الأم، السودان، بتحمّل الديون لعامين يتم خلالهما الاتصال بالدائنين وتكثيف الجهود مع المجتمع الدولي لإقرار الإعفاء.
الخيار الثاني يتم اعتماده في حال فشل الأول، بأن يتم تقاسم الديون بين البلدين، وفق معايير متعددة، من بينها عدد السكان.
إلا أن كل هذه الاقتراحات والاتفاقات لم تصل إلى نتيجة، بالرغم من استيفاء الخرطوم كل الشروط المطلوبة للإعفاء.
واقع، دفع الكثير من المحللين إلى اعتبار إقرار إعفاء الديون مرتبطاً بأمور سياسية لا اقتصادية مطلوبة من الدائنين.
ويبلغ أصل الدين في السودان 19 مليار دولار، وفق مصادر "العربي الجديد"، وما تبقّى عبارة عن فوائد تراكمت بطريقة تصعّب عملية تقديرها بشكل دقيق، حتى وصلت التقديرات إلى نحو 32 مليار دولار.
وتلفت المصادر إلى أن الفوائد المتراكمة تحتاج إلى فرق فنية لمعالجتها ومعرفة تفاصيلها، وذلك لتوضيح آلية اعتماد "الخيار الصفري" عقب انفصال دولة جنوب السودان، وذلك كجزء من إيجاد حلول لمعالجة الديون الخارجية.
ولم يتوصل الطرفان في الخرطوم وجوبا إلى حلول أو نتائج إيجابية حتى اليوم. ويرى العديد من الاقتصاديين السودانيين، ومنهم حسن أحمد طه، أن الخيار الثاني هو الأنسب في ما يتعلق بتقسيم الديون بين الدولتين (السودان وجنوب السودان) وفقاً لأسس محددة من ضمنها: أين صُرفت تلك الديون، وحجم السكان، وحجم الاقتصاد في الدولتين.
ويشرح طه، لـ"العربي الجديد"، أن أفضل سيناريو ممكن اعتماده هو أن يتحمل جنوب السودان نسبة تتراوح بين 20 في المائة و30 في المائة من الديون، والباقي يكون على عاتق حكومة السودان، وذلك وفقاً للأسس المطروحة أعلاه.
آليات الإعفاء
يقول خبير الاقتصاد الدولي الدكتور التجاني الطيب، إن إعفاء الدول من الديون الخارجية له آلياته.
ويلفت إلى أن الولايات المتحدة ليست لها علاقة بالديون نهائياً. ويشرح أن هناك ديون أسبقية غير قابلة للخصم أو الإعفاء، وعلى الدولة دفعها أولاً، توطئةً لمعالجة الديون الأخرى، وهذه الديون قيمتها مليارا دولار، مقسّمة بين مليار دولار لصندوق النقد الدولي، ومليار دولار للبنك الدولي.
ويتابع الطيب أنه "إذا أردنا معالجة الموضوع، والوصول إلى مرحلة الإعفاء، علينا أولاً أن ندفع الملياري دولار.
أما الخطوة الثانية فتقوم على أن تطلب الدولة من صندوق النقد الدعوة إلى عقد اجتماع لنادي باريس، تناقش فيه الديون الثنائية الرسمية (من دون ديون دول الخليج العربي)".
ويردف: "لكنك لن تستطيع الذهاب إلى نادي باريس من دون دعم سياسي، واتفاق داخلي على هذا الخيار".
ويؤكد الطيب أن نادي باريس لديه الحق في الإعفاء من الديون جزئياً أو كلياً وفق شروط يحددها، ويضع آلية للتعاون مع بقية الديون المستحقة على السودان.
ودول نادي باريس مجموعة غير رسمية مكونة من مسؤولين ماليين ممولين من 20 دولة تقدم خدمات مالية، مثل إعادة جدولة الديون أو تخفيض الفائدة عليها، وإلغاء الديون، والتوسط بين الدول المثقلة بالديون ودائنيها.
ويقول الطيب إن السودان ظل على مدى خمسة عشر عاماً يعمل على برنامج الإصلاح الاقتصادي المراقب بواسطة موظفي صندوق النقد الدولي وليس بواسطة مجلس محافظي الصندوق، وهذا الأمر ليس له معنى ولن تستفيد منه الدولة.
ويلفت إلى أنه إذا أرادت الحكومة جني فوائد الإصلاح عليها الجلوس مباشرة مع مجلس المحافظين في الصندوق.
وفيما يتعلق ببرنامج الحقوق المتراكمة في الصندوق، يشير الطيب إلى أن هذا البرنامج يتم تفعيله بعد عدة برامج يتم التعاون فيها مع الصندوق، ويأخذ السودان نقاطاً فيما يتعلق بتنفيذ الإصلاحات، والنقطة تساوي مبلغاً معيناً، إلى أن يتم جمع نقاط كافية تساوي حجم الدين المراد الإعفاء منه.
ويلفت الطيب إلى أنه في ما يتعلق بدين صندوق النقد، تتم المعالجة من خلال موافقة عدد من الأعضاء على دفعه للصندوق، على أن يسدد البلد المدين المبلغ خلال فترة سماح جديدة وشروط جديدة، بشكل لا يُعفى منه وإنما يتم تأجيل سداده.
ويقول الطيب إن هذا برنامج طويل ويأخذ سنوات، وهذا جزء من الحل، "وظللنا في السودان 15 عاماً، ولم نستطع إقناع الصندوق بالانتقال إلى برنامج الحقوق المتراكمة، وبقينا نتفاوض مع الجهات غير المعنية على حساب السودان ومصالحه".
خلفيات سياسية
ويعتبر وزير المالية الأسبق علي محمود، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، أن البنك الدولي وصندوق النقد مؤسستان غير مستقلتين، تتبعان سياسات الولايات المتحدة وأوروبا، خاصة فرنسا.
ويلفت إلى أنه "في آخر مرة، تم اقتراح تشكيل لجنة فنية من قبل مسؤول أميركي لإسقاط ديون السودان في عام 2010، في مقابل تنظيم الاستفتاء. نحن نعلم أن الأمر سياسي، تريد أميركا أن تفرض شروطها علينا".
ويرى محمود أن قرار إعفاء وتخفيف عبء الدين، منوط بمجموعة الهيبك (مبادرة خاصة بإعفاء الدول المثقلة بالديون أطلقتها جهات الإقراض الدولية)، التي تعمل على إسقاط الفوائد وتخفيضها، على أن يسدد الدين خلال الأربعين عاماً المقبلة.
ويشرح أن السودان مصنف من بين أكثر الدول الواقعة تحت الديون التي تجاوزت سقف الهيبك بحوالي أكثر من 200 في المائة، واستوفى الشروط الفنية الخاصة بالمعالجة، وما تبقى من خطوات يرتبط بقضايا سياسية حصراً.