فرضت التغيرات التي صاحبت الصدمة النفطية الأولى عام 1973 والصدمة النفطية الثانية بين 1979 و1980 وانطلاق شرارة الحرب العراقية الإيرانية أواخر عام 1980، على الدول العربية الست في الخليج العربي أن تلتقي حول مشروع يضمن لها أمنها بمفهومه الشامل (الأمن الاستراتيجي والاجتماعي الاقتصادي وحتى الغذائي). ولربما استلهمت هذه الدول فكرة التكتل الاقتصادي الاستراتيجي من التجربة التي بدأت بوادر نجاحها بالظهور آنذاك؛ وهي تجربة السوق الأوروبية المشتركة.
ما يميز الاتحاد الأوربي عن مجلس التعاون، أن خطى التكامل الاقتصادي كانت عند الأوروبيين أكثر رسوخاً متجاوزين الكثير من الآلام التي صاحبت عملية الاندماج، بالإضافة إلى أنها اعتمدت على اقتصادات متنوعة على رأسها قطاع صناعي عمره من عمر الثورة الصناعية، في حين أن التكامل بين دول الخليج الست انطلق مع بدايات مرحلة تدفق الثروة النفطية على اقتصادات كانت تعاني من شح في البنى التحتية، وقطاع تعليمي وليد، وفي ظل اضطرابات سياسية محيطة تهدد وجود هذه الدول.
وقعت الدول الست اتفاقية للتكامل الاقتصادي في عام 1981 وكان من أبرز أهدافها:
•تحقيق المواطنة الاقتصادية لمواطني دول المجلس.
•تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس، وفق خطوات متدرجة، بدءا من منطقة التجارة الحرة، ثم الاتحاد الجمركي، ثم استكمال السوق الخليجية المشتركة، وانتهاء بالاتحاد النقدي والاقتصادي وإقامة المؤسسات المشتركة اللازمة لذلك.
•تقريب وتوحيد الأنظمة والسياسات والاستراتيجيات في المجالات الاقتصادية والمالية والتجارية.
•ربط البنى الأساسية بدول المجلس، ولا سيما في مجالات المواصلات والكهرباء والغاز، وتشجيع إقامة المشاريع المشتركة.
اتفاقية 1981: حلم الكيان الخليجي الواحد
وعلى ذلك انطلقت المرحلة الأولى لتأسيس الكيان الاقتصادي الخليجي وبدأت خطوات التوحيد العملية عبر:
1-إقامة منطقة التجارة الحرة في 1983، الأمر الذي أدى عبر خطوات متتالية إلى تحرير التبادل التجاري بين الدول الست المكونة لمنطقة التجارة الحرة، وتم إلغاء الرسوم الجمركية للسلع المنتجة محلياً ومعاملتها معاملة السلعة الوطنية.
2-تأسيس مؤسسات أنيط بها رعاية ودفع العمل الاقتصادي المشترك، ومنها مؤسسة الخليج للاستثمار وهيئة الربط الكهربائي والمكتب الفني للاتصالات وهيئة التقييس.
3-توحيد القوانين والأنظمة في المجالات الاقتصادية، وبلغ عدد القوانين بحدود 40 قانوناً لغاية 2013.
4-عملت دول مجلس التعاون بشكل حثيث في مجالات الربط الكهربائي والبنى التحتية للمواصلات والاتصالات والعمل على تنفيذ مشروع سكة حديد.
5-أيضاً، كان للقطاع المصرفي حضور قوي في أجندات التعاون الخليجي، حيث تم العمل باستمرار من أجل الوصول إلى تكامل نقدي خليجي، وجرى تأسيس الشبكة الخليجية للربط بين شبكات الصرف الآلي.
6-من الملفات البارزة تنسيق المواقف على الساحة الاقتصادية الدولية والتفاوض الجماعي والحوار مع الدول والمجموعات الاقتصادية خاصة مع الاتحاد الأوروبي، حيث شهدت السنوات الماضية اجتماعات تنسيقية بين التكتلين، تعثرت أحياناً وتقدمت أحياناً، وكذلك مع الولايات المتحدة واليابان والصين.
اتفاقية مسقط: من التنسيق إلى التكامل
الخطوة التنسيقية المهمة كانت عبر الاتفاقية الاقتصادية لعام 2001، التي جاءت استجابة للمتغيرات وتلبية للحاجة إلى التقدم خطوات أوسع نحو التكامل الاقتصادي بعد تحقيق نجاحات معتبرة على الصعيد التنسيقي، ونصت اتفاقية مسقط لعام 2001 على ضرورة الانتقال من مرحلة منطقة التجارة الحرة إلى الاتحاد الجمركي، بمعنى أن تصبح المنطقة كياناً جمركياً واحداً، كما أكدت على تنسيق المواقف والتفاوض المشترك مع الكتل الاقتصادية الأخرى.
وأكدت الاتفاقية على الخطوات التوحيدية الاقتصادية الأخرى، ولا سيما الاتحاد النقدي والتكامل الإنمائي (التنموي) ولا سيما في مجلات البنية التحتية، ومنها النقل والاتصالات والتجارة الإلكترونية وتنمية الموارد البشرية، ولم تغفل الاتفاقية عن موضوعات البحث العلمي وحماية حقوق الملكية الفكرية.
ومن أبرز النتائج الإجرائية للاتفاقية قيام الاتحاد الجمركي في 2003 والذي قضى بتوحيد التعرفة الجمركية وحرية انتقال السلع بين دول المجلس. كذلك تأسيس المجلس النقدي في 2010 وهو بمثابة نواة المصرف المركزي الخليجي، وكاد المشروع أن يخطو خطوات سريعة لولا عقبات إجرائية تتعلق بدولة المقر وعدم جاهزية سلطنة عمان للاتحاد النقدي، من ناحية أخرى، تم في 2012 التوقيع على وثيقة المعايير الاسترشادية للقرابة المصرفية الموحدة على أن تصبح ملزمة بعد سنتين من التطبيق والمراجعة.
الاتحاد النقدي: خطوة نحو الأمام
يعتبر التكتل الاقتصادي الخليجي مرشحاً طبيعيا لتحقيق الاتحاد النقدي، ويعود ذلك إلى تشابه هياكل دوله الاقتصادية والاجتماعية وحتى نظمها السياسية واستقرارها عبر عشرات السنين، ما يسهل عملية الانتقال السلس إلى مرحلة توحيد السياسة النقدية وسك العملة الخليجية الموحدة. كما لا تعاني دول المجلس من معدلات تضخم مرتفعة أو عجز في موازناتها الحكومية، ولا حتى من مشاكل في علاقاتها الدولية مثل عجز الميزان التجاري أو من مشكلة المديونية، وعلى العكس من ذلك، فإن أغلبها تتوفر على احتياطيات هائلة من النقد الأجنبي، لذلك لا يبدو أي تكتل أقرب إلى تحقيق التكامل النقدي كما هو الحال في مجلس التعاون، ودخل النظام الأساسي للمجلس النقدي الخليجي حيز التنفيذ في مارس/آذار 2010 وعقد أول اجتماع لمجلس إدارته في 30 منه بالرياض.
الربط السككي: خطوة نحو الاندماج
يعتبر الربط السككي أحد أهم أدوات الربط الاقتصادي للمحطات، والمناطق التي تمر بها قطارات نقل الركاب والبضائع. ويتضمن هذا الربط الاقتصادي ربطاً اجتماعياً أعمق وصولاً إلى تعزيز ما يطلق عليه الخليجيون بالمواطنة الاقتصادية. والتي تعني، فيما تعنيه، تسهيل انتقال الأفراد وتمكين التملك العقاري والرأسمالي بين مواطني دول مجلس التعاون، بالإضافة بإجراءات تسهيلية خاصة للمقيمين في بلدان المجلس.
دخلت دول الخليج مرحلة إعداد التصاميم الهندسية التفصيلية لمشروع الربط السككي في 2009 بعد أن كان المشروع قد أقر في الكويت عام 2003، وتسعى دول المجلس إلى تنفيذ المشروع وتشغيله في 2018، بما في ذلك ربط البر الخليجي بالبحرين، عبر هيئة جسر الملك فهد الذي يربط بين السعودية والبحرين.
يبقى هناك الكثير ما يمكن قوله واستعراضه، ولكن الأمل الحقيقي معقود على أن تكون هذه التجربة التكاملية دليل عمل عملي لكيان اقتصادي عربي أوسع وأشمل.
*أكاديمي سوري- جامعة القصيم في السعودية
ما يميز الاتحاد الأوربي عن مجلس التعاون، أن خطى التكامل الاقتصادي كانت عند الأوروبيين أكثر رسوخاً متجاوزين الكثير من الآلام التي صاحبت عملية الاندماج، بالإضافة إلى أنها اعتمدت على اقتصادات متنوعة على رأسها قطاع صناعي عمره من عمر الثورة الصناعية، في حين أن التكامل بين دول الخليج الست انطلق مع بدايات مرحلة تدفق الثروة النفطية على اقتصادات كانت تعاني من شح في البنى التحتية، وقطاع تعليمي وليد، وفي ظل اضطرابات سياسية محيطة تهدد وجود هذه الدول.
وقعت الدول الست اتفاقية للتكامل الاقتصادي في عام 1981 وكان من أبرز أهدافها:
•تحقيق المواطنة الاقتصادية لمواطني دول المجلس.
•تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس، وفق خطوات متدرجة، بدءا من منطقة التجارة الحرة، ثم الاتحاد الجمركي، ثم استكمال السوق الخليجية المشتركة، وانتهاء بالاتحاد النقدي والاقتصادي وإقامة المؤسسات المشتركة اللازمة لذلك.
•تقريب وتوحيد الأنظمة والسياسات والاستراتيجيات في المجالات الاقتصادية والمالية والتجارية.
•ربط البنى الأساسية بدول المجلس، ولا سيما في مجالات المواصلات والكهرباء والغاز، وتشجيع إقامة المشاريع المشتركة.
اتفاقية 1981: حلم الكيان الخليجي الواحد
وعلى ذلك انطلقت المرحلة الأولى لتأسيس الكيان الاقتصادي الخليجي وبدأت خطوات التوحيد العملية عبر:
1-إقامة منطقة التجارة الحرة في 1983، الأمر الذي أدى عبر خطوات متتالية إلى تحرير التبادل التجاري بين الدول الست المكونة لمنطقة التجارة الحرة، وتم إلغاء الرسوم الجمركية للسلع المنتجة محلياً ومعاملتها معاملة السلعة الوطنية.
2-تأسيس مؤسسات أنيط بها رعاية ودفع العمل الاقتصادي المشترك، ومنها مؤسسة الخليج للاستثمار وهيئة الربط الكهربائي والمكتب الفني للاتصالات وهيئة التقييس.
3-توحيد القوانين والأنظمة في المجالات الاقتصادية، وبلغ عدد القوانين بحدود 40 قانوناً لغاية 2013.
4-عملت دول مجلس التعاون بشكل حثيث في مجالات الربط الكهربائي والبنى التحتية للمواصلات والاتصالات والعمل على تنفيذ مشروع سكة حديد.
5-أيضاً، كان للقطاع المصرفي حضور قوي في أجندات التعاون الخليجي، حيث تم العمل باستمرار من أجل الوصول إلى تكامل نقدي خليجي، وجرى تأسيس الشبكة الخليجية للربط بين شبكات الصرف الآلي.
6-من الملفات البارزة تنسيق المواقف على الساحة الاقتصادية الدولية والتفاوض الجماعي والحوار مع الدول والمجموعات الاقتصادية خاصة مع الاتحاد الأوروبي، حيث شهدت السنوات الماضية اجتماعات تنسيقية بين التكتلين، تعثرت أحياناً وتقدمت أحياناً، وكذلك مع الولايات المتحدة واليابان والصين.
اتفاقية مسقط: من التنسيق إلى التكامل
الخطوة التنسيقية المهمة كانت عبر الاتفاقية الاقتصادية لعام 2001، التي جاءت استجابة للمتغيرات وتلبية للحاجة إلى التقدم خطوات أوسع نحو التكامل الاقتصادي بعد تحقيق نجاحات معتبرة على الصعيد التنسيقي، ونصت اتفاقية مسقط لعام 2001 على ضرورة الانتقال من مرحلة منطقة التجارة الحرة إلى الاتحاد الجمركي، بمعنى أن تصبح المنطقة كياناً جمركياً واحداً، كما أكدت على تنسيق المواقف والتفاوض المشترك مع الكتل الاقتصادية الأخرى.
وأكدت الاتفاقية على الخطوات التوحيدية الاقتصادية الأخرى، ولا سيما الاتحاد النقدي والتكامل الإنمائي (التنموي) ولا سيما في مجلات البنية التحتية، ومنها النقل والاتصالات والتجارة الإلكترونية وتنمية الموارد البشرية، ولم تغفل الاتفاقية عن موضوعات البحث العلمي وحماية حقوق الملكية الفكرية.
ومن أبرز النتائج الإجرائية للاتفاقية قيام الاتحاد الجمركي في 2003 والذي قضى بتوحيد التعرفة الجمركية وحرية انتقال السلع بين دول المجلس. كذلك تأسيس المجلس النقدي في 2010 وهو بمثابة نواة المصرف المركزي الخليجي، وكاد المشروع أن يخطو خطوات سريعة لولا عقبات إجرائية تتعلق بدولة المقر وعدم جاهزية سلطنة عمان للاتحاد النقدي، من ناحية أخرى، تم في 2012 التوقيع على وثيقة المعايير الاسترشادية للقرابة المصرفية الموحدة على أن تصبح ملزمة بعد سنتين من التطبيق والمراجعة.
الاتحاد النقدي: خطوة نحو الأمام
يعتبر التكتل الاقتصادي الخليجي مرشحاً طبيعيا لتحقيق الاتحاد النقدي، ويعود ذلك إلى تشابه هياكل دوله الاقتصادية والاجتماعية وحتى نظمها السياسية واستقرارها عبر عشرات السنين، ما يسهل عملية الانتقال السلس إلى مرحلة توحيد السياسة النقدية وسك العملة الخليجية الموحدة. كما لا تعاني دول المجلس من معدلات تضخم مرتفعة أو عجز في موازناتها الحكومية، ولا حتى من مشاكل في علاقاتها الدولية مثل عجز الميزان التجاري أو من مشكلة المديونية، وعلى العكس من ذلك، فإن أغلبها تتوفر على احتياطيات هائلة من النقد الأجنبي، لذلك لا يبدو أي تكتل أقرب إلى تحقيق التكامل النقدي كما هو الحال في مجلس التعاون، ودخل النظام الأساسي للمجلس النقدي الخليجي حيز التنفيذ في مارس/آذار 2010 وعقد أول اجتماع لمجلس إدارته في 30 منه بالرياض.
الربط السككي: خطوة نحو الاندماج
يعتبر الربط السككي أحد أهم أدوات الربط الاقتصادي للمحطات، والمناطق التي تمر بها قطارات نقل الركاب والبضائع. ويتضمن هذا الربط الاقتصادي ربطاً اجتماعياً أعمق وصولاً إلى تعزيز ما يطلق عليه الخليجيون بالمواطنة الاقتصادية. والتي تعني، فيما تعنيه، تسهيل انتقال الأفراد وتمكين التملك العقاري والرأسمالي بين مواطني دول مجلس التعاون، بالإضافة بإجراءات تسهيلية خاصة للمقيمين في بلدان المجلس.
دخلت دول الخليج مرحلة إعداد التصاميم الهندسية التفصيلية لمشروع الربط السككي في 2009 بعد أن كان المشروع قد أقر في الكويت عام 2003، وتسعى دول المجلس إلى تنفيذ المشروع وتشغيله في 2018، بما في ذلك ربط البر الخليجي بالبحرين، عبر هيئة جسر الملك فهد الذي يربط بين السعودية والبحرين.
يبقى هناك الكثير ما يمكن قوله واستعراضه، ولكن الأمل الحقيقي معقود على أن تكون هذه التجربة التكاملية دليل عمل عملي لكيان اقتصادي عربي أوسع وأشمل.
*أكاديمي سوري- جامعة القصيم في السعودية