دنيس بروتوس: سيرة المقاومة والسنوات الجنوب أفريقية

18 يوليو 2020
دينيس بروتوس، تصوير: تينكر ريدي
+ الخط -

تردد الشاعر الجنوب أفريقي دنيس بروتوس دائماً في كتابة سيرته الذاتية وظل يؤجل الأمر حتى وفاته عام 2009، ليترك خلفه قصة شعرية وحقوقية وحياة في النشاط السياسي والثقافي المناهض للفصل العنصري في بلاده والعالم بالعموم، ولكن وكما كتب تيرون أوغست، مؤلف سيرته التي تصدر قريباً، "كان من المحتم أن يتم سرد قصة حياته في نهاية المطاف، حياة بروتوس مغزولة بقوة في نسيج التاريخ الحديث لجنوب أفريقيا".

عاش دينيس بروتوس (1924-2009) في بورت إليزابيث في كيب الشرقية  خلال النصف الأول من القرن العشرين كانت هويته مختلطة من أعراق مختلفة هولندية وألمانية وماليزية وأفريقية، فسجل على هويته "ملونا"، وعاش معظم حياته في الفترة المضطربة مع نظام الفصل العنصري، وهو نظام مقنن قانونيًا للتمييز العنصري والتمييز انطلق في جنوب أفريقيا عام 1948، وأعقب ذلك تطوير جهاز دولة لا يرحم صمم للقضاء بشكل منهجي على أي مقاومة.

في هذه الظروف القاتمة وجد بروتوس نفسه كطالب ومعلم وشاعر وصحافي ناشطاً مناهضاً للفصل العنصري في كل هذه الأدوار، ومع ذلك، على الرغم من تأثيره الكبير لم ينشر أي عمل سير ذاتية، وعزا إحجامه عن الشروع في كتابتها إلى اعتقاده أنه لا يوجد سرد متماسك لحياته. يكتب في رسالة إلى صديقة في منتصف السبعينيات "أخفق في أن أرى في حياتي أي نوع من التماسك أو النمط أو الخيط الموحد الذي يبرر السيرة الذاتية. يبدو لي أن السير الذاتية تحتاج إلى تنظيم معرفة المرء بالحياة بطريقة تظهر نمطًا ما، نوعاً من الوضوح". 

أرسل منفياً إلى جزيرة روبن لمدة 16 شهرًا ، خمسة منها في الحبس الانفرادي، وكان في الزنزانة بجانب نيلسون مانديلا

على الرغم من ذلك، عندما اقترب منه الباحث الأكاديمي في جامعة تكساس هال ويلي عام 1988، بهدف العمل معه على  كتابة سيرته كان  نحو السيرة الذاتية كان أكثر قابلية للفكرة. وحاول إقناع بروتوس أن السيرة الذاتية ستكون أفضل من العمل الأكاديمي على حياته حيث أنها ستثريها بلغة شعرية وأدبية، ويمكن أن تركز على التفاصيل الوجودية والذكريات والجوانب الشخصية التي لن تكون مناسبة لسيرة ذاتية رسمية، ولكنها ستكون أكثر إثارة للاهتمام إنسانياً. 

وقال ويلي آنذاك لبروتوس إن حياته كانت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بصعود الفصل العنصري، وفي الوقت نفسه، قدمت "طريقة جديدة للنظر في النضال ضد الفصل العنصري". ولفت الانتباه بشكل خاص إلى بورت إليزابيث وكيب الشرقية كمواقع رئيسية لهذا الصراع. 

وعلى الرغم من تحفظاته حول كتابة سيرة ذاتية كاملة، بدأ بروتوس العمل مع ويلي على مسودة أولية. تمت تسمية هذا الجهد مؤقتًا "سيرة تروبادور جنوب أفريقي" وكانت تستند المسودة إلى أشرطة سجلها الشاعر، ولكن يقول ويلي "عندما وصلنا إلى مرحلة المراهقة والبلوغ صرخ بروتوس أنه لن يجيب على المزيد من الأسئلة" وتوقفت كتابة السيرة.

بعد رحيله بـ 11 عاماً يعود الباحث الجنوب أفريقي تيرون أوغست، أستاذ الأدب الإنكليزي، ليكتب سيرة العقود الأربعة الأولى من حياة بروتوس في كتاب صدر مؤخراً عن دار  HSRC Press تحت عنوان "دينيس بروتوس: السنوات الجنوب أفريقية"، يعود في الكتاب إلى شعره الغنائي كواحد من أبرز شعراء جيله، وإلى الدور الذي لعبه حقوقياً في تعبئة وتكثيف معارضة الظلم والقمع، في البداية في جنوب إفريقيا، ولكنه وسع نشاطه في وقت لاحق إلى قضايا مختلفة في مناطق مختلفة من العالم أيضًا.

يركز هذا الكتاب على حياة دنيس بروتوس في جنوب إفريقيا منذ طفولته حتى ذهب إلى المنفى في بريطانيا بتصريح خروج في عام 1966 مما يعني أنه لا يمكنه العودة إلى دياره أبدًا طالما أن نظام الفصل العنصري في السلطة وظل يكافح العنصرية أينما ذهب سواء في بريطانيا أو في الولايات المتحدة التي انتقل إليها لاحقاً. 

كما أن السيرة أقرب إلى محاولة للاعتراف بالعمل الأدبي والسياسي لبروتوس، وبمعنى ما كما يقول المؤلف "محاولة لإعادة بروتوس إلى جنوب أفريقيا"، حيث يضع هذا الكتاب صوت بروتوس وهو يروي قصة حياته في أشرطة ويلي المنسية ومن خلال مقالات نشرها في الصحف والمجلات والمقابلات وسجلات المحاكم والمراسلات. 

يعتمد أوغست بشكل كبير على المواد الأرشيفية التي لم تتوفر بعد في المجال العام، وكذلك على مقابلات أجراها مع العديد من الأشخاص الذين تفاعلوا مع بروتوس خلال سنواته الأولى في جنوب إفريقيا. 

يولي المؤلف على وجه الخصوص اهتماماً بمشاركته في بعض المنظمات الأكثر نفوذاً في عصره، بما في ذلك رابطة المعلمين في جنوب أفريقيا، وحركة إدارة الشؤون الملونة، والمؤتمر الوطني للملونين، ولجنة التنسيق للاعتراف الدولي في الرياضة، ورابطة جنوب إفريقيا للرياضة واللجنة الأولمبية غير العنصرية في جنوب إفريقيا، والتي عمل بروتوس بشكل أساسي على توحيدها لشن حملة جماعية ضد العنصرية في الرياضة في جنوب إفريقيا ومن بينها حملة لمنعها من المشاركة في الأولمبياد.

والقصة بدأت عام 1963، حيث ألقي القبض على بروتوس لمحاولته مقابلة مسؤول باللجنة الأولمبية الدولية، واتُهم بخرق شروط تقييد حركته حيث لم يكن يسمح له بمقابلة أكثر من شخصين خارج أسرته، وحُكم عليه بالسجن 18 شهرًا. وخرج بكفالة ثم حاول مغادرة جنوب أفريقيا لحضور اجتماع اللجنة الأولمبية الدولية في بادن في ألمانيا الغربية وبينما كان في موزمبيق بجواز سفر مزور ألقي القبض عليه وأعيد إلى جنوب أفريقيا. 

هناك، أثناء محاولته الهرب أُصيب في ظهره وأرسل منفياً إلى جزيرة روبن لمدة 16 شهرًا ، خمسة منها في الحبس الانفرادي، وكان في الزنزانة بجانب نيلسون مانديلا، وحين نجحت حملته ومنعت جنوب أفريقيا من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو عام 1964  كان بروتوس في السجن ولم يعرف إلا بعد خروجه أن نجح في مساعيه. 

من أبرز مجموعاته الشعرية: "صفارات الإنذار والمفاصل والأحذية"، و"رسائل إلى مارثا وقصائد أخرى من سجن جنوب أفريقي"، و"قصائد من الجزائر" و"شهوة بسيطة"، و"قصائد الصين"، و"الأمل العنيد"، و"تحية و لوم" وغيرها.

 

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون