"أحلامي مليئة بأشياء لا وجود لها في القاموس"، كتبت مرّة الفنانة التشكيلية الأميريكية دوروثيا تانينغ (1910-2012) من أوائل من قدّموا المدرسة السريالية وتبنوها في نيويورك الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين.
حين رسمت "بورتريه ذاتي في عيد ميلادي الثلاثين" كانت اللوحة سبباً في وقوع الفنان ماكس إرنست في حبها، والذي سيصبح زوجها لاحقاً، ستتنقل في حياتها بين باريس وأميركا لتصبح من أكثر الفنانات تأثيراً على فنانين من أبرزهم مارسيل دوشامب.
في اللوحة البورتريه تظهر مخيلة تانينغ المرعبة، ومخلوقاتها الغربية، التي أصبحت عُرْفاً في كل أعمالها، نساء يعبرن من الجدران، نساء نصفهن نباتات، طيور وحشية غريبة، حتى قطع الأثاث في أعمالها كائنات حية تنمو وتمتد وتخيف من ينظر إليها.
متحف "تيت للفن الحديث" في لندن يستعيد في معرض واسع النطاق تجربة السريالية من خلال تقديم مئة عمل بين لوحة غامضة ونحت غرائبي تمثّل سبعة عقود من ممارستها للفن، ويتواصل حتى التاسع من حزيران/ يونيو المقبل.
في لوحات تانينغ ثمة دائماً أبواب مواربة، وقطع شطرنج، وورق جدران بنقوش فريدة، وهناك سخرية خفية من خلال استحضار النباتات من موطنها الأم إلينوي.
يعرض "تيت" أيضاً أحد أهم أعمال الفنانة، وهو تجهيز نسوي بعنوان "فندق بافو، غرفة 202" المصنوع من الصوف والحديد والخشب وكرات البينغ بونغ ومواد أخرى مختلفة، وفيه عادت الفنانة إلى أغنية كانت تسمعها في طفولتها.
تقول كلمات الأغنية "في غرفة 202، تتحدث إليك الجدران، ولن أخبرك بما قالت، فأطفئ الضوء وتعال إلى النوم"، وهي تحكي قصة امرأة في العشرينيات في أميركا انتحرت بتسميم نفسها في غرفة فندق تحمل رقم 202.
في العمل أجساد نساء تحاول العبور من الجدار، ونحن لا نراها كاملة أبداً، ورغم أن الباب مفتوح تماماً تصرّ شخصيات العمل على العبور من الجدار مثل أشباح متسلّلات إلى الخارج.
يبدو أن تانينغ تحاول تقديم فكرتها عن الخروج من الفضاء المنزلي بالنسبة إلى المرأة إلى ممارسة الحرية في الفضاء العام، وتركّز على فكرة التلاعب الذي يتطلبه المجتمع منها، وقد قدّمت هذه الفكرة في كثير من أعمالها.