31 ديسمبر 2019
دماءٌ على العلم
وقف في المسجد شاب ليقول كلمته المعروفة في ذلك الحي يوجهها لكبار الحي من الرجال الذين ما زالوا يقبعون تحت مظلة الخوف والرعب: "نحن لا نطلب منكم أن تخرجوا معنا في مظاهرات يوم الجمعة.. نحن فقط نرغب برضاكم وبركتكم.. كي يرقد مرتاحاً من لا يعود"
جامع شمسي باشا – حي القصور – حمص - قبل أسبوع.
أما في هذا الأسبوع، فقد كان شباب الحي متأهبين للخروج بالمظاهرة التي كبرت أكثر من الأسبوع الفائت.. وقد قرروا أن يقتربوا أكثر من الحاجز الذي أقامه النظام عند الشارع الرئيسي (طريق حماة أو ما يسمى بالكورنيش)، والذي يقطع ساقية الري المعروفة في الحي لتغيب تحت إسفلته القاتم بعرض الطريق وتعود مجدداً خلف الكراج القديم، كان هذا الحاجز مكوناً من ثلاثة عناصر وضابط، مسلحين كلهم، ومؤمنين بسواتر رملية كمن نصب مقراً لجنود في مدينة محتلة حديثاً.
كان قد أطلق على الجمعة اسم "جمعة ارحل"، وكان قد استشاط كل ضباط الحواجز في المدينة غيظاً لأجل تلك التسمية الأكثر وقاحة من التي سبقتها حسب ما ينص معجم الذل الذي كانوا يستنيروا بنوره القديم، والذي أخذ يبهت أمام أنوار صوت الحرية في كل يوم جمعة.
كان ضياء ابن الحي البالغ من العمر 17 عاماً، يصور بهاتفه الجوال لقطات يوثق فيها المظاهرات التي تخرج في الحي كأغلب شباب الحي الذين ظنوا أن فضح ممارسات جيش الأسد سيكون يوماً ما سبباً في إيقافها.
وهذا ما يفعله ضياء بعد خروجه من المسجد فوراً، حينما بدأت عناصر الحاجر بالاقتراب ودخول مشارف الحي، ومع تصويره الذي أظهر للسمع هتافين أحدهما كان (الشعب والجيش إيد واحدة) والثاني كان (الشعب يريد إسقاط النظام)، اقترب المتظاهرون من العناصر أثناء إطلاق العناصر بضع طلقات في الجو ما لبثت أن تحولت لطلقات مجنونة باتجاه المتظاهرين الذين ظهر رد فعلهم في هروبهم بالاتجاه المعاكس فارين من الرصاص الذي كان يمر خلالهم لأول مرةٍ في الحي بهذا الشكل المباشر، مع إمكان رؤيتهم لمن يقوم بالإطلاق رغم اختباء عناصر الجيش خلف زاوية المبنى بجانب البقالية المغلقة في أول الحي.
أطفأ ضياء كاميرا هاتفه وركض باتجاه مطلق النار.. الكل من حوله كان يركض معاكساً، والكل ظن أنه يريد تصوير إطلاق النار عن قرب، ولا شك أن هذا أمر جنوني، ووسط كل كلمات الترجي له بالعودة والرجوع، حمل ضياء شيئا من الأرض ورماه باتجاه العناصر المطلقة للنار والتي بدورها بادرته بالرمي أيضا، حيث لم يبق في وجههم سوى ذلك الشاب ذي العود النحيل والقامة القصيرة.
كانت قطعة الحجر التي رماها ضياء لم تصب أحداً.. أما الرصاصات الثلاث التي صوبت عليه.. فاستقرت على ما يبدو في جسده الذي سقط أرضا على بعد أمتار قليلة من قاتله الذي أصاب اثنين غيره، أحدهم في كتفه والآخر في فخذه، وبقي مكانه مستمراً في إطلاق الرصاص على أهل الحي الذين هجموا على جسد ضياء آملين بأن ينقذوه من دمائه، تلك الدماء التي طرزت علما - كان قد عقد على كتف ابن حيه - طرزته بلون دمه المنسدل من جرحه كتعويذة تذهل من يراها. لم يكن المتظاهرون وقتها قد رفعوا بعد العلم الأخضر (علم الاستقلال)، كان علم الشعب لا يزال واحدا، والجرح واحد.
بقي هذا العلم معلقاً على سارية عالية في وسط الحي أمام تجمع المدارس بتطريزه الدامي يرسل مع كل نسمة من نسمات حمص عبق مسك دماء أول شهيد في حي القصور..
كانت بقعة الدم التي خلفها جسد ضياء على أرض الحي قد بدأت تجف تاركةً مكانها ندبةً ندية أصبحت مزاراً لشبان الحي من أصدقاء ضياء، فأحدهم كتب على قميصه (ارحل يا سفاح)، وخضله بالدماء المسجاة على الأرض، والآخر فعل الشيء ذاته ولكنه اختار شعاراً أشمل (الشعب يريد إسقاط النظام).
استشهد ضياء رامز النجار يوم الجمعة الموافق 1/7/2011
أما في هذا الأسبوع، فقد كان شباب الحي متأهبين للخروج بالمظاهرة التي كبرت أكثر من الأسبوع الفائت.. وقد قرروا أن يقتربوا أكثر من الحاجز الذي أقامه النظام عند الشارع الرئيسي (طريق حماة أو ما يسمى بالكورنيش)، والذي يقطع ساقية الري المعروفة في الحي لتغيب تحت إسفلته القاتم بعرض الطريق وتعود مجدداً خلف الكراج القديم، كان هذا الحاجز مكوناً من ثلاثة عناصر وضابط، مسلحين كلهم، ومؤمنين بسواتر رملية كمن نصب مقراً لجنود في مدينة محتلة حديثاً.
كان قد أطلق على الجمعة اسم "جمعة ارحل"، وكان قد استشاط كل ضباط الحواجز في المدينة غيظاً لأجل تلك التسمية الأكثر وقاحة من التي سبقتها حسب ما ينص معجم الذل الذي كانوا يستنيروا بنوره القديم، والذي أخذ يبهت أمام أنوار صوت الحرية في كل يوم جمعة.
كان ضياء ابن الحي البالغ من العمر 17 عاماً، يصور بهاتفه الجوال لقطات يوثق فيها المظاهرات التي تخرج في الحي كأغلب شباب الحي الذين ظنوا أن فضح ممارسات جيش الأسد سيكون يوماً ما سبباً في إيقافها.
وهذا ما يفعله ضياء بعد خروجه من المسجد فوراً، حينما بدأت عناصر الحاجر بالاقتراب ودخول مشارف الحي، ومع تصويره الذي أظهر للسمع هتافين أحدهما كان (الشعب والجيش إيد واحدة) والثاني كان (الشعب يريد إسقاط النظام)، اقترب المتظاهرون من العناصر أثناء إطلاق العناصر بضع طلقات في الجو ما لبثت أن تحولت لطلقات مجنونة باتجاه المتظاهرين الذين ظهر رد فعلهم في هروبهم بالاتجاه المعاكس فارين من الرصاص الذي كان يمر خلالهم لأول مرةٍ في الحي بهذا الشكل المباشر، مع إمكان رؤيتهم لمن يقوم بالإطلاق رغم اختباء عناصر الجيش خلف زاوية المبنى بجانب البقالية المغلقة في أول الحي.
أطفأ ضياء كاميرا هاتفه وركض باتجاه مطلق النار.. الكل من حوله كان يركض معاكساً، والكل ظن أنه يريد تصوير إطلاق النار عن قرب، ولا شك أن هذا أمر جنوني، ووسط كل كلمات الترجي له بالعودة والرجوع، حمل ضياء شيئا من الأرض ورماه باتجاه العناصر المطلقة للنار والتي بدورها بادرته بالرمي أيضا، حيث لم يبق في وجههم سوى ذلك الشاب ذي العود النحيل والقامة القصيرة.
كانت قطعة الحجر التي رماها ضياء لم تصب أحداً.. أما الرصاصات الثلاث التي صوبت عليه.. فاستقرت على ما يبدو في جسده الذي سقط أرضا على بعد أمتار قليلة من قاتله الذي أصاب اثنين غيره، أحدهم في كتفه والآخر في فخذه، وبقي مكانه مستمراً في إطلاق الرصاص على أهل الحي الذين هجموا على جسد ضياء آملين بأن ينقذوه من دمائه، تلك الدماء التي طرزت علما - كان قد عقد على كتف ابن حيه - طرزته بلون دمه المنسدل من جرحه كتعويذة تذهل من يراها. لم يكن المتظاهرون وقتها قد رفعوا بعد العلم الأخضر (علم الاستقلال)، كان علم الشعب لا يزال واحدا، والجرح واحد.
بقي هذا العلم معلقاً على سارية عالية في وسط الحي أمام تجمع المدارس بتطريزه الدامي يرسل مع كل نسمة من نسمات حمص عبق مسك دماء أول شهيد في حي القصور..
كانت بقعة الدم التي خلفها جسد ضياء على أرض الحي قد بدأت تجف تاركةً مكانها ندبةً ندية أصبحت مزاراً لشبان الحي من أصدقاء ضياء، فأحدهم كتب على قميصه (ارحل يا سفاح)، وخضله بالدماء المسجاة على الأرض، والآخر فعل الشيء ذاته ولكنه اختار شعاراً أشمل (الشعب يريد إسقاط النظام).
استشهد ضياء رامز النجار يوم الجمعة الموافق 1/7/2011