11 نوفمبر 2024
دول الجوار الليبي ودورها الديبلوماسي
عُقد في الجزائر، وسط الأسبوع المنقضي، اجتماع خُصص للأزمة الليبية، ضم وزراء خارجية دول الجوار. وقد حضرت إلى جانب البلد المضيف، تونس ومصر وتشاد ومالي، إضافة إلى وفود ديبلوماسية رفيعة المستوى، من السودان والنيجر. أكدت تصريحات وزير خارجية الجزائر، صبري بوقادوم، في ختامه، على تمسّك الحاضرين بدعم الحكومة المعترف بها دوليا وحقها في بسط شرعيتها على كامل ترابها الوطني، مع رفضهم كل أشكال التدخلات الأجنبية في ليبيا، وتشجيعهم الأطراف الليبية المتحاربة وغيرها على الحوار.
وجاء الاجتماع بعد أقل من أسبوع على انعقاد مؤتمر برلين الذي لم يتوصل إلى نتائج حاسمة، ما عدا دعوة الأطراف الليبية إلى وقف إطلاق النار، والدول الأجنبية إلى الكفّ عن التدخل في شؤونها (عسكريا)، والتزام دول الاتحاد الأوروبي بقرار مجلس الأمن، حظر بيع السلاح إلى ليبيا. وكان رئيس حكومة الوفاق، فائز السراج، قد وقّع في موسكو على اتفاق الهدنة، بينما امتنع اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، عن التوقيع على أي وثيقة فيها التزام أو تعهد بفك الحصار عن طرابلس، ومع ذلك وافق على تعيين لجنة عسكرية مشتركة من أجل تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، وهو ما جعل الهدنة هشّة قابلة للانهيار في أي لحظة. ويبدو أن الإجراءات التي أقدم عليها حفتر، بعد أقل من ثلاثة أيام على اختتام مؤتمر برلين، تؤكد مضيّه إلى خنق حكومة طرابلس، فقد سارع إلى إحكام حصاره على الموانئ البحرية ومواقع إنتاج النفط، علاوة على حظره الجوي على آخر مطار مفتوح في طرابلس (مطار معيتيقة).
يؤكّد المنظمون أن اجتماع الجزائر لا يمثل آلية، بقدر ما كان فضاء للتحاور والتشاور حول
الأزمة الليبية، وهو أيضا ينعقد من أجل التنسيق وإسماع صوت دول الجوار في المنتديات الدولية المعنية بالأزمة الليبية. وتشعر الجزائر، بعد عزل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أن ديبلوماسيتها ضيّعت شيئا من حيويتها، خصوصا وهي ترى أن جارتها وشقيقتها ليبيا غدت لقمة سائغة في فم المطامع الأجنبية. ولربما شعرت بشيء من الإهانة، وقد تم إقصاؤها بادئ الأمر من حضور مؤتمر برلين، لتتم دعوتها في آخر اللحظات بشكل إسعافٍ، لا يليق بسمعتها وثقلها. تريد الجزائر أن تستعيد دورها الديبلوماسي المعهود في منطقة المغرب العربي، بعد أن انكفأت لأسباب عديدة، وربما ساهم مرض الرئيس بوتفليقة (في مفارقة غربية، وهو أب الديبلوماسية الجزائرية) واندلاع نزاعات الأجنحة التي تأججت في أواخر عهده، في تراجع الدور الديبلوماسي للجزائر.
وعلى الرغم من أن ديبلوماسية الجزائر هادئة، إلا أنها تتحول صارمة وعنيدة إذا شعرت أن أطرافها تلدغ، ولذلك اختارت الجزائر توقيت التحرّك الملائم لهذه العودة الإقليمية ومكانه بكل عناية، فخرجت عن مناطق الصمت وظلال الغموض التي سارت عليها منذ اندلاع الصراع بين الفرقاء الليبيين. وعلى الرغم من إشاراتها، من حين إلى آخر، إلى صلف التصريحات المعيبة التي صدرت سابقا عن حفتر في حق الجزائر، فإنها حافظت على هدوئها، حتى لا تعيّره أكثر مما يجب، ولقد تكفل الحراك بالرد عليه، من خلال الصور والهتافات التي صغّرت من حجمه.
وقد تلقت ألمانيا رسائل الديبلوماسية الجزائرية، وتداركت الأمر، ووجهت الدعوة إلى الجزائر لتشارك في مؤتمر برلين. وإذا كانت تونس قد رفضت الحضور، مبدية تحفظاتها على توقيت الدعوة المتأخر، فإن الجزائر لبّتها، ويبدو أنها كانت تتوقع تعثر المؤتمر لاحقا، فضلا عن محدودية مخرجاته، خصوصا أن الأزمة المستفحلة تحتاج إلى مزيد من المرافقة الديبلوماسية. ولذلك منحها حضورها فرصة الوقوف على مواقف الدول المشاركة، حتى تكتمل الصورة بشكل دقيق عن الرهانات التي شقّت هذا المؤتمر والتحالفات التي صاغتها.
يعي المتابعون للقاء الجزائر تماما أنه لن يضع حلا في المدى القريب للأزمة الليبية المعقدة
والمركبة، والتي أصبحت حربا بالوكالة لم تعد خافية، ولكنهم يدركون أيضا أن الجزائر تحشد بذلك الدعم، حتى تلعب دورا سيتعاظم في المستقبل القريب. كان الاجتماع "بروفا ديبلوماسية"، من شأنها تأهيل الجزائر حتى تغدو رقما لا يمكن تجاهله في قادم المؤتمرات لاحقا، خصوصا في ظل تدويل متسارع ومتعدّد للأزمة. لقد بدأت الولايات المتحدة الأميركية الإعداد لمسار خاص بها من أجل حل الأزمة. وستحتاج في ذلك، هي وغيرها، دول الجوار، من أجل تسويق كل الحلول المقترحة. يبرر رؤساء الدول المجاورة لليبيا ضرورة إشراكهم في كل مسار يتعلق بالأزمة الليبية بمخاطر الإرهاب الذي تسلل إلى بلدانهم جرّاء ما يجري في هذا البلد. لهذا، ليس حرصهم مجرّد واجب ديبلوماسي، أو شفقة الجار على الجار، بل ضرورة تمليها وقائع الأرض، وقد اندلعت في دول الساحل وجنوب الصحراء موجاتٌ متصاعدة من الإرهاب، تزامنت مع حصار طرابلس في الأشهر الأخيرة.
يؤكّد المنظمون أن اجتماع الجزائر لا يمثل آلية، بقدر ما كان فضاء للتحاور والتشاور حول
وعلى الرغم من أن ديبلوماسية الجزائر هادئة، إلا أنها تتحول صارمة وعنيدة إذا شعرت أن أطرافها تلدغ، ولذلك اختارت الجزائر توقيت التحرّك الملائم لهذه العودة الإقليمية ومكانه بكل عناية، فخرجت عن مناطق الصمت وظلال الغموض التي سارت عليها منذ اندلاع الصراع بين الفرقاء الليبيين. وعلى الرغم من إشاراتها، من حين إلى آخر، إلى صلف التصريحات المعيبة التي صدرت سابقا عن حفتر في حق الجزائر، فإنها حافظت على هدوئها، حتى لا تعيّره أكثر مما يجب، ولقد تكفل الحراك بالرد عليه، من خلال الصور والهتافات التي صغّرت من حجمه.
وقد تلقت ألمانيا رسائل الديبلوماسية الجزائرية، وتداركت الأمر، ووجهت الدعوة إلى الجزائر لتشارك في مؤتمر برلين. وإذا كانت تونس قد رفضت الحضور، مبدية تحفظاتها على توقيت الدعوة المتأخر، فإن الجزائر لبّتها، ويبدو أنها كانت تتوقع تعثر المؤتمر لاحقا، فضلا عن محدودية مخرجاته، خصوصا أن الأزمة المستفحلة تحتاج إلى مزيد من المرافقة الديبلوماسية. ولذلك منحها حضورها فرصة الوقوف على مواقف الدول المشاركة، حتى تكتمل الصورة بشكل دقيق عن الرهانات التي شقّت هذا المؤتمر والتحالفات التي صاغتها.
يعي المتابعون للقاء الجزائر تماما أنه لن يضع حلا في المدى القريب للأزمة الليبية المعقدة