يعود اختيار الدمية للأم في أحيانٍ كثيرة وليس للطفل (الابنة عموماً). فالأم التي تؤثر بأفكارها ورغباتها على أطفالها، توجه بناتها من خلال اختيارها لملابسهن وأحذيتهن وأدوات الزينة والماكياج الخاصة بالصغيرات، وتنقل إليهن أسلوبها وذوقها الذي قد يرافقهن حتى يكبرن.
وإلى جانب الإعلان الذي يخضع الأهل وأطفالهم لسلطته، ويروج في وسائل الإعلام عموماً والقنوات الخاصة بالأطفال تحديداً، للدمى "الأشهر" و"الأجمل"، يأتي كذلك دور منتِج الدمية الذي يقيس خطوط الموضة ويعمل وفقها، فتمتلئ الأسواق بالدمى المتبرجة والحواجب المرسومة والشفاه "المنفوخة" والشعر المتدلي المبالغ به بألوانه الفاقعة، والملابس المتناسبة مع خطوط الموضة.
نذكر بعض "العرائس" الذائعة الصيت في الأسواق، مثل "باربي" والتي تُعتبر من أولى الدمى وأشهرها، وقد توارثتها الفتيات من أجيال قديمة لغاية اليوم، و"فلّة" و" لاميلي" وغيرها الكثير، والتي تجسد المرأة الفاتنة ذات الوجه المتبرج، والرموش المكحلة، والخدود المصبوغة، والشعر المصفف.
عرائس كأنهن نساء خرجن للتو من صالونات التجميل، تتشابه وتتقاسم الكثير من المواصفات الشكلية، ما عدا لون الشعر ربما، بغض النظر إن كانت ترتدي حجاباً أم تُظهر شعرها المسترسل. ولتزيد الأمور تعقيداً، تنتشر اليوم دمى "سوبر باربي"، فلم نعد نكتفي بجمال باربي الكامل بل قوتّها الخارقة أيضاً، ما يضع الطفلة أمام سيف ذو حدّين، فتسعى لتقليد هذه الدمى شكلاً وقوّة.
ويقابل الدمى العرائس المنتشرة في الأسواق الدمى" الفتيان" مثل زوج باربي وغيره، تلك الدمى "الذكور" ينطبق عليها مواصفات الرجل عارض الأزياء، لا ينقصه التجميل بدءاً من تخطيط الحاجبين وتلميع الشفاه وإبراز العضلات والقوام، إضافة إلى تسويق ما يليق به من ملابس تتناسب وخطوط الموضة.
أما دمى "براتز" بشخصياتها العديدة، فقد كسرت عند ظهورها الشكل المعتاد للدمى. عيناها كبيرتان وتبرجهما حاد، شفاهها منفوخة بشكل غير عادي، كما أنّ ملابسها غير محتشمة، والتي تم تعديلها تباعاً بعد موجة اعتراضات من المستهلكين في الولايات المتحدة الأميركيّة.
وبعيداً عن تحليل الأسباب الاجتماعية والنفسية الكامنة وراء اختيار هذا النوع من العرائس، التي لا تمت للشكل الطفولي بصلة، يظهر الالتباس جلياً عندما تختار الأسرة لابنتها دمية بعمر والدتها أو معلمتها، متبرجة ومتزينة ومرتدية أزياء للكبار تشبه الملابس الموجودة في واجهات المحلات وعلى صفحات المجلات، لكنها تمنعها في الوقت ذاته من التشبه بشكل الدمية ومظهرها. فالفتيات يعتبرن مظهر الدمية نموذجاً يحتذى به في الجمال والأناقة، لكنّه بالنسبة للأهل، هو مظهر يصلح للفرجة فقط.
نظرة مختلفة
هناك من يقتني الدمى التي ذكرناها من دون التنبه لمدى تأثيرها على أطفالهم. في حين يعتبر البعض أنّ هناك إمكانية لمواجهة السائد بطريقة مختلفة. ومن الملفت، ما تقوم به الفنانة والرسامة الأسترالية سونيا ساين، التي تعارض انتشار دمى الأطفال التي تشبه النساء العارضات، وعبّرت عن اعتراضها بتأسيس مشروع يتعلق بالدمى. وتتداول وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات تعرضها الفنانة، التي تعمل بمشروعها على خطين. الأوّل، أنّها تقوم بجمع الدمى القديمة المستعملة والتي لم تعد صالحة للعب، فتعيد سونيا تدويرها، فتصلّحها وتجددها وتعيدها إلى الحياة مرّة ثانية. والخط الثاني وهو الأبرز، إذ أنها تقوم بجعل ملامح الدمى شبيهة وقريبة من أشكال الأطفال الذين يقتنوها، أي تجعلها ألعاباً طفولية بكل ما للكلمة من معنى.
ففي ورشتها، تعمل الفنانة سونيا في البداية على إعادة ترميم الدمى القديمة، التي تشتريها من المتاجر المتخصصة ببيع السلع المستعملة، فتعيد تصنيع ما فقدته الدمية من يدٍ أو رجلٍ أو حذاء، وهذا يتطلب جهداً فنياً متقناً حتى تخرج الدمية بعد الانتهاء من ترميمها، وقد استعادت الشكل المناسب وكأنها جديدة.
بعد ذلك، تقوم بتغيير ملامح الدمى وتعبيرات وجوهها مثل نظرات عيونها وألوان حمرتها الصارخة، وحاجبيها الرفيعين المرسومين لتجعلها شبيهة بالأطفال. فتمسح العيون المتبرجة بمواد مناسبة وتعيد رسم الوجه بملامح طفولية بسيطة وهادئة، وتجعل العيون بحجم طبيعي غير مبالغ به. كما تغيّر تصفيفة الشعر "النسائية"، فتجعله إمّا مجدولاً أو مربوطاً أو حتى منسدلاً بشكل مرتب وشبيه بشعر صغارنا. أما مسألة الملابس، فإن والدة الفنانة ساين، الخبيرة بالحياكة، تقوم بصنع ملابس مناسبة للدمى بحلتها الجديدة، ثياباً عادية يلبسها كل الأطفال.
ولفتت الفنانة على موقعها الإلكتروني إلى توضيح طريقة لعبها خلال طفولتها بدمى وألعاب مستعملة، مشيرة إلى أنّ فكرة تجديد الدمى ليست جديدة عليها، بل هي موقف تربوي وبيئي وثقافة أسرية. كما تعتبر ساين أنّ الدمى التي تنتجها العلامة التجارية الشهيرة Bratz بالتحديد، مثّل نموذجاً صارخاً للدمى المتبرجة بشكل لا يصلح لأن يكون الدمية التي سترافق الأطفال وتحديداً الفتيات في طفولتهن.
أما صفحتها على الفيسبوك treechangedolls، فتحفل بالفيديوهات التي تظهر شغفها بإعادة تجميل وتصنيع الدمى. كما تشير إلى أن بإمكان أي شخص مهتم بالموضوع أن يقوم بهذه المهمة مع أطفاله كي يدركوا أهمية إعادة إحياء الدمى بدلاً من رميها، وكذلك إيصال الرسالة بعدم القبول والتسليم بما يطرحه السوق لنا من منتجات.
من الجيد أن نطرح، نحن المستهلكون، على أنفسنا التساؤلات حول كل المنتجات التي نشتريها ونقتنيها، وأن ندرك أنّ وعينا وطريقة تفكيرنا بالأمور هي التي تحدد أساليب استهلاكنا. فمن غير السليم أن نورث أطفالنا عادة الاستهلاك التلقائي غير المفكر به، ولا بد من الحصول على منتجات تخدم مصلحتنا ومصلحة أطفالنا بالدرجة الأولى على مختلف المستويات. فلماذا لا نجعل هذا المنطق ينطبق على كيفية اختيارنا لدمى أطفالنا؟!
وإلى جانب الإعلان الذي يخضع الأهل وأطفالهم لسلطته، ويروج في وسائل الإعلام عموماً والقنوات الخاصة بالأطفال تحديداً، للدمى "الأشهر" و"الأجمل"، يأتي كذلك دور منتِج الدمية الذي يقيس خطوط الموضة ويعمل وفقها، فتمتلئ الأسواق بالدمى المتبرجة والحواجب المرسومة والشفاه "المنفوخة" والشعر المتدلي المبالغ به بألوانه الفاقعة، والملابس المتناسبة مع خطوط الموضة.
نذكر بعض "العرائس" الذائعة الصيت في الأسواق، مثل "باربي" والتي تُعتبر من أولى الدمى وأشهرها، وقد توارثتها الفتيات من أجيال قديمة لغاية اليوم، و"فلّة" و" لاميلي" وغيرها الكثير، والتي تجسد المرأة الفاتنة ذات الوجه المتبرج، والرموش المكحلة، والخدود المصبوغة، والشعر المصفف.
عرائس كأنهن نساء خرجن للتو من صالونات التجميل، تتشابه وتتقاسم الكثير من المواصفات الشكلية، ما عدا لون الشعر ربما، بغض النظر إن كانت ترتدي حجاباً أم تُظهر شعرها المسترسل. ولتزيد الأمور تعقيداً، تنتشر اليوم دمى "سوبر باربي"، فلم نعد نكتفي بجمال باربي الكامل بل قوتّها الخارقة أيضاً، ما يضع الطفلة أمام سيف ذو حدّين، فتسعى لتقليد هذه الدمى شكلاً وقوّة.
ويقابل الدمى العرائس المنتشرة في الأسواق الدمى" الفتيان" مثل زوج باربي وغيره، تلك الدمى "الذكور" ينطبق عليها مواصفات الرجل عارض الأزياء، لا ينقصه التجميل بدءاً من تخطيط الحاجبين وتلميع الشفاه وإبراز العضلات والقوام، إضافة إلى تسويق ما يليق به من ملابس تتناسب وخطوط الموضة.
أما دمى "براتز" بشخصياتها العديدة، فقد كسرت عند ظهورها الشكل المعتاد للدمى. عيناها كبيرتان وتبرجهما حاد، شفاهها منفوخة بشكل غير عادي، كما أنّ ملابسها غير محتشمة، والتي تم تعديلها تباعاً بعد موجة اعتراضات من المستهلكين في الولايات المتحدة الأميركيّة.
وبعيداً عن تحليل الأسباب الاجتماعية والنفسية الكامنة وراء اختيار هذا النوع من العرائس، التي لا تمت للشكل الطفولي بصلة، يظهر الالتباس جلياً عندما تختار الأسرة لابنتها دمية بعمر والدتها أو معلمتها، متبرجة ومتزينة ومرتدية أزياء للكبار تشبه الملابس الموجودة في واجهات المحلات وعلى صفحات المجلات، لكنها تمنعها في الوقت ذاته من التشبه بشكل الدمية ومظهرها. فالفتيات يعتبرن مظهر الدمية نموذجاً يحتذى به في الجمال والأناقة، لكنّه بالنسبة للأهل، هو مظهر يصلح للفرجة فقط.
نظرة مختلفة
هناك من يقتني الدمى التي ذكرناها من دون التنبه لمدى تأثيرها على أطفالهم. في حين يعتبر البعض أنّ هناك إمكانية لمواجهة السائد بطريقة مختلفة. ومن الملفت، ما تقوم به الفنانة والرسامة الأسترالية سونيا ساين، التي تعارض انتشار دمى الأطفال التي تشبه النساء العارضات، وعبّرت عن اعتراضها بتأسيس مشروع يتعلق بالدمى. وتتداول وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات تعرضها الفنانة، التي تعمل بمشروعها على خطين. الأوّل، أنّها تقوم بجمع الدمى القديمة المستعملة والتي لم تعد صالحة للعب، فتعيد سونيا تدويرها، فتصلّحها وتجددها وتعيدها إلى الحياة مرّة ثانية. والخط الثاني وهو الأبرز، إذ أنها تقوم بجعل ملامح الدمى شبيهة وقريبة من أشكال الأطفال الذين يقتنوها، أي تجعلها ألعاباً طفولية بكل ما للكلمة من معنى.
ففي ورشتها، تعمل الفنانة سونيا في البداية على إعادة ترميم الدمى القديمة، التي تشتريها من المتاجر المتخصصة ببيع السلع المستعملة، فتعيد تصنيع ما فقدته الدمية من يدٍ أو رجلٍ أو حذاء، وهذا يتطلب جهداً فنياً متقناً حتى تخرج الدمية بعد الانتهاء من ترميمها، وقد استعادت الشكل المناسب وكأنها جديدة.
بعد ذلك، تقوم بتغيير ملامح الدمى وتعبيرات وجوهها مثل نظرات عيونها وألوان حمرتها الصارخة، وحاجبيها الرفيعين المرسومين لتجعلها شبيهة بالأطفال. فتمسح العيون المتبرجة بمواد مناسبة وتعيد رسم الوجه بملامح طفولية بسيطة وهادئة، وتجعل العيون بحجم طبيعي غير مبالغ به. كما تغيّر تصفيفة الشعر "النسائية"، فتجعله إمّا مجدولاً أو مربوطاً أو حتى منسدلاً بشكل مرتب وشبيه بشعر صغارنا. أما مسألة الملابس، فإن والدة الفنانة ساين، الخبيرة بالحياكة، تقوم بصنع ملابس مناسبة للدمى بحلتها الجديدة، ثياباً عادية يلبسها كل الأطفال.
ولفتت الفنانة على موقعها الإلكتروني إلى توضيح طريقة لعبها خلال طفولتها بدمى وألعاب مستعملة، مشيرة إلى أنّ فكرة تجديد الدمى ليست جديدة عليها، بل هي موقف تربوي وبيئي وثقافة أسرية. كما تعتبر ساين أنّ الدمى التي تنتجها العلامة التجارية الشهيرة Bratz بالتحديد، مثّل نموذجاً صارخاً للدمى المتبرجة بشكل لا يصلح لأن يكون الدمية التي سترافق الأطفال وتحديداً الفتيات في طفولتهن.
أما صفحتها على الفيسبوك treechangedolls، فتحفل بالفيديوهات التي تظهر شغفها بإعادة تجميل وتصنيع الدمى. كما تشير إلى أن بإمكان أي شخص مهتم بالموضوع أن يقوم بهذه المهمة مع أطفاله كي يدركوا أهمية إعادة إحياء الدمى بدلاً من رميها، وكذلك إيصال الرسالة بعدم القبول والتسليم بما يطرحه السوق لنا من منتجات.
من الجيد أن نطرح، نحن المستهلكون، على أنفسنا التساؤلات حول كل المنتجات التي نشتريها ونقتنيها، وأن ندرك أنّ وعينا وطريقة تفكيرنا بالأمور هي التي تحدد أساليب استهلاكنا. فمن غير السليم أن نورث أطفالنا عادة الاستهلاك التلقائي غير المفكر به، ولا بد من الحصول على منتجات تخدم مصلحتنا ومصلحة أطفالنا بالدرجة الأولى على مختلف المستويات. فلماذا لا نجعل هذا المنطق ينطبق على كيفية اختيارنا لدمى أطفالنا؟!