دينا الوديدي: "منام" يطرح موسيقى بديلة

01 أكتوبر 2018
تجربة شيقة في تكسير القواعد (فيسبوك)
+ الخط -
دينا الوديدي واحدة من مطربات الموسيقى البديلة، والتي تحاول بكلّ قدراتها تقديم موسيقى بديلة حقاً، بعيداً عن السائد في السوق التجاري، أو حتى في سوق "الأندرغراوند". في ثاني ألبوم لها، بعنوان "منام" صدر قبل أيام، بعد حوالي أربع سنوات من صدور ألبومها الأول، تدور الوديدي وترجع صدى لألبومها الصادر عام 2014.

في هذا الألبوم، لم تقف الوديدي عند تقديم أغان أو ألبوم، لكنها تدخل إلى عالم المشروعات الموسيقية، في تجربة وتحد جديد عليها. وهذا الألبوم، يوضح أنها اختارت أن تسير في الطريق الأصعب والأقل جماهيرية. أي أنَّها اختارت شيئاً جديداً، وأرادت تقديمه للجمهور، في تجربةٍ تُعتبَر مغامرة بكل تأكيد، خاصة مع الجمهور المصري والعربي، وهو الجمهور الذي لا يستسيغ بسهولة أي موسيقى جديدة، إذْ إنه يحمل في وعيه وأذنه شكلاً مُحدداً للغناء، ويصاب بالصدمة عند خروج المطربين عنه، ويعتبر أي تجديد نوعاً من أنواع الإساءة، لا تجربة أو تجديداً أو مغامرة. وهذه المغامرة يجب أن تقدر بسبب ما تفعله في سوق الموسيقى المصرية، لأنها تقذف بالحجارة في مياه راكدة، وتكتب اسمها في عالم الموسيقيين أصحاب المشاريع الخاصة، والتي تحمل رؤية ذاتية، وتحاول التعبير عنها بالموسيقى والغناء. أيضاً، لا بد من رصد كل ما تحمل التجربة من أخطاء أو عدم توفيق. فكل تجربة تحمل أخطاءً، وهي أخطاء مفيدة أكثر منها مضرة بالعمل أو للفنان. الفنان الذي يبحث عن الجديد، ويبحث عن عملية الخلق نفسها.



بداية، جاءت فكرة ألبوم بطلب من موقع "المدينة" إلى الوديدي لتسجيل شريط صوت من داخل القطار وما حوله، من أصوات القطار نفسه، وأصوات المحطة وإذاعتها الداخلية، وأصوات البائعين داخل وخارج المحطة، إلى جانب أصوات المارين فيها. من هنا انبثقت الفكرة للوديدي، في استخدام الشريط الصوتي كموسيقى أساسية في ألبومها الجديد. واستمر العمل على الألبوم لمدة سنتين ونصف، كانت عبارة عن رحلة داخل عالم الموسيقى، ليس فقط في الكلمات والألحان، ولكن أيضاً في الإنتاج الموسيقي، كما أشارت الوديدي نفسها على غلاف الألبوم. يعيش المستمع مع الألبوم رحلة مدتها نصف ساعة، يعبر من خلالها 7 محطات، هي أغاني الألبوم. فقط المحطة الأولى والتي تحمل اسم الألبوم لا تحتوي على كلمات، هي مقدمة موسيقية، تعبر من خلالها إلى الرحلة ما بين اليقظة والأحلام، تحاول فيها الوديدي التعبير عن قضايا ذاتية وهواجس، من خلال تقاطع الزمن مع شريط الصوت والكلمات والموسيقى. مزجت الفنانة بين كل هذه العوامل، حتى يكون لها في النهاية ألبوم يحمل تجربة موسيقية جديدة وذاتية.



جاء الألبوم كلّه في مقطعٍ موسيقي مُتّصل، قبل أن توضع كل أغنية منفصلة. مع المقطع المتصل، ترى حقاً أهمية شريط الصوت المستمر في الخلفية طوال مدة الألبوم. شريط الصوت ينقلك إلى عالم الواقع، عالم يتحرك في محورين، محور عالم القطار، ومع ما يحمل من فكرة السفر والترحال والزحام والضوضاء، والمحور الآخر يتجول بداخلك، داخل هواجسك وهمومك ومشاحناتك مع ذاتك، بين الخروج عن المسار والقضبان، أو الالتزام بخط السير حتى تصل بأمان.



بين الأحلام والعلاقات العاطفية والمرض كالصداع المزمن، وفكرة الوطن والسجن والعشق الصوفي، كانت الرحلة مع الوديدي. كلمات الأغاني تارة جيدة، وتارة ضعيفة. الكلمات في الألبوم تحمل كمَّاً كبيراً من التجريب، كما في فكرة الألبوم والموسيقى. أداؤها يتذبذبُ من محطّة إلى أخرى، تذبذب يمكن أن ترى فيه فشلاً في أوَّل مرة استماع، ثم تبدأ في اكتشافه أكثر في المرات التالية. كما أن المستمع يتعرَّف على شخص لأول مرة، وتدريجياً يبدأ في معرفته أكثر، وفهم وجهات نظره.

الموسيقى أقرب في البداية إلى موسيقى "الأمبينت"، وكأنه دخول إلى عالم الأحلام، عالم الهواجس وأحلام اليقظة. هي حقاً رحلة في قطار، نوم في قطار، يقوم المستمع مرهقاً منها، مصابا بالصداع. يصحو مفزوعاً كل بضع دقائق على صوت أحد أو مشاجرة أو أصوات الإذاعة الداخلية أو أحد البائعين، وتنقل إليك الموسيقى العالم الآخر، العالم المشتعل بداخلك، كل ما تفكر فيه وقت رحلتك في القطار. الموسيقى والتوزيع ينقلان إليك كل هذه الأجواء من ألات الإيقاع والآلات الوترية، وأداء الوديدي الذي يحمل في كثير من الأوقات أجواء من الصراخ، وكأنه حقاً ما يدور في ذهنك، رغم كل يظهر عليك من هدوء.

يحمل الألبوم تشابهاً مع أجواء أغاني، كاميليا جبران، وهو أمر مفهوم، فكاميليا هي المعلمة الأولى لهذا الجيل، وقد شكرتها دينا على غلاف الألبوم. وكاميليا هي المطربة الأهم في نقطة التجريب والمغامرة وتقديم مشاريع غنائية جديدة على الساحة الموسيقية في الوطن العربي. وواضح أن دينا نضجت فنياً، وبدأت في استخدام الآلات الموسيقية للتعبير عن الحالة الموسيقية، وكيف تصبح الموسيقى وكأنها شريط صوت والعكس، كيف لشريط الصوت أن يصبح عملاً موسيقياً. في النهاية، نحن أمام تجربة شيقة للوديدي في التجريب وتكسير القواعد، وخلق مشروع موسيقي خاص بها، هكذا تخلق الموسيقى الجيدة، وليس بإعادة التدوير والإنتاج دون تقديم أي جديد يذكر.
دلالات
المساهمون