ديالا برصلي..أطفال سورية يطيرون خارج المخيمات

22 يوليو 2015
الحياة هي في مكان آخر (العربي الجديد)
+ الخط -
تطارد الفنانة السورية، ديالا برصلي (35 عاماً)، الأطفال السوريين اللاجئين في دول الجوار قدر استطاعتها، تلحق بهم إلى خيامهم المتناثرة في لبنان، وصولاً إلى تركيا، حاملة معها فراشيها وألوانها، وعناداً عذباً لمساعدتهم في مواجهة الألم الذي يعيشونه.

تقول ديالا لـ"العربي الجديد"، إن البيئة التي بات يحيا فيها الطفل السوري اليوم، لا سيما اللاجئين منهم داخل المخيمات، هي بيئة فقيرة بصرياً، تكاد أن تكون معدمة الألوان، كل شيء فيها كالح، جدران الخيم التي يقطنونها، الأرض والسماء وحتى الآفاق.

غادرت ديالا دمشق قبل عامين، وكانت قبل ذلك تسعى جاهدة، ومن خلال فنها، إلى العمل داخل منطقة الغوطة، غير أن الوضع الكارثي فيها، والحصار المطبق عليها، أجبرها على ترك مشروعها هناك، فحاولت إتمامه في لبنان، مستقرها المؤقت ككثير من السوريين.

بدأت الرسم على جدران مدرسة لأبناء الشهداء في منطقة البقاع، فتوالت من بعدها العروض عليها من مؤسسات المجتمع المدني المعنية باللاجئين، يدفعون لها ثمن الألوان والمواصلات، وتعمل هي كمتطوعة، حتى أنها تبيت أحياناً في المخيم توفيراً لأجور المواصلات، كل ذلك مقابل قطف بسمات على وجوه أطفال، حالت مواسم الحرب والتشرد والعنف المتلاحقة، دون نضوجها..فواجهتها ديالا بعناد وحب لا يستكينان.

تؤكد ديالا لـ"العربي الجديد"، أن الحرب ليست وحدها من يجلد الأطفال، بل تبعاتها، والعنف المتعاقب على الأجيال، حيث الآباء هنا لا يكفون عن تعنيف الأطفال، وإنهم وبسبب أوضاعهم والظروف البائسة المفروضة عليهم، شركاء بشكل أو بآخر في سرقة طفولة أبنائهم، إذ يفضلون إرسال أبنائهم للعمل في الأرض، مقابل حفنة نقود، على أن يلعبوا أو يرسموا أو أن يتعلموا.

تنقل ديالا لهفة فتاة لم تتجاوز العاشرة من عمرها، داخل مخيم في لبنان، إذ فاجأتها، ذات يوم، قائلة: "أرجوك..دعينا نرسم في الحال، أريد أن أكمل لوحتي قبل أن يحين موعد الذهاب إلى الأرض لقَطف البطاطا". الأطفال يحاولون سرقة الوقت كي يعيشوا طفولتهم، بينما تآمر عليهم كل شخص وكل شيء، بما فيه الهواء، ليسرق طفولتهم.

ترصد العين، في ما ترسمه فنانة "الإينميشن" التي عملت مع "سبيستون" أعواماً طويلة، أطفالاً لا يكفون عن الطيران في مزيج ما بين الخيال وقواعد التنشئة السليمة، يطيرون وهم يغسلون أيديهم بالصابون، وهم يغسلون أسنانهم، وهم يقرأون كتاباً، وهم يجرون التجارب العلمية، وهم يعزفون، وهم يرسمون وهم يلعبون.

يطيرون في السماء وعلى الأرض وحتى في الماء، وعن ذلك تخبرني ديالا بصوت مليء ببحة القهر: "أريد للأطفال السوريين أن يطيروا خارج هذه المخيمات البائسة، ألا يبقوا سجناء فيها، أريدهم أن يعلموا أن الحياة هي في مكان آخر، ..ذات مرة سألتهم أي مكان أحب إلى قلوبكم؟..قالوا لي: المخيم، فبكيت".

دلالات
المساهمون