13 فبراير 2022
دونالد ترامب... كابوس الجمهوريين
في السادس عشر من يونيو/حزيران الماضي، أعلن رجل الأعمال الأميركي الشهير، دونالد ترامب، نيته الترشح لانتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة في 2016. ومنذ ذلك الوقت، أصبح ترامب حديث وسائل الإعلام الأميركية، وتحتل أخباره مساحة مهمة من نشرات الأخبار والصفحات الأولى للجرائد الأميركية الكبرى. عندما أعلن ترشحه، لم يأخذه كثيرون على محمل الجد، واعتبروا الإعلان مجرد مزحة جديدة، وتكراراً لما فعله في الدورة الماضية، حين قال بعضهم إنه سوف يترشح ضد الرئيس الحالي، باراك أوباما، ولم يفعل. ولكن، في الأسابيع القليلة الماضية، تحول ترامب إلى ظاهرة سياسية وإعلامية، خصوصاً مع ارتفاع نسبة التأييد له فى استطلاعات الرأي، والتي جاءت عكس توقعات كثيرين. فحسب أحدث استطلاعات الرأي التي أجرتها شبكة "سي.إن.إن" الأميركية، فإن ترامب يتقدم علي باقي مرشحي الحزب الجمهوري، وفي مقدمتهم جيب بوش، الحاكم السابق لولاية فلوريدا، والذي كان بعضهم يعتبره، قبل ظهور ترامب، المرشح المفضل لدى الجمهوريين.
يحاول بعضهم، الآن، تفسير ظاهرة ترامب، ومعرفة ليس فقط حظوظه في الفوز ببطاقة الحزب الجمهوري، وإنما أيضا سرّ صعوده السريع ومدى قناعة الأميركيين به رئيساً محتملاً للولايات المتحدة. ولعل ما يجذب أميركيين باتجاه ترامب أنه "مختلف"، ويسير عكس التيار. فالرجل، على غير باقي المرشحين الجمهوريين، لم يعمل بالسياسة بالمعني الفني. أي أنه لم يمارس عملاً سياسياً مباشراً، سواء من خلال الكونغرس أو الحكومة الفيدرالية أو حتى على مستوى الولايات. وإنما يأتي من عالم البيزنس والتجارة. فهو من أبرز رجال الأعمال الذين صعدوا إلى الواجهة في العقود الثلاثة الماضية، بعد أن ورث، مع إخوته، شركات والده وتجارته في مجال العقارات، واستطاع أن يوسع تجارته، لتضم مجالات أخرى، كالتجارة والمال والإعلام والرياضة...إلخ. بل أصبحت "ترامب" علامة تجارية، يتم بيعها بحوالي 200 مليون دولار. وعلى الرغم من عدم وجود تقدير حقيقي لثروة ترامب، إلا أنه أعلن، قبل أسابيع، أنها تقدر بحوالي 10 مليارات دولار، وهو ما يراه بعضهم رقماً كبيراً، وغير حقيقي.
معروف عن ترامب أنه متهور ومندفع في تصريحاته، ولعل ذلك جزء من جاذبيته لدى أميركيين كثيرين يعشقون كل ما هو غير نمطي، حيث يغرد دائماً خارج السياق المعتاد، ولا يحسب كلماته، كالساسة المخضرمين، وإنما يتعمد التهكم عليهم، وعلى سياساتهم. وهو يتبع سياسة الهجوم على الخصوم والمنافسين، مثلما يفعل الآن مع منافسه الأبرز جيب بوش، وهو يضيف بتصريحاته مزيداً من الإثارة والإعجاب لدى شريحة من الناخبين الأميركيين، يبحثون دائماً عما هو جديد ومختلف في عالم السياسة.
لم يترك أحداً إلا وتهكم عليه، مثلما فعل، قبل أسابيع، مع جون ماكين، أحد رموز الحزب الجمهوري، والمرشح الأسبق للرئاسة الأميركية عام 2008، حين طعن ترامب في رمزيته ومصداقيته، كأحد المحاربين القدامى في حرب فيتنام. والمعروف أن الأخير حارب، وأُسر في تلك الحرب خمس سنوات، ما أثار انتقادات عاصفة ضد ترامب، في الصحافة الأميركية، خصوصاً صحيفة واشنطن بوست التي تخلت عن رصانتها، وهاجمت ترامب بعنوان عريض، مفاده أنه في الوقت الذي كان فيه ماكين يتعرض فيه للخطر في فييتنام، كان ترامب يتجول بسيارته التي اشتراها له والده في شوارع نيويورك. بل يقول بعضهم إن ترامب تهرب من أداء الخدمة العسكرية في السبعينات، خوفاً من الذهاب إلى الحرب في فييتنام.
الأكثر غرابة أن ترامب لا يزال متقدماً في استطلاعات الرأي، بعد المناظرة التلفزيونية التي جمعت معظم المرشحين الجمهوريين، قبل أسبوع، وهاجم فيها ترامب المذيعة في شبكة فوكس نيوز، ميغان كيلي، بألفاظ صدمت كثيرين. وعلى الرغم من ذلك، لم يوقف ترامب الذي يتبع استراتيجية "الهجوم خير وسيلة للدفاع". والعجيب أنه لم يعتذر عن هذه التصريحات، بل تمادى فيها.
تنبع سرّ قوة ترامب، أيضاً، من استقلاله المالي إلى حد بعيد، ما يجعله لا يعبأ كثيراً بالحسابات السياسية، فالمال يلعب دوراً مهماً وحاسماً في الانتخابات الأميركية، حيث يمارس رجال الأعمال الكبار وجماعات الضغط (اللوبيات) دوراً مهما فى تحديد أجندة المرشحين، بيد أن ترامب الذي قال إنه مستعد لإنفاق مليار دولار على حملته الانتخابية يبدو متحرراً من تأثير رجال البيزنس عليه، وعلى آرائه.
إيديولوجياً، يمثل ترامب تيار "يمين اليمين" في الحزب الجمهوري، وهو أقرب إلى مجموعة حزب الشاي التي ظهرت في الانتخابات الماضية، وسعت بكل قوة لإسقاط باراك أوباما. وهو يصوّر نفسه ممثلاً للقيم الجمهورية المحافظة، في ما يتعلق بقضايا الهجرة غير الشرعية والاقتصاد والإجهاض والحرب على الإرهاب. وهو، وإن كان لا يحمل أجندة سياسية واقتصادية واضحة المعالم، إلا أن أداءه يزداد ثقة بمرور الوقت، ويبدو أنه سيمثل كابوساً مزعجاً حقيقياً للجمهوريين، وإن لم يكن جاداً في ترشحه للرئاسة.