تبدو الحكومة الجزائرية مصرّة على مواصلة خططها الهادفة إلى تقليص فاتورة الدعم، بهدف الحد من الأزمة المالية التي تعاني منها بسبب تراجع الإيرادات النفطية.
وكشف رئيس الوزراء، أحمد أويحيى، أن حكومته ستغير نظام "الدعم الاجتماعي"، السنة المقبلة، لخفض فاتورتها التي بلغت 16 مليار دولار في موازنة هذه السنة.
وقال أويحيى، في ندوة صحافية عقدها بداية الأسبوع الجاري، إن "الحكومة شكلت ورشتين، الأولى على مستوى وزارة المالية بمشاركة خبراء من صندوق النقد الدولي، والثانية على مستوى وزارة الداخلية التي تمتلك قاعدة بيانات"، تساعدها على وضع "إحصاء اقتصادي لجميع الجزائريين".
وأضاف رئيس الحكومة الجزائري، الذي قلّ ظهوره الإعلامي أخيراً بعد دخوله في خلافات مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة حول موضوع خصخصة الشركات العمومية، أن "التحول من الدعم العام المعتمد الآن إلى الموجّه (النقدي)، لن يكون هذه السنة، بل في النصف الثاني من السنة المقبلة، على أن تصل الجزائر إلى نموذج كامل الأركان مطلع 2022".
واعترف أويحيى بأن "مسار تغيير سياسة الدعم ستكون فيه أخطاء، لكن الأكيد أن الطبقات الهشة والمتوسطة لن تتضرر بالنموذج الجديد".
وتعتبر هذه المرة الأولى التي تتحدث فيها الحكومة الجزائرية بطريقة صريحة وواضحة حول رأيها في سياسة الدعم المعتمدة منذ استقلال البلاد سنة 1962، فمنذ بداية الأزمة الاقتصادية أواخر سنة 2014 والحكومة تخطو نحو الانتقال من الدعم العام إلى الموجه.
وتعيش الجزائر أزمة اقتصادية خانقة منذ انخفاض أسعار النفط منتصف عام 2014، نظراً إلى أن أنها تعتمد على إيرادات النفط في تمويل موازناتها، ما دفعها إلى القيام بإجراءات تقشفية لم تعجب الشعب الذي يعتمد الفقراء ومحدودي الدخل منهم على الدعم الحكومي.
وإلى ذلك، يرى الخبير الاقتصادي والمستشار السابق للحكومة، عبد الرحمان مبتول، أن "الحكومة مطالبة وملزمة بتحقيق الإجماع حول الصيغة النهائية التي ستعرضها على الجزائريين، حتى تتفادى المشاكل، فالأكيد أن النقابات والأحزاب السياسية المعارضة لن تضيع الفرصة للضغط على النظام".
وتابع مبتول، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الرهان الأكبر للحكومة هو كيفية الوصول إلى معادلة إحقاق التوازن بين القدرة الشرائية للمواطن وبين تحرير الأسعار والخدمات، ما يعني ضغطا إضافيا على الجيوب المنهكة أصلا بغلاء المعيشة".
وأظهرت دراسة أعدّها وزير المالية الجزائري السابق، عبد اللطيف بن اشنهو، إن كلفة دعم الطاقة والمياه سنوياً تقدر بنحو 21 مليار دولار، أي أكثر من الرقم المصرح به رسمياً، فحصة الوقود مثل السولار والبنزين منها نحو 7 مليارات دولار، مقابل 6 مليارات دولار للكهرباء، و5 مليارات دولار للغاز، تضاف إلى ذلك 3 مليارات دولار موجهة لدعم أسعار المياه.
وحسب الخبير الاقتصادي محفوظ كاوبي، فإن "الحكومة الجزائرية ضيعت الكثير من الوقت، فالأولى كان اعتماد نظام جديد للدعم سنة 2014 أو 2015، حيث كانت تتوفر الجزائر على أريحية مالية وهدوء اجتماعي، عكس اليوم، إذ نعيش غليان الجبهة الاجتماعية وأزمة مالية".
وأضاف كاوبي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "فاتورة الدعم تمثل 22% من ميزانية الدولة، و17% من الناتج الداخلي الخام، وهو أمر خطير لا يمكن للجزائر تحمّله في المرحلة الراهنة التي تتميز بانهيار عائدات النفط بقرابة ثلثي حجمها، في السنوات العشر الأخيرة، وبالتالي دفعت الأزمة المالية الحكومة الجزائرية إلى فتح ملف الدعم واتخاذ قرار تعديله، بعد سنوات من تقاذف الملف بين الوزراء في حكومات الرئيس بوتفليقة المتعاقبة".
ويتوقع كاوبي أن "تبدأ الحكومة أولا برفع الدعم عن الطاقة ثم الشركات العمومية، حيث يجب معرفة أن 55% من أموال الدعم تستفيد منها الشركات الاقتصادية كإعفاءات في الطاقة والضرائب مقابل تسويقها لمواد بأسعار مُخفضة، على أن تكون المرحلة الثانية من تغيير النظام بإلغاء الدعم عن المواد واسعة الاستهلاك وبعض الخدمات كالصحة، وهنا بيت القصيد، لأن الشعب الجزائري اعتاد سياسة التضامن الاجتماعي المعتمد منذ العهد الاشتراكي إلى يومنا هذا".
وتدعم الحكومة الجزائرية أسعار الحليب والخبز وزيت المائدة، بالإضافة إلى تسعيرة الكهرباء والغاز والماء وأسعار الوقود، كما تدعم الجزائر الخدمات كالصحة والتربية المجانيتين، وحتى أسعار النقل بوسائل النقل العمومية.
واللافت أن هذه المواد والخدمات تعتبر متاحة لجميع الجزائريين مهما كان دخلهم، كما تعد في متناول الأجانب والشركات المستثمرة في البلاد، وهو ما يراه الكثير إجحافا في حق الطبقات الهشة.
وتتخوف الحكومة التي تفضل اعتماد صب الأموال مباشرة في حسابات العائلات المعوزة، من ردة فعل الشارع الجزائري، خاصة أن بداية تطبيق النظام الجديد يتزامن مع الانتخابات الرئاسية المقررة نهاية النصف الأول من السنة القادمة.