دموع التماسيح

02 ديسمبر 2015
+ الخط -
منعت السلطات الفرنسية أصدقاء البيئة من التظاهر في شوارع باريس، وفرضت الإقامة الإجبارية على 26 ناشطاً في حركة الخضر، ومنعتهم من مغادرة منازلهم، بدعوى أن حالة الاستثناء التي فرضتها الأوضاع الأمنية، عقب مجزرة باريس، لا تحتمل التظاهر في الشارع، ولو للدفاع عن قضية عادلةٍ مثل البيئة. في المقابل، فرشت فرنسا السجاد الأحمر لقادة العالم المتورطين في تدمير البيئة، ورفع حرارة الأرض، وأعطتهم أسبوعين للكلام الجميل والخطب التي تقطر إنسانية وحناناً على البيئة ومحيطها، على الثلوج التي تذوب كل دقيقة، وتصب مياهاً جديدة في بحار تهدد دولاً ومناطق وجزراً بالفناء، وعلى أنواع من النبات والحيوان والطيور والأسماك، تنقرض كل يوم، ولن يراها الجيل القادم سوى في كتب الطبيعة والأفلام الوثائقية. قادة العالم سيتأسفون عن موجات الجفاف التي تضرب الدول في إفريقيا وآسيا، بفعل الاحتباس الحراري واختلالات المناخ، ثم سيرجعون الى بلدانهم لطمأنة لوبيات الصناعة. 

سنسمع تنظيرات من أميركا والصين والبرازيل والهند الأربع الأكثر تورطاً في تلويث البيئة، وسينفضّ الجمع في باريس، على أمل اللقاء في مراكش السنة المقبلة، من دون التزامات واضحة، ومن دون إرادة سياسية، للوقوف في وجه لوبي الصناعات والشركات العملاقة التي لا دين لها إلا الربح، ولا عقيدة لها إلا السوق.
الهدف الموضوع على طاولة المفاوضات في قمة المناخ في باريس متفائل، الحد بنسبة 37% من الانبعاثات الملوثة إلى غاية 2015، ثم الانتقال إلى 43% إلى غاية 2030، لكن الجميع يعرف أن هذه الأهداف إذا لم تكن مكتوبة في معاهدة ملزمة، ستبقى أحلاماً، لا أهدافاً قابلة للتحقق. ليست الفوضى البيئية التي يعيش فيها العالم اليوم خللاً تقنياً أو انحرافاً أخلاقياً أو جشعاً اقتصادياً فقط. المشكلة أعقد من هذا بكثير، أسباب الأزمة التي تهدد الحياة على الأرض ثلاثة: أولاً، غياب حكومة عالمية تفرض القانون على مجتمع الدول، وتنظم صراع المصالح على الموارد الطبيعية، وتخفف من الفوضى المنتشرة فوق أرضٍ صارت قرية صغيرة ومتداخلة، الاقتصاد صار عالمياً، والسوق أضحى عالمياً، لكن القانون مازال محلياً، والأمم المتحدة باتت منبراً للخطابة، مكبلاً بحق الفيتو المحتكر من الخمس الكبار، وهولاء هم أكبر المتورطين في تدمير البيئة (حاميها حراميها). ثانياً، أيديولوجية الغرب المادية والرأسمالية تحديداً التي ترفع شعار (دعه يعمل دعه يمر)، أيديولوجية تقدس الربح والمال والمتعة والغريزة من دون حدود، ومن دون سقف، ومن ودون تفكير في حقوق الآخرين، وأولها حقهم في العيش في بيئة سليمة، فالشركة التي تعمل في تكساس عَلى استغلال حقول النفط منذ قرن لا ترى أن ضررها في البيئة والمناخ يغرق ملايين البنغلاديشيين في سيول الفيضانات الموسمية. والمصنع الذي لا يكف منذ ثلاثين عاماً عن نفث سمومه في الهواء في شنغهاي لا يفكر في موجات القحط التي تضرب جيبوتي جراء ارتفاع حرارة الأرض. ثالثاً، نموذج العيش الحديث الذي يسوقه الغرب إلى كل المجتمعات في الشمال والجنوب، حيث الحياة المرفهة المبنية كلها على استغلال غير معقلن للموارد الطبيعية، وعلى الإسراف الكبير في الطاقة والماء والغذاء والثروات الحيوانية بشكلٍ لم يعرفه البشر من قبل.
لا توجد موارد كافية فوق الأرض لاستمرار نمط العيش المهيمن اليوم على الثقافة الاستهلاكية وتمويله، والإمكانات الموجودة فوق الأرض لا تكفي سبعة مليارات إنسان ليعيشوا مثل الأميركي والفرنسي أو الخليجي والبريطاني. لهذا، تحتاج الشعوب لأن تتصالح مع أنماط عيشها الخاصة، وأن تجد معادلة للتطور الإيجابي وللاقتصاد الأخضر المتصالح مع البيئة. ناقوس الخطر الذي يدق اليوم في باريس هو الوجه الآخر لفشل الحضارة الغربية، ونمط عيشها، وأسلوب تفكيرها، لقد أوصلتنا إلى الباب المسدود، ووضعت البشرية كلها في خصام مع الأرض والطبيعة والهواء والطقس.
يقول مثل فرنسي "لا تشرب الماء في بلد متخلف، ولا تستنشق الهواء في بلد متقدم".
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.