دموع التماسيح

27 يوليو 2016

أوباما.. بعد تأكده من فشل الانقلاب، أعلن دعمه الحكومة(22يوليو/2016/Getty)

+ الخط -
أظهر الانقلاب الفاشل في تركيا حيوية الشعب التركي، وشجاعته في الدفاع عن الشرعية النابعة من صندوق الاقتراع. كما أظهر جدّية الأحزاب السياسية في الدفاع عن الهوية الديمقراطية للبلاد، حيث لم يخلط اليمين واليسار والقوميون الأكراد بين عدائهم أردوغان وحزبه ووفائهم للديمقراطية والحكم المدني، حتى وإن كانوا بعيدين عن السلطة في هذه المرحلة، لكن الانقلاب الفاشل نجح في كشف النفاق الغربي، والأميركي تحديداً، إزاء الالتزام بدعم النظم الديمقراطية والحكومات الشرعية في الدول العربية والإسلامية، فقبل أن تظهر بوادر فشل الانقلاب، لم يخرج لا الرئيس الأميركي باراك أوباما، ولا الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، ولا المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ولا الاتحاد الأوروبي، ببيانٍ واضح جلي، يدين الانقلاب، ويجرّم إطاحة حكومةٍ شرعيةٍ وبرلمانٍ منتخب. كل ما فعله قادة (العالم الحر) أنهم دعوا إلى التهدئة، وإلى تجنّب إراقة الدماء، معلنين أنهم يراقبون الوضع، ممسكين العصا من الوسط، بل منهم من بدا يحمّل أردوغان مسؤولية الانقلاب على حكومته، مثل ما فعلت شبكة "سي إن إن" التي استدعت مخبرين متقاعدين وعسكريين إلى (بلاتو) الأخبار، واصفين ما يجري بأنه "انتفاضة يائسة من شعبٍ لا أمل له في حكومته"، بل أصدرت السفارة الأميركية في أنقرة بياناً ملتبساً "عن بوادر اندلاع ثورة" في الساعات القليلة التي أعقبت تلاوة البيان العسكري في التلفزة التركية الرسمية، ما دفع أصواتاً كثيرة في تركيا إلى اتهام أميركا بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل، ومعرفتها المسبقة بخطط قادته.
بعد أكثر من ثلاث ساعات على الانقلاب الذي لم تدنه القوى الكبرى، خرج أوباما بتصريح يدعم الحكومة المنتخبة، بعد أن تأكد أن طاجين الانقلاب احترق، وأن أكثر من أربعة ملايين تركي نزلوا إلى الشوارع، لحماية تجربتهم الديمقراطية. عندها أعلن رفضه الانقلاب الفاشل، وتبع أوباما جل القادة الأوروبيين، ولسان حالهم يقول: "للأسف فشل الانقلاب". بعد يوم، تحوّل أوباما وهولاند وميركل وموغريني إلى أساتذة في دولة الحق والقانون، واستأنفوا تقديم الدروس في ضرورة احترام قرينة البراءة، وعدم الانتقام من قادة الجيش المشتبه في وقوفهم خلف الانقلاب، وضرورة عدم التوسع في ملاحقة تنظيم الخدمة المزروع في كل مفاصل الدولة، أما 300 مواطن الذين قتلوا في المحاولة الانقلابية، فلا يوجد ناطق باسمهم.
ليس من حق المنافق السياسي أن يعطي دروساً في العقيدة الديمقراطية. أميركا وجل دول أوروبا الغربية، للأسف، لا يصدرون في سياساتهم الخارجية عن المبادئ، بل عن المصالح، والأخيرة هي عقيدتهم في السياسة الخارجية، وجل دول الغرب يفضلون التعامل مع حكوماتٍ استبداديةٍ، لأنها سهلة الانقياد، ولا يكبّلها في الداخل أي قيد، وتستطيع أن تعطي من قوت أبنائها للشركات العالمية، بلا حساب من برلمان أو رقابة شعبية. والذين انقبلوا على أردوغان وحزبه، لم يفعلوا ذلك لسيئاته، بل لحسناته... الذين يكرهون أردوغان في الغرب لا يفعلوا ذلك لأنه يركّز السلطة في يده، ويميل إلى التضييق على معارضيه، وينهج أسلوباً شعبوياً أحياناً، في موضوعات حسّاسة. الذين حاولوا الانقلاب فعلوا ذلك، لأن أردوغان يدافع عن استقلالية القرار في بلاده، ولا يمشي مع السياسة الأميركية في كل الملفات، ولا يداهن إسرائيل في كل المواقف، ولا يفتح قواعده العسكرية للغرب، من دون قرار من البرلمان، ولا يسكت عن حصار غزة وقتل الفلسطينيين بالتقسيط المريح للضمير الأخلاقي للغرب.
في بلدانٍ عديدة، لا تجتمع الديمقراطية مع الليبرالية، كما هو حاصل في أميركا وأوروبا الغربية، لأسبابٍ كثيرة. ومن ثمّة، لا يجب الخلط بين الأنظمة الاستبدادية التي تحكم خارج أي تفويض شعبي، كما في جل الدول العربية والأفريقية، والأنظمة التي قطعت شوطاً على درب الديمقراطية، لكنها لم تصل بعد إلى اعتناق الليبرالية، وروحها التي تجعل للديمقراطية شكلاً وجوهراً، فصندوق اقتراع يفرز أقلية وأغلبية، لكن للتداول على السلطة، في ظل ثوابت لا تتغير، وقواعد لا تمسّ، وحقوق فردية وجماعية لا تخضع للاستفتاء، فالديمقراطية تحمي أولاً الأقلية، أما الأغلبية فلا تحتاج أصلا لمن يحميها.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.